تقارير | 25 05 2020
سوزان سلامة - روزنة|| قد تكون من المميزات النادرة المتبقية لدى الشعب السوري بأنه لا يزال قادراً على محاولة التفنن بالتحضير لأعياده ومناسباته الاجتماعية، فيبتكر طرقاً عجيبة تجعل منه عجينةً سهلة التشكل قادرةً على التكيف تحت جميع الظروف، فبعد إنهاء شهر رمضان بتأمين الحد الأدنى من متطلباته.
و بعد أن خلق السوريون مناخاً يجعلهم يتكيفون مع شهر رمضان، ها هم على أهبة الاستعداد لاستقبال عيد الفطر، غير أن استعداد هذه المرة غير كل مرة، وهذه الجملة تحديداً تقال مع بداية كل أزمة جديدة، كدلالة عن تدهور الأوضاع وسوء حال السوريين عند استقبال مناسبات لم يعتادوا ألا يستعدوا لها ويتركوها تأتي وتمضي دون أي تحضيرات تليق بأهمية هذه المناسبة عند غالب السوريين.
تناقض رهيب
حالة طوارئ منزلية يعلنها رب كل أسر سورية تستعد للاحتفال بعيد الفطر، ولكن بطبيعة الحال يمكن أن يستثنى من هذا الأمر الطبقة فاحشة الثراء والتي يتفنن منتسبوها بعرض مظاهر الترف والبذخ على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، من ألبسة فاخرة مصممة خصيصاً لهم، إلى موائد للطعام يكفي الناظر إليها أن يذرف دموع الندم على بقائه في سوريا.
مع اقتراب عيد الفطر "السعيد" تذهب أروى.د (سيدة في الثلاثينات، وأم لثلاثة أطفال، موظفة في القطاع العام، تتقاضى شهرياً 40 ألف ليرة سورية) إلى سوق الصالحية أكثر من خمس مرات آملةً أن تجد ملابس لابنها الكبير تتناسب مع إمكانياتها المالية إلا أنها في المرة الأخيرة تجهش بالبكاء وتقول: "بتنا نشتري الملابس لأحمد فقط (ابنها الكبير) أما إخوته فيرتدون ملابسه التي لم تعد تلائمه، كنت أتساءل في نفسي كيف سأعود إلى المنزل بملابس جديدة لأحمد فقط، كيف سأشرح لطفلاي الصغيرين هذا الظرف الصعب، لكني الآن سأعود إلى المنزل حيث سأخبر طفلاي أنهم سيرتدون ملابس أخيهم الكبير، وسأخبر أحمد أنني آسفة وأنني لن أستطيع أن اشتري له شيئا وأن عليه أن يتدبر أمره بملابسه الضيقة التي لا تناسب مقاسه أصلا". تكمل أروى حديثها وتقول: "سأشتري له حذاء جديدا وبنطالاً مع بدء العام الدراسي الجديد".
بات دمج التحضير للمناسبات والأحداث في سوريا أمراً ضرورياً مع توقع المواطنين بازدياد موجة الغلاء مع موسم افتتاح المدارس في شهر أيلول المقبل، وهذا ما يؤكد عليه، إياس.ت (بائع حلويات، 40 عام، وأب لطفلين) الذي يتحدث لـ "روزنة" عن صعوبة مواجهة كل مناسبة بمفردها في سوريا، قائلاً حول ذلك "بات علينا أن نتدبر أوضاعنا بأكثر من شد الأحزمة، هذا تدبير بات تقليدياً، لكن اليوم يجب علينا أن نحسب حساب العام بكامله منذ أول يوم فيه… نحتاج لأن نضع ميزانية ضعيفة لعدة مناسبات تأتينا في هذا العام، أمامنا مواسم عديدة خلال الشهور المقبلة؛ موسم المونة وموسم المدارس والآن انتهينا من موسم رمضان، يجب أن نعيد حساباتنا أكثر من 10 مرات مقابل كل قرش أين سنصرفه".
بورصة العيد على فوهة بركان!
كما هو الحال في أسواق وسط دمشق، تتضاعف الأسعار أيضاً بشكل مفاجئ في أسواق البالة، والتي أعطت المواطن نصيبه من الصفعات التي اعتاد عليها جراء الأزمات المتلاحقة، حيث بات الشراء من "البالة" مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، رغم أن الملابس المتوفرة الآن في "البالات" هي من شحنات قديمة وصلت قبل أزمة "كورونا"، حيث لا مبرر لمضاعفة الأسعار.
حتى متوسطي الدخل لم يعد باستطاعتهم الشراء من "البالة" بعد أن كانت ملاذهم الأول والأخير، وكذلك ينطبق هذا الكلام على المواد الغذائية بعدما ارتفعت بعض أسعار سلعها بشكل جنوني فاق كل التوقعات، فسجلّ كيلو الفستق الحلبي 40 ألف ليرة سورية، ووصل كيلو الهيل إلى 50 ألف ليرة سورية، و هي المواد التي تدخل في صناعة "معمول العيد".
بورصة الأسعار المشتعلة امتدت بشكل بديهي من الأطعمة ومستلزماتها، إلى الألبسة الجاهزة والتي باتت عمليتها شراءها أشبه "بالمقامرة"، فكل ساعة تتغير فيها الأسعار وفق أسعار السوق السوداء، نورا.خ (شابة، 25 عام) تقول لـ "روزنة": "اشتريت بنطال جينز من عشرة أيام بـ 15 ألف ليرة، وبعد أسبوع، بات يباع البنطال نفسه وفي المحل نفسه بـ 25 ألف ليرة، واليوم بات يباع بـ 30 ألف ليرة سورية". وتضيف نورا: "البضاعة ذاتها لكن حجة التجار أن سعر صرف الدولار آخذ بالارتفاع… هذا أمر غير أخلاقي أبدا".
وفي دفاعه عن نفسه، يبرر إبراهيم.ن (تاجر في سوق الصالحية) أن سعر صرف الدولار في الأيام الماضية تجاوز الـ 1700 ليرة سورية، ولذلك فإنه على التجار أن يرفعوا أسعار بضاعتهم بما يتناسب مع سعر الصرف، وعند سؤاله كيف يرفع الأسعار بهذه الطريقة، يجيب: "عندما تباع البضاعة سأضطر أنا وغيري إلى أن نشتري بضاعة بسعر عال جدا، و على الزبون أن يتحمل الخسارة معنا، بخاصة وأننا أغلقنا محالنا التجارية لمدة أسبوعين كاملين، من العدل أن نتقاسم الخسارة".
و بعد أن خلق السوريون مناخاً يجعلهم يتكيفون مع شهر رمضان، ها هم على أهبة الاستعداد لاستقبال عيد الفطر، غير أن استعداد هذه المرة غير كل مرة، وهذه الجملة تحديداً تقال مع بداية كل أزمة جديدة، كدلالة عن تدهور الأوضاع وسوء حال السوريين عند استقبال مناسبات لم يعتادوا ألا يستعدوا لها ويتركوها تأتي وتمضي دون أي تحضيرات تليق بأهمية هذه المناسبة عند غالب السوريين.
تناقض رهيب
حالة طوارئ منزلية يعلنها رب كل أسر سورية تستعد للاحتفال بعيد الفطر، ولكن بطبيعة الحال يمكن أن يستثنى من هذا الأمر الطبقة فاحشة الثراء والتي يتفنن منتسبوها بعرض مظاهر الترف والبذخ على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، من ألبسة فاخرة مصممة خصيصاً لهم، إلى موائد للطعام يكفي الناظر إليها أن يذرف دموع الندم على بقائه في سوريا.
مع اقتراب عيد الفطر "السعيد" تذهب أروى.د (سيدة في الثلاثينات، وأم لثلاثة أطفال، موظفة في القطاع العام، تتقاضى شهرياً 40 ألف ليرة سورية) إلى سوق الصالحية أكثر من خمس مرات آملةً أن تجد ملابس لابنها الكبير تتناسب مع إمكانياتها المالية إلا أنها في المرة الأخيرة تجهش بالبكاء وتقول: "بتنا نشتري الملابس لأحمد فقط (ابنها الكبير) أما إخوته فيرتدون ملابسه التي لم تعد تلائمه، كنت أتساءل في نفسي كيف سأعود إلى المنزل بملابس جديدة لأحمد فقط، كيف سأشرح لطفلاي الصغيرين هذا الظرف الصعب، لكني الآن سأعود إلى المنزل حيث سأخبر طفلاي أنهم سيرتدون ملابس أخيهم الكبير، وسأخبر أحمد أنني آسفة وأنني لن أستطيع أن اشتري له شيئا وأن عليه أن يتدبر أمره بملابسه الضيقة التي لا تناسب مقاسه أصلا". تكمل أروى حديثها وتقول: "سأشتري له حذاء جديدا وبنطالاً مع بدء العام الدراسي الجديد".
بات دمج التحضير للمناسبات والأحداث في سوريا أمراً ضرورياً مع توقع المواطنين بازدياد موجة الغلاء مع موسم افتتاح المدارس في شهر أيلول المقبل، وهذا ما يؤكد عليه، إياس.ت (بائع حلويات، 40 عام، وأب لطفلين) الذي يتحدث لـ "روزنة" عن صعوبة مواجهة كل مناسبة بمفردها في سوريا، قائلاً حول ذلك "بات علينا أن نتدبر أوضاعنا بأكثر من شد الأحزمة، هذا تدبير بات تقليدياً، لكن اليوم يجب علينا أن نحسب حساب العام بكامله منذ أول يوم فيه… نحتاج لأن نضع ميزانية ضعيفة لعدة مناسبات تأتينا في هذا العام، أمامنا مواسم عديدة خلال الشهور المقبلة؛ موسم المونة وموسم المدارس والآن انتهينا من موسم رمضان، يجب أن نعيد حساباتنا أكثر من 10 مرات مقابل كل قرش أين سنصرفه".
بورصة العيد على فوهة بركان!
كما هو الحال في أسواق وسط دمشق، تتضاعف الأسعار أيضاً بشكل مفاجئ في أسواق البالة، والتي أعطت المواطن نصيبه من الصفعات التي اعتاد عليها جراء الأزمات المتلاحقة، حيث بات الشراء من "البالة" مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، رغم أن الملابس المتوفرة الآن في "البالات" هي من شحنات قديمة وصلت قبل أزمة "كورونا"، حيث لا مبرر لمضاعفة الأسعار.
حتى متوسطي الدخل لم يعد باستطاعتهم الشراء من "البالة" بعد أن كانت ملاذهم الأول والأخير، وكذلك ينطبق هذا الكلام على المواد الغذائية بعدما ارتفعت بعض أسعار سلعها بشكل جنوني فاق كل التوقعات، فسجلّ كيلو الفستق الحلبي 40 ألف ليرة سورية، ووصل كيلو الهيل إلى 50 ألف ليرة سورية، و هي المواد التي تدخل في صناعة "معمول العيد".
بورصة الأسعار المشتعلة امتدت بشكل بديهي من الأطعمة ومستلزماتها، إلى الألبسة الجاهزة والتي باتت عمليتها شراءها أشبه "بالمقامرة"، فكل ساعة تتغير فيها الأسعار وفق أسعار السوق السوداء، نورا.خ (شابة، 25 عام) تقول لـ "روزنة": "اشتريت بنطال جينز من عشرة أيام بـ 15 ألف ليرة، وبعد أسبوع، بات يباع البنطال نفسه وفي المحل نفسه بـ 25 ألف ليرة، واليوم بات يباع بـ 30 ألف ليرة سورية". وتضيف نورا: "البضاعة ذاتها لكن حجة التجار أن سعر صرف الدولار آخذ بالارتفاع… هذا أمر غير أخلاقي أبدا".
وفي دفاعه عن نفسه، يبرر إبراهيم.ن (تاجر في سوق الصالحية) أن سعر صرف الدولار في الأيام الماضية تجاوز الـ 1700 ليرة سورية، ولذلك فإنه على التجار أن يرفعوا أسعار بضاعتهم بما يتناسب مع سعر الصرف، وعند سؤاله كيف يرفع الأسعار بهذه الطريقة، يجيب: "عندما تباع البضاعة سأضطر أنا وغيري إلى أن نشتري بضاعة بسعر عال جدا، و على الزبون أن يتحمل الخسارة معنا، بخاصة وأننا أغلقنا محالنا التجارية لمدة أسبوعين كاملين، من العدل أن نتقاسم الخسارة".