بعد الاقتصاد السوري... روسيا يزداد نفوذها في الثقافة والرياضة

بعد الاقتصاد السوري... روسيا يزداد نفوذها في الثقافة والرياضة

تقارير | 17 06 2020

روزنة|| عكفت روسيا خلال الفترة الماضية على زيادة تغلغل نفوذها في سوريا على جميع الأصعدة، ابتداء من العسكري والسياسي وصولاً إلى الاقتصادي لتصل مؤخراً إلى الصعيدين الثقافي والرياضي. 

من بوابة دولة "تتارستان" المنضوية تحت فيدرالية روسيا الاتحادية تسعى موسكو لوضع الرياضة السورية تحت أعين روسيا. حيث اتفق كل من الاتحاد الرياضي العام في سوريا (أعلى سلطة رياضية في البلاد) واللجنة الأولمبية في تتارستان على توقيع "اتفاقية تعاون شاملة" بين الجانبين تشمل كل الرياضات و بمختلف أدواتها وكوادرها، بحيث تكون اللجنة الأولمبية في الدولة الناشئة التي لا يصل عدد سكانها الـ 4 ملايين نسمة "الوصي" على الرياضة السورية. 

وبحث رئيس الاتحاد الرياضي العام فراس معلا، نهاية الشهر الفائت، مع رئيس اللجنة الأولمبية في تتارستان و نائب رئيس الاتحادات الرياضية الروسية مارات بارييف، إمكانات تقديم المساعدات الرياضية اللازمة لدمشق في مختلف المجالات الرياضية.

وأكد معلا أهمية التعاون بين اللجنتين الأولمبيتين "الذي سيثمر عن فرصة ممتازة للاعبين السوريين والمنتخبات السورية لإقامة معسكرات تدريبية إضافة إلى عملية تأهيل المدربين في أفضل الأكاديميات في الاتحاد الروسي" بحسب ما نقلته وكالة "سانا". فيما أبدى بارييف استعداده لتقديم كل الدعم للجنة الأولمبية السورية في مختلف المجالات "الأكاديمية والفنية".

و من المنتظر أن يتم توقيع الاتفاقية الشاملة في أقرب وقت بعد انتهاء الحظر الخاص بفيروس "كورونا المستجد". مع توقيع الاتفاقية ستكون دمشق مرتبطة بشكل مباشر رياضياً مع "تتارستان" الروسية.

وعلى الصعيد الثقافي يأتي استئناف نشاط المركز الثقافي الروسي في دمشق؛ بعد أكثر من عام على إعادة افتتاحه، في وقت يُعيّن فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبعوثا خاصا له بدمشق من أجل "تطوير العلاقات" هناك. 

مدير المركز، نيكولاي سوخوف، أرجع استئناف العمل والبدء بافتتاح دورات لتعلم اللغة الروسية؛ إلى أنها استجابة للضغط الاجتماعي والطلبات التي تلقاها المركز، واصفاً عودة دورات اللغة الروسية، بأنها "أول خطوة لاستعادة الوجود الإنساني الروسي في سوريا"، وسط خطط لتمديد هذه الأنشطة إلى مدن سورية أخرى.

اقرأ أيضاً: باحث روسي يكشف أسباب تعيين يفيموف مبعوثاً لبوتين بدمشق

وأُغلق المركز في نهاية 2013 بعد توقف روسيا عن إرسال موظفين للعمل فيه. فيما كانت وزارة التعليم العالي بدمشق افتتحت، في تشرين الثاني 2014، قسما للغة الروسية وآدابها، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق، كما تدرّس معاهد اللغات في الجامعات السورية اللغة الروسية بشكل دائم.

الرئيس الروسي كان وقّع في الـ 25 من الشهر الفائت، على مرسوم تعيين ألكسندر يفيموف، مبعوثاً خاصاً له لتطوير العلاقات مع سوريا، إلى جانب مهامه كسفير لبلاده بدمشق. 

وجاء في نص المرسوم، أن "تعيين السفير المفوض فوق العادة لروسيا الاتحادية لدى الجمهورية العربية السورية، ألكسندر يفيموف، مبعوثاً خاصاً لرئيس روسيا الاتحادية، لتطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية، على أن يدخل المرسوم حيز التنفيذ من تاريخ توقيعه". وكان يفيموف قد تم تكليفه سفيراً لروسيا بدمشق منذ تشرين الأول عام 2018.

تعيين يفيموف يجعله ثالث مبعوث لموسكو في الشؤون المتصلة بالوضع السوري، حيث سبقه إلى ذلك كل من ميخائيل بوغدانوف (المبعوث الخاص لبوتين إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، و الكسندر لافرينتيف (المبعوث الخاص لبوتين إلى سوريا)، ولعل بعض التقديرات قد تذهب للتحليل الأقرب للدقة حينما نقول أن يفيموف يأتي كذراع سياسية قوية لبوتين بشكل مباشر، بعد تنحية الملف السوري خلال الفترة المقبلة عن كل من وزارتي الخارجية أولاً (لافروف وزميله بوغدانوف) والدفاع ثانياً (شويغو ورجل الاستخبارات لافرنتيف). 

ولعل يفيموف (المختص في الشؤون الاقتصادية) قد يكون مسؤولاً عن الملف الاقتصادي في مرحلة إعادة الإعمار والتي يمكن أن تدخل خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن رعاية الاستثمارات الروسية في سوريا التي توسعت كثيراً وشملت مختلف القطاعات الاقتصادية في سوريا.وهذا بالضبط لا يلغي دور يفيموف من التجهيز للمرحلة السياسية المقبلة ما قبل وبعد الانتخابات الرئاسية المقبلة 2021. ولكن دوره بالتأكيد لن يكون كما أشاعت بعض القراءات المستعجلة حول أن مسألة تعيينه لا تفسر إلا أنها "محاولة انتداب"، قد تُمهد لمرحلة جديدة في سوريا عبر تعيين "مندوب سامي". 

تجنيد الأطفال

وكان النظام السوري وقّع  في 2 أيلول 2018 مع الحكومة الروسية اتفاقية تسمح لموسكو بتدريب أطفال سوريين في المدارس العسكرية الروسية، بعد تعليمهم اللغة الروسية وضمهم لصفوف الجنود الروس. 

وكانت تتراوح أعمار الأطفال الـ 8 المختارين بين 10 و15 سنة، نقلتهم طائرة عسكرية روسية من قاعدة حميميم في اللاذقية للالتحاق بالمدرسة العسكرية الروسية بمدينة سان بطرسبرغ، ليعودوا وينضموا فيما بعد إلى "الجيش السوري" مشكّلين نخبة من الضباط. 

و قد يكون من ضمن أهم ما يقوم عليه التغلغل الثقافي هو إدخال القوة الطامحة للهيمنة إلى البلد المستهدف، ويكون ذلك بعدة أدوات من بينها تعليم اللغة، فمع تضاعف الجهود الروسية لتوسيع نفوذها في سوريا، سعت روسيا عام 2018 إلى إدخال اللغة الروسية والثقافة الروسية إلى بنية المجتمع والفرد السوري، وكان من بين أولى مشاريعها هو افتتاح أول مدرسة روسية في دمشق -آنذاك-، تحت إشراف الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية، حيث تعتمد المدرسة في تعليمها على المنهاج الروسي والبرامج التعليمية الروسية، كما تضم المدرسة وحدات عدة يجري نقلها من مدينة نوفوروسيسك الروسية إلى سوريا.

ينظر المتابعين إلى تطورات المشهد السوري أن فرض رؤية موسكو على شكل الحل في سوريا؛ سيكون خلال الفترة المقبلة أمراً قابلاً للتحقق أكثر من أي رؤية أخرى من قبل الجهات المتدخلة في الشأن السوري، على اعتبار اتساق التطورات العسكرية مع الطروحات السياسية لموسكو. 

قد يهمك: روسيا تقترب من وضع يدها على شركة "إم تي إن" 

مطلع عام 2017 تقدمت روسيا بمسودة دستور خاص بسوريا، حيث تنص بشكل رئيسي على إحلال الفيدرالية (اللامركزية) وهو ما ينسجم بشكل أكبر قياساً على الواقع الميداني في سوريا؛ من أي شكل آخر لإدارة البلاد. حيث يقترح الدستور المُعّد من روسيا بتوسيع صلاحيات جمعية المناطق (التسمية الجديدة للإدارات المحلية) وتعزيز مبدأ "لا مركزية السلطة"، وكذلك تغيير مسمى البرلمان من "مجلس الشعب" إلى "جمعية الشعب"، وتتولى جمعية المناطق السلطة التشريعية مكونة من "ممثلي الوحدات الإدارية".

و رغم نفي مصادر معارضة في وقت سابق بأن تكون هناك طروحات دستورية جاهزة تُملى على اللجنة الدستورية السورية، إلا أن مصادر ديبلوماسية غربية كانت نوهت لـ "روزنة" إلى أن كلمة روسيا في اللجنة الدستورية من المرجح أن تكون العليا في مخرجات هذه اللجنة، ما يسمح بمرور المقترح الدستوري الروسي الداعي إلى تأسيس "فيدرالية سورية". 

إن المراقب لشكل خارطة النفوذ في سوريا وكيفية تقسيم المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق؛ "سواء بشكل كامل أو جزئي"، إلى قطاعات متباعدة بل و متناحرة، بفعل اتفاقية "خفض التصعيد" التي استطاعت روسيا تمريرها عبر إطار أستانا بالتعاون مع شريكها التركي منذ عام 2017، يُدفع للقول أن "الفيدرالية" هي الشكل المنتظر لإدارة سوريا، كنظام إدارة أنسب. 

مؤخراً وبعد سيطرة دمشق بمساعدة حليفها الروسي على كامل طريق حلب-دمشق الدولي "M5"، وكذلك الأمر ينطبق على طريق حلب-اللاذقية الدولي "M4"، بات شمال مركز محافظة إدلب وما تبقى من ريف حلب الغربي قطاعاً معزولاً عن المناطق التي خرجت تدريجياً عن سيطرة المعارضة المدعومة من قبل أنقرة. 

روسيا التي تغولت في قطاعات اقتصادية عديدة مؤخراً وزاحمت إيران عليها وبل ألغت وجودها في قطاعات مهمة، تسعى أيضاً لتحصيل المكاسب الاقتصادية ويتمثل بإبعاد النفوذ الإيراني عن المنطقة وهو الوجود الذي بات يثقل كاهل الروس، لذا فإن إضعاف النفوذ الاقتصادي الإيراني في سوريا عبر محاربة أذرعها (رامي مخلوف في مقدمتهم) أو إفشال عقود استثماراتها. 

و قد يشي توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على البروتوكول رقم 1 (في 28 أيار الفائت) المُلحق باتفاقية قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، بأن موسكو تريد زيادة ممتلكات نفوذها في الساحل السوري تحضيراً لمستجدات المرحلة المقبلة. 

تُبدي روسيا حاجتها في نقل مساحات برية وبحرية إضافية لقواعدها الجوية (حميميم) والبحرية (طرطوس) في سوريا، بذريعة الحاجة لضمان أمن أعلى بدرجة شبه كاملة لتلك القواعد. هنا يتوجب الإشارة إلى وجود موافقة أميركية ضمنية على أي تحرك روسي حالي ومقبل، فقد كان المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، أكد موافقة واشنطن عن الوجود الروسي مبدياً رغبة واشنطن بالانسحاب من سوريا وكذلك خروج القوات الأجنبية، مقابل استثناء القوات الروسية من هذا الأمر. 

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض