تقارير | 25 05 2020
باسكال صوما || الغلاء المعيشي، البطالة، المداخيل غير الكافية، انهيار الليرة، الفساد، الأزمات المعيشية بما فيها من نقص في المواد الأساسية وتراجع القدرة الشرائية إلى درجات مرعبة، إلى جانب ارتفاع نسب الفقر... يضاف إلى ذلك كله إغلاق الحدود والمطارات حالياً بسبب "كورونا". إنه مشهد واحد إنما يتشاركه لبنان وسوريا على السواء، في الفترة الأخيرة. ويبدو الانهيار المدوّي في البلدين في وقت واحد مثيراً للريبة، في ظل تداخل الاقتصادين منذ سنوات طويلة.
قبل أشهر قليلة، كشفت دراسة سورية عن حجم الأضرار والخسائر التي تكبدها الاقتصاد السوري إثر الإجراءات النقدية التي اتخذها مصرف لبنان المركزي على خلفية تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بالبلاد.
الدراسة أعدها رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، علي كنعان، قال فيها إن إيداعات السوريين تزيد على 25.4 في المئة من إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية والبالغة نحو 177 مليار دولار أميركي.
ووفق التقديرات التي خلصت إليها الدراسة بشأن إيداعات السوريين في المصارف اللبنانية، فهي تخص إيداعات الأفراد، من دون احتساب إيداعات بعض المصارف وشركات التأمين الخاضعة تحت بند حساب المراسلين وغيره، وباحتسابها، فإن إجمالي رقم الإيداعات يتخطى 50 مليار دولار في لبنان. إنه رقم مرعب طبعاً وينذر بأن الانهيار في البلدين إنما هو واحد في أكثر من مكان، مهما اختلفت ظروفهما.
اقرأ أيضاً: الليرة السورية تدخل في نفق مظلم… حلّ وحيد لتلافي الانهيار
ويرجّح أن يكون السبب الأول الذي دفع رجال أعمال سوريين إلى الإيداع في لبنان لا سيما في السنوات الأخيرة، هو السياسة التي اتبعتها المصارف اللبنانية وعلى رأسها مصرف لبنان، والتي تمثّلت برفع سعر الفائدة على الودائع الأجنبية من 6 إلى 9.89 في المئة، وقد تصل إلى 14 في المئة للمبالغ الكبيرة.
أما الودائع بالليرة اللبنانية فقد تبلغ الفائدة عليها نحو 13.49 في المئة لتصل إلى 18 في المئة للمبالغ الكبيرة. وبحكم الجيرة، وجد رجال أعمال سوريون كثيرون في المصارف اللبنانية ملاذاً مربحاً.
وتفيد معلومات "روزنة" بأنّ "عدداً كبيراً من رجال الأعمال السوريين المودعين في مصارف لبنانية عمدوا إلى سحب ودائعهم قبل أشهر قليلة، وكان لذلك مساهمة في انهيار النظام المصرفي والمالي في لبنان، مع العلم أنّ عدداً كبيراً من رجال الأعمال لا سيما التابعين للنظام السوري أو المقرّبين منه، هم على علاقات تماس مع سياسيين لبنانيين وأحزاب لبنانية. وتجمع هؤلاء مصالح مشتركة منذ سنوات طويلة، شهدت صفقات مشبوهة ومشاريع مشتركة".
أما الآن فيبدو أن جزءاً من هؤلاء نجا بنفسه فيما الفقراء ومحدودو الدخل في لبنان وسوريا يدفعون ثمن "التفليسة". أما الجزء الآخر، فقد يسقط في صراع الكبار، تماماً كما ظهر رامي مخلوف (ابن خال بشار الأسد ومن أبرز رجال الأعمال في منظومة النظام)، في أكثر من فيديو شاكياً ساعةً ومهدداً ساعاتٍ أخرى. ينذر ذلك بأن الصراع بين جناحي النظام العسكري من جهة والاقتصادي من جهة أخرى على أشدّه، والجناح الاقتصادي هذا لا يخلو من نكهة لبنانية من أصدقاء للنظام ومستفيدين منه.
في هذا السياق، الصحافي الاستقصائي محمد باسيكي يرى أن ما نشهده من انهيار في البلدين يدل على "تزامن دراماتيكي، لكن وضع الليرة اللبنانية أسوأ في الوقت الحالي إذ قاربت الـ4000 ليرة مقابل الدولار الواحد، فيما الليرة السورية يسجل 1200 ليرة مقابل الدولار". ويتابع بسيكي لـ"روزنة": "انهيار الليرة السورية تفجّر أكثر مع اندلاع الثورة اللبنانية والأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، الأمر الذي ضيّق الخناق على الليرة السورية، لأن هناك كمّاً من الواردات من الدولار كان يأتي إلى سوريا من لبنان، بشكل غير رسمي عبر رجال أعمال سوريين ولبنانيين. كان هناك تدفّق نقدي يومي من العملات الأجنبية عبر لبنان".
قد يهمك: انهيار تاريخي لليرة يزيد من تدهور معيشة السوريين
ويضيف: "الليرة السورية انهارت بسبب عوامل داخلية بحتة حتى بداية العام 2019، كالحرب والعامل النفسي والمضاربات والفساد... لكن أزمة القطاع المصرفي اللبناني فاقمت المشكلة في سوريا وارتفعت الليرة السورية كما نرى اليوم إلى نحو 1200 ليرة مقابل الدولار. كل ذلك أثر في الوضع الاقتصادي السوري، من نقص الموارد والفساد والبطالة، فـ83 في المئة من السوريين اليوم تحت خط الفقر".
ويتابع بسيكي: "النظام اتجه إلى تقييد قدرة السوريين في الحصول على مواد أساسية كما رأينا عبر تحديد الكميات والبطاقات الذكية للحصول على المواد، ما يدل على الشح في وجود هذه المواد، وهذا سببه بطبيعة الحال، قلة الواردات التي كانت تصل عبر الحدود لا سيما من لبنان".
وفي سوريا هناك 14 مصرفاً خاصاً، الجزء الأكبر منها مصارف لبنانية أسست فروعاً لها في سوريا، ما يؤشر إلى تداخل العلاقات التجارية بين البلدين إلى حد بعيد. وكذلك شركات التأمين السورية، نرى فيها الكثير من رجال الأعمال اللبنانيين.
"كما أن رجال أعمال لبنانيين بالتعاون مع رجال أعمال سوريين دخلوا في مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية وغيرها، التي تنشط في مناطق النظام وسيطرة الروس. وهناك رجال أعمال سوريون كانوا يحاولون تأسيس شركات في لبنان للاستفادة من وضعها القانوني، كونها معفاة من العقوبات وهذا التفاف على العقوبات. إذ يقوم مثلاً رجل أعمال سوري بتأسيس شركة في لبنان ويرسل المواد التي ينتجها إلى سوريا. لكنّ "الأوفاك" انتبهت لذلك وبدأنا نرى شركات لبنانية لرجال أعمال سوريين مشمولة بالعقوبات، ما زاد من التضييق أيضاً. وهذا مؤشر لكثافة التداخل بين الاقتصادين".
إذاً، هي أزمة مترابطة، فالعمّال السوريون أعادوا بناء لبنان بعد حربه الأهلية، وكانت المصارف اللبنانية الملاذ الآمن لأثرياء سوريا. وقد استخدم كثيرون منهم لبنان سبيلاً للاستثمار والتهرّب من العقوبات بعد بدء الصراع السوري عام 2011. والآن مع ندرة الدولار في الأسواق اللبنانية، شهدنا انهياراً قياسياً لليرة السورية مقابل الدولار، وقد سجّلت نحو 950 ليرة مقابل الدولار الواحد في كانون الأول/ ديسمبر 2019، أي في عز انتفاضة لبنان وأزمته المصرفية، وقد تابعت الليرة السورية انهيارها مع انهيار نظيرتها اللبنانية وحتى الآن.
ولبنان في الواقع أكبر سوق أجنبي لسوريا، إذ اشترى بضائع سورية بقيمة 132 مليون دولار عام 2017، أي ما يعادل 21 في المئة من إجمالي الصادرات السورية. ومع أنَّ عدداً كبيراً من السوريين البالغ عددهم 1.5 مليون شخص في لبنان هم لاجئون ممنوعون من العمل بصورة رسمية، إلا أن جماعات الإغاثة ترى أنَّ تحويلاتهم لا تزال تمثل ربما سُدس إجمالي التحويلات من الخارج إلى سوريا.