تقارير | 2 06 2020

ادعت الحكومات، التي تدير مناطق النفوذ في سوريا تأمين أدوات التعليم عن بعد للطلاب السوريين، وذلك بعد إقرار إغلاق المدارس بسبب انتشار فيروس كوفيد-19، لكنها لم تؤمن الخدمات الأساسية لنحو ملايين من الطلاب والآلاف من المدرسين لتعويض الفاقد التعليمي لديهم في البلاد، ما جعل إمكانية متابعة العملية التعليمية بحدودها الدنيا أمراً شبه مستحيل، لكن السلطات المسيطرة على البلاد لا تعترف بذلك، بل تعمل على بث "بروباغاندا" غير واقعية عن استمرار عمليات التعليم، وتطوير تطبيقات.
في هذا التحقيق عملت روزنة على مقاطعة الأدوات التعليمية التي قدمتها السلطات المختلفة المسيطرة على الأراضي السورية، مع مدى استفادة الطلاب على أرض الواقع، وفي سبيل ذلك تواصلت شبكة مراسلي روزنة مع عشرات الطلاب والأهالي والأساتذة في مختلف أنحاء البلاد، وقامت بمسح دقيق لمعرفة مدى نجاح تواصل العملية التعليمية، ولكن النتائج كانت صادمة.
نظام التعليم عن بعد مفقود
توقفت عمليات التعليم، وتم إغلاق المدارس بالكامل منذ أشهر، قدمت الحكومة السورية مجموعة من الحلول للتعليم عن بعد، ولكن هذه الحلول بدت شكلية فقط، فيما المواطنون السوريون بالكاد يحصلون على خدمات الكهرباء والانترنت، وإن حصلوا عليها فهي غالية جداً.
أطلقت وزارة التربية في حكومة النظام السوري، تطبيقاً الكترونياً باسم "نافذة التعليم"، قام بتحميل التطبيق أكثر من 100 ألف مستخدم، ولكن لم يحصل على أكثر من 3 نجمات للتقييم، وبتتبع التقييمات وجدنا أن الطلاب كانوا يتذمرون من عدم قدرتهم على الاتصال بالتطبيق مع عدم وجود انترنت، واحتوائه على مشاكل تقنية، إضافة إلى ضرورة استعمال طرق ملتوية لتحميل التطبيق على اعتبار أن تطبيق غوغل بلاي لا يعمل في سوريا، فعلياً جميع الطلاب الذين تواصلنا معهم من مختلف المحافظات السورية قالوا بأنهم لا يستعملون التطبيق.
يستفيد بعض الطلاب من الفيديوهات المنشورة على اليوتيوب، ويقوم بعض الأساتذة بتنزيل الفيديوهات من الإنترنت وإرسالها بطرق مختلفة للطلاب، يقول أحمد وهو أستاذ في محافظة السويداء "استعمل الانترنت السريع عندما تسمح لي الفرصة، وأدفع تكاليفه من حسابي الشخصي، أقوم بتحميل الفيديوهات التعليمية من موقع القناة التربوية، وأرسلها للطلاب على الواتس أب لأن تصفح الفيديو من الواتس أب أقل تكلفة بكثير على الطلاب".
جميع الطلاب والأساتذة، الذين تواصلنا معهم في رحلتنا داخل سوريا لم يحصلوا على معلومات خاصة بنظام التعليم عن بعد، يحاول بعض الأساتذة التركيز على الطلاب حملة الشهادات وذلك عبر مبادرات فردية يقومون بها كما فعل أحمد، بينما يبقى طلاب الصفوف الانتقالية بدون أية رعاية أو متابعة، خاصة وأن وزارة التربية أعلنت نجاح الطلاب في الصفوف الانتقالية بشكل تلقائي للعام المقبل، من دون أية امتحانات أو اختبارات.
"رولا" وهي أم لثلاثة أطفال بمراحل انتقالية مختلفة تعيش في دمشق تقول "منذ إغلاق المدارس في جديدة عرطوز بريف دمشق لم يتواصل معنا أي أستاذ أو مسؤول في المدرسة"، حاولت "رولا" سؤال استاذ ابنها فنصحها بمتابعة الدروس عبر الانترنت.
استمع إلى الطفلة رسمية العلي (تسعة سنوات) وتعيش في ادلب .. وتتناوب على جهاز كومبيوتر واحد مع اخوتها الآخرين:
في القامشلي والحسكة أيضاً الوضع مشابه، فالتعليم متوقف تماماً والطلاب يتواصلون بشكل شبه معدوم مع الأساتذة، يقول عبد الغني أن ساعات التقنين في القامشلي تقارب ال12 ساعة يومياً، وأن الانترنت سعره مرتفع جداً بالنسبة لدخله الحالي، بالتالي هو يحاول تقديم المساعدة لأطفاله بنفسه.
عملت وزارة التربية في حكومة النظام السوري العمل على مشروع التعليم عن بعد منذ عام 2007، ولكن البنى التحتية اللازمة لتعميم هذا المشروع لم تكتمل حتى عام 2011 وتراجع تطبيق المشروع مع انتشار رقعة المواجهات العسكرية في البلاد، حيث دمرت العديد من المدارس و تحول البعض منها إلى ثكنات عسكرية لقوات النظام و حلفائه الروس، إضافة للتراجع الاقتصادي و الخدمات كالكهرباء والانترنت.


انعكس هذا التراجع على الطلبة مع انتشار جائحة كورونا، فقد تتبعنا الإجراءات التقنية على موقع وزارة التربية السورية، من توفير المناهج الالكترونية وتحميل الدروس على طريقة التعلم المتمازج ضمن الصفوف الافتراضية، وتوفير التواصل المباشر مع الأساتذة عن طريق قناة التربوية، وجدنا أنها بمجملها مرتبطة بتوفير الكهرباء وتزويد المناطق بشبكات الانترنت وهي خدمات مقدمة ضمن مستوى ضعيف إلى متوسط.
أطلقت الوزارة منصة التعليم المتمازج في الـ19 من شهر آذار للصفوف الانتقالية في مرحلة التعليم الأساسي والثانوي بتأخر أسبوع من تاريخ إعلان أولى إجراءات الحجر الصحي، أصدرت الهيئة العامة للاتصالات في الثاني من نيسان قراراً بعدم قطع اشتراكات الانترنت عن المتأخرين عن دفع الفواتير. وهو قرار متأخر بنحو 20 يوم عن إعلان إجراءات الحجر الصحي.
تجاوب الإدارة الذاتية، التي تسيطر على شمال شرق سوريا جاء متأخراً أيضاً، فقد بدأت هيئة التربية في "إقليم الفرات" التي تشرف على 230.489 طالب، بتسجيل المنهاج التعليمي الخاص بطلاب الثالث الثانوي بفرعيه الأدبي والعلمي عبر تصويره بتقنية الفيديو في بداية شهر نيسان، لتعويض الطلاب الذين انقطعوا عن مدارسهم بسبب إجراءات الوقاية من انتشار فيروس "كورونا المستجد". وأنجزت ما نسبته 20 بالمائة بعد اسبوعين من البدء فيه.
أما التعليم في مراكز الإيواء أو المخيمات فهو في وضع صعب للغاية، المدراس غالبيتها أصبحت مراكز لإيواء من تهجروا، والمواطنون أكثر فقراً من دفع تكاليف الانترنت حتى باستخدام الموبايلات.
في مخيم "التوينة" بالحسكة يداوم أكثر من 1700 طالب على ثلاثة دفعات خلال اليوم الواحد وذلك لتخفيف الاختلاط قدر المستطاع. والأمر أسوأ في ريف ادلب الخاضع لسيطرة المعارضة السورية، فالبنى التحتية هي الأكثر تضرراً، القرى مليئة بالمهجّرين الذين يعيشون في بيوت مكتظة أو في مخيمات سيئة التخديم، أخبرنا جميع المعلمين والطلاب الذين التقينا معهم أن عملية التعليم متوقفة تقريباً، والمعلمون يحاولون التواصل مع الطلاب بأية طريقة ممكنة، ولكن من دون أي دعم من الجهات المختصة.
استمع إلى الطفل فهد الجاسم الذي يعيش في أحد المخيمات بريف ادلب:
يخبرنا معن الأحمد مسؤول دائرة الإعلام في مديرية تربية حماة بأنه ليست لديهم كحكومة أية خطط بخصوص الشهادتين الثانوية والإعدادية بعد ويقول مصطفى حاج علي مسؤول دائرة الإعلام في مديرية تربية إدلب بأن المديرية لم تعتمد بعد طريقة إجراء الامتحانات، وبأنه ليس هناك إمكانيات لإجراء الاختبارات عن بعد، خاصة وأن الطلاب أنفسهم لا يملكون انترنت أو أجهزة أصلاً.
استمع لمداخلة معن الأحمد مسؤول دائرة الإعلام في مديرية تربية حماه:
واتس اب منقذ التعليم
يتابع العديد من الأساتذة محاولاتهم بكل الطرق الممكنة للتواصل مع طلابهم، خاصة هؤلاء الذين يواجهون تحديات امتحانات الشهادة الإعدادية والثانوية. يعتمد غالبية الأساتذة والطلاب على التواصل عبر "واتس أب" سواء بطريقة فردية أو عن طريق المجموعات نظراً لتوفره لدى غالبية الطلاب وأهاليهم، وانخفاض تكلفة استخدامه و سهولته مقارنة بالتطبيقات الأخرى.
يقول علي من مدينة درعا، ولديه طفلان في المدرسة الابتدائية: "في بداية فترة الحجر الصحي لم يكن هناك أي دور لنظام التعلم عن بعد، كنا نتواصل مع المعلمة بشكل شخصي، ترسل لزوجتي الدرس ونعود لنرسل إليها الإجابات مسجلة. و تكلفت الانسة ما يقارب ال20 ألف ليرة سورية شهرياً، فهي بحاجة إلى شحن باقتها كل يومين بمبلغ وقدره 1000 ليرة سورية وهي مبالغ لم تتكفل بها وزارة التربية في حكومة النظام السوري".
جميع الأساتذة الذين التقينا معهم يستعملون الواتس أب كطريقة أساسية وشبه وحيدة للتواصل مع طلابهم. يرى الأساتذة أن الواتس أب هو الخدمة الأقل تكلفة خاصة عندما يعتمد على المحادثات الكتابية، كما أنه متوفر لدى غالبية الطلاب، سواء على أجهزة موبايلاتهم أو موبايلات أهاليهم.
قام المعلمون والمعلمات بإنشاء مجموعات محادثة للطلاب على "واتس أب"، يرسل الاستاذ اسئلته ويجيبه الطلاب كتابة، أو يرسلون تسجيلات صوتية، وفي بعض الأحيان يطلب منهم إنجاز وظائف ويكون عليهم كتابتها وتصويرها بالكاميرا ليكون بإمكان المعلم الإطلاع عليها.
شاهد كيف يتحدث أحد الأساتذة مع طلابه عبر واتس أب في هذا الفيديو:
استخدام تطبيق واتس اب هو مبادرة قام بها الأساتذة بشكل فردي، وعلى حسابهم الشخصي، بسبب غياب أي دعم من السلطات المختصة في كل المناطق السورية.
للأغنياء فقط
الطلاب الميسورون مادياً في سوريا، لديهم القدرة للوصول إلى خدمات الإنترنت والكهرباء أكثر من غيرهم، فالتكاليف التي يستحيل على غالبية السوريين تحملها، يستطيع القلة من الميسورين الحصول عليها.
مناطق مراكز المدن الكبرى تتمتع بخدمات انترنت أفضل من غيرها، وتنتظم ساعات تقنين الكهرباء بشكل أقل بكثير من المناطق الفقيرة. فيما تقدم المدارس الخاص عناية أكبر، ومتابعة أقرب للتدريس عن بعد.
خدمات الانترنت تتفاوت بحسب البنية التحتية للمقاسم في المنقطة، فخدمات الانترنت في وسط دمشق، تختلف عن المناطق الأخرى، و رغم أنك قد تدفع لقاء نفس الباقة، ونفس المبلغ ونفس الخدمات، إلا أن تجربتك كمستخدم في دمشق أفضل بكثير من نظيرك المستخدم في ريف حمص على سبيل المثال.
منير وزوجته يعيشان مع ولدهما المقبل على امتحانات الثانوية العامة في اللاذقية، قرر الوالدان تخصيص مدرس خصوصي لعدد من المواد وهما يدفعان مبالغ كبيرة لتأمين ذلك، فعلياً افتتح منير مدرسة خاصة لابنه في منزله، يقول منير " الوصول إلى التطبيقات التي خصصتها وزارة التربية صعب جداً، المدرس الخصوصي هو أفضل خيار حالياً".
تحدثنا مع أمهات طلاب يدرسون في مدارس خاصة بدمشق وحمص، رغد تقول أن المعلمة تتواصل مع بناتها بشكل يومي لإعطاء واجبات ودروس، وبأنها تتابع مع نباتها الدروس عبر الانترنت على يوتيوب، وبالطبع تدفع رغد الأقساط الغالية دون أي تغيير. أما سمر لابنيها الاثنين أجهزة الكومبيوتر الخاصة بكل منهما، وتتابع معهم التعلم على الانترنت بشكل دقيق، تقول سمر "بنتي نامت وفاقت لقت حالها بالبكالوريا". تقول رانيا ابنة سمر "بتمنى يجي فيروس غريب كمان العام القادم وننجح بدون فحص!".
الحكومات تحاول.. وتتخبط
تدير العملية التعليمية في سوريا أربعة مجالس حكومية مختلفة المراجع السياسية، وتفاوت تجاوب هذه المجالس مع جائحة كوفيد-19 على صعيد الإجراءات والتدابير الاحترازية المتخذة بما يخص قطاع التعليم.
هيئة الادارة الذاتية وحكومة النظام السوري نقلت جميع طلاب الصفوف الانتقالية في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي إلى الصفوف الأعلى من دون أية امتحانات، وطلبت من وزارة التربية وضع خطة لتعويض الفاقد التعليمي للطلاب مع بداية العام القادم.
وحددت الحكومة مواعيد لإجراء امتحانات الشهادتين عبر دورة امتحانية واحدة فقط، وألغت الدورة التكميلية. مع تعديل في نموذج الاسئلة وذلك باضافة الأسئلة الاختيارية للطلاب في كل مادة امتحانية، وزيادة المدة الزمنية الفاصلة بين مادة وأخرى.
وقامت وزارة التربية في حكومة النظام السوري بافتتاح دورات تقوية ومراجعة لطلاب الصف التاسع "شهادة التعليم الأساسي" في المحافظات السورية كافة، بالتعاون مع مكتب منظمة الأمم المتحدة للثقافة (يونسكو) الإقليمي في الدول العربية.
فيما قررت وزارة التربية في الحكومة المؤقتة نقل طلاب المراحل الانتقالية في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي للصفوف الدراسية التي تليها، وبناء على اعتماد نتيجة الفصل الدراسي الثاني لتكون نفس نتيجة الفصل الأول.
وعملية تابعت التعليم عن بعد دون وجود أي تدريبات مسبقة على هذا النوع من الدروس، و أطلقت قناة اليوتيوب الخاصة بها للمواد الدراسية بتأخير شهرين عن تعليق الدوام في المدارس، بينما بقيت علاقة الاساتذة خلال هذه الفترة في توصيل المناهج عبر تطبيق الواتس اب وتسجيل الدروس عن طريق الفيديوهات و تشاركها مع الطلاب.
و تشاركت الإدارات التربوية اعتماد المناهج التي تلقاها الطلبة، حتى تاريخ تعليق الدوام في المدارس التابعة لها للامتحانات السنوية بالنسبة للشهادات الثانوية والتعليم الأساسي.
حكومة الإنقاذ التابعة للمعارضة السورية لا تزال تعيش حالة من التخبط، و لغاية تاريخ انجاز التحقيق لم يتخذ قرار نهائي في امتحانات الطلاب المرحلة الانتقالية. 22/5/2020
وكانت الأمم المتحدة في عام 2013 حذرت من أن نحو مليوني طفل سوري هم خارج الدراسة وبمثابة "الجيل الضائع" لتعود بعد 3 سنوات وتقول أنها نعت أوضاع الطفولة في سوريا. وقالت المنظمة في تقريرها الذي يحمل عنوان "لا مكان للأطفال"، إن أكثر من ثمانية ملايين طفل في سوريا والدول المجاورة يحتاجون لمساعدات إنسانية، في حين تعاني خطة الاستجابة الدولية لأزمة سوريا من نقص مزمن في التمويل.