تقارير | 25 05 2020
"كان يهددني ويقولي لي سوف أرسلك مرة أخرى مع السجان إلى الأسفل لكي يعيد تعذيبك مرة أخرى بالكهرباء والأشياء الأخرى أو تعترفين الآن بذلك" تقول نوران الشابة السورية التي تواجه الضابط الذي عذبها للمرة الأولى بعد تسع سنوات، في المحكمة بألمانيا، هذه المرة يجلس الضابط في قفص الاتهام، بسبب جرائم ارتكبها ضد الإنسانية.
طارق خلو - روزنة|| تبدأ اليوم في مدينة كوبلنز الألمانية، اول محاكمة لضابطين سابقين في مخابرات النظام السوري، دخل إياد الغريب إلى قاعة المحكمة مغطى تماماً، ولم يستطيع أحد رؤيته، بينما كان أنور رسلان مكشوف الوجه، ولم يبدي أي اهتمام، الشهود كانوا موجودين جميعاً، يعرفون أنور رسلان وقدموا جميعاً شهادات ضده، كانت المشاعر تبدو مختلطة عليهم، الفرح والحزن التوتر الواضح على الجميع.
أنور رسلان المتهم ب58 جريمة قتل في سجون النظام السوري، فرع الخطيب على وجه التحديد. وتعرض ما لا يقل عن أربعة آلاف شخص للتعذيب بين عامي 2011 و 2012 كان بارد المشاعر أمام المحكمة، ويبدو عليه الهدوء الشديد . فيما كان اياد الغريب يفرك يديه بعصبية، ويضع يديه على رأسه بشكل عصبي جداً وهو الضابط الآخر المتهم بتسهيل عمليات التعذيب لما لا يقل عن ثلاثين شخصاً بعد إلقاء القبض عليهم في مظاهرة ضد النظام عام 2011 .
طارق خلو - روزنة|| تبدأ اليوم في مدينة كوبلنز الألمانية، اول محاكمة لضابطين سابقين في مخابرات النظام السوري، دخل إياد الغريب إلى قاعة المحكمة مغطى تماماً، ولم يستطيع أحد رؤيته، بينما كان أنور رسلان مكشوف الوجه، ولم يبدي أي اهتمام، الشهود كانوا موجودين جميعاً، يعرفون أنور رسلان وقدموا جميعاً شهادات ضده، كانت المشاعر تبدو مختلطة عليهم، الفرح والحزن التوتر الواضح على الجميع.
أنور رسلان المتهم ب58 جريمة قتل في سجون النظام السوري، فرع الخطيب على وجه التحديد. وتعرض ما لا يقل عن أربعة آلاف شخص للتعذيب بين عامي 2011 و 2012 كان بارد المشاعر أمام المحكمة، ويبدو عليه الهدوء الشديد . فيما كان اياد الغريب يفرك يديه بعصبية، ويضع يديه على رأسه بشكل عصبي جداً وهو الضابط الآخر المتهم بتسهيل عمليات التعذيب لما لا يقل عن ثلاثين شخصاً بعد إلقاء القبض عليهم في مظاهرة ضد النظام عام 2011 .
صور من المحكمة في مدينة كوبلنز- ألمانيا صباح اليوم
تقول نوران وهي إحدى الشهود في محاكمة الضابطين السوريين في حديثها لروزنة " كان لدي شعور أننا لو فكرنا كلنا بطريقة التخاذل، وجلسنا في بيوتنا، فهذا سوف ينتهي، وظلم النظام سوف يستمر، والدكتاتورية سوف تستمر إلى عدة أجيال. لم يكن لدينا حل غير الانتفاض. كان الموضوع مرعباً وصعباً، لكن هذا كان الخيار الوحيد لدينا، خيارنا أن نذهب في هذا الاتجاه"
بهذه الطريقة كانت نوران تشجع نفسها، لكي تشارك في المظاهرات السلمية - حتى تم القبض عليها لاحقا. عندما تتحدث اليوم عن تلك الأحداث، تنفعل وتتغير ملامحها الهادئة، التي رتبتها بطريقة لطيفة، رموش طويلة، كحل قوي، قصة شعر غير متوازنة بطريقة عصرية. لكن هذا كله لم يستطع إخفاء تفاصيل القهر على وجهها.
نوران كانت في أوائل العشرينيات من عمرها، عندما تم اعتقالها في ذلك الوقت، طالبة العلوم السياسية، شاركت في المظاهرات، وكسرت المحظور. لم يمض دقائق حتى بدأ رجال المخابرات بإطلاق النار على الناس بشكل عشوائي، هرب المتظاهرون في كل الاتجاهات، وطاردتهم رجال المخابرات ككلاب الصيد. لم يكن لنوران القوة الكافية على الركض بسرعة لمسافة طويلة، لهذا لم تستطع الهرب، و تم القبض عليها، ونقلت في باص إلى أحد الفروع الأمنية لتبدأ من فرع 251 فصلاً طويلاً من فصول العذاب بسجون النظام السوري.
خريطة تظهر موقع فرع الخطيب في دمشق
بدأ أنور رسلان حياته العسكرية في أكاديمية الشرطة في دمشق، بعد التخرج عمل في مكتب الهجرة والجوازات في حلب، ثم عمل بعدها مع حرس الحدود في الشمال السوري على الخط التركي، انتقل بعدها الى العمل مع المخابرات. في عام ٢٠٠٨ انضم الى فريق المخابرات المسؤول عن البحث والتقصي عن المعارضة، و في بداية الثورة، تم ترقيته إلى رتبة عقيد، ليصبح بعدها الضابط الأقوى في الفرع 251 . أو المعروف باسم فرع الخطيب في دمشق. انشق انور رسلان البالغ من العمر ٥٧ عاماً عن النظام في أيلول عام 2012 بعد 18عاما في خدمة المخابرات، وفي صيف 2014 وصل إلى ألمانيا، وطلب فيها اللجوء، مدعياً أن النظام السوري هدده بالموت. ليصبح بعدها ناشطاً معارضاً ويشارك في مفاوضات جنيف كمندوب للمعارضة عام 2014.
أما إياد الغريب فقد انشق بعد بضعه اشهر من بدء الثورة السورية، ليطوي وراء ظهره 16 عاماً في خدمة المخابرات. وصل إلى ألمانيا عام 2018 الرجل البالغ من العمر 43 عاماً، كان يعمل برتبه رقيب أول في الفرع 40 . إياد متهم باعتقال 30 متظاهراً في دمشق، وبأنه كان يطارد المتظاهرين، بعد أن أطلقت المخابرات النار عليهم بشكل عشوائي. ومن ثم كان يجلبهم إلى فرع التحقيق 251 بحسب الادعاء، تماماً كما حصل مع نوران الغميان عند اعتقالها، حين لم تتمكن من الهرب.
الداخل المفقود..
يقول باتريك كروكر وهو محامي دولي يعمل في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، لا يوجد فرع في سوريا لا يمارس فيه التعذيب، في كثير من الأحيان حتى يموت الناس. بدون تهمة ، بدون محاكمة، الكثيرون لا يعرفون متى سيطلق سراحهم، إذا كان بالأساس سوف يطلق سراحهم.
ستلعب صور القيصر دوراً رئيسياً في المحاكمة، الصور التي وثقت أكثر من 6000 شخص ماتوا نتيجة التعذيب. على كل جثه كما يبدو في الصور كتب ثلاثة أرقام "رقم للشخص المعتقل، رقم الفرع المسؤول عن الاعتقال، وفي النهاية رقم الجثة". وهي أرقام تشير إلى آلة الموت، المخابرات السورية، التي كانت تعمل بطريقة منهجية. حوالي 100 صورة من صور القيصر من القسم 251.
يقول كروكر "صور قيصر لا تقدر بثمن، من حيث الأدلة التي نحتاجها، لتوضيح جرائم النظام بشكل عام. ولإثبات أن هذه الجرائم كانت ممنهجة وليست خطأ أو حالة فردية، إما هي جزء من سياسة الاضطهاد".
في صيف 2011 أرسلت برقية سرية عاجلة، من المخابرات العامة إلى كافة المحافظات. في البرقية أوامر إلى جميع القوات بـ "حملة تنظيف" أي تنظيف الشوارع من الأشخاص الذين يدعون إلى المظاهرات، أو يقدمون معلومات لوسائل الإعلام الأجنبية. تنص البرقية أن هؤلاء "لا يجب أن يجدوا ملجأ أو مكان يتمكنوا من الاختباء به. ويجب إرسال التقارير بشكل يومي إلى خلية إدارة الأزمة، بما في ذلك قوائم بأسماء المعتقلين". البرقية موقعه من "خلية إدارة الأزمة السورية" التي تم إنشاؤها على عجل حينها، كردة فعل على المظاهرات التي شملت البلاد.
بعد التحقيق أرسلت نوران إلى زنزانة مفردة، لا يتجاوز مساحتها المتر المربع الواحد. في جلسه التحقيق اللاحقة، تتوسل الشابة للضابط كي يرسلها إلى الزنزانة الجماعية، حيث يتوجب على أربعين أو خمسين امرأة النوم والجلوس في غرفة واحدة، بالنسبة لنوران على الأقل هناك بشر تستطيع التكلم معهم، لكن معذبها لا يرحمها، الرجل الذي رفض طلبها: أنور رسلان، هو أحد المتهمين الذي سيمثل أمام المحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنز في ألمانيا اليوم.
تقول نوران "كان في الممرات أناس ملقاه على الأرض، علعليهم يها أثار التعذيب وملطخون بالدماء. كان هناك جثث تخرج من المعتقل بشكل يومي، أناس ماتوا بسبب التعذيب أو بسبب سوء التهوية أو الممارسات الأخرى للنظام. فكانت الجثث تخرج بشكل فعلي من هذا المكان".
الجريمة في سوريا.. المحاكمة في ألمانيا
يقول المحامي السوري أنور البني أن محكمة العدل الدولية مغلقة أمام الملف السوري، لأن سوريا ليست عضواً في اتفاقية محكمة العدل الدولية، ولكن ألمانيا اعتمدت مبدأ "الصلاحية العالمية" على اعتبار أن هذا النوع من الجرائم موجه ضد الإنسانية وليس فقط ضد المنطقة التي ارتكبت فيها الجرائم.
ويقول البني " بالنسبة للعدالة، لا يهم موقع الشخص، إن كان من المعارضة أو من النظام" برأيه الجريمة ضد الإنسانية يجب معاقبة مرتكبها مهما كان موقعه السياسي، او موقفه من القضايا المحقة، وبالتالي هو مجرم بعض النظر عن نبالة القضية التي يدافع عنها، أو دينه أو قوميته.
المحامي السوري أنور البني
يقول المحامي كروكر الذي قضى سنوات طويلة في متابعة ملفات حقوق الإنسان في سوريا "إنها أول محاكمة على مستوى العالم ضد شخص من نظام الأسد، بسبب جرائم ضد الإنسانية، وبسبب التعذيب، هذه الجرائم التي ارتكبت عشرات الآلاف من المرات في سوريا، والتي لن نستطيع نسيانها لعقود، سوف يكون لهذه المحاكمة دور تاريخي بالكشف عن الحقيقة".
أنورالبني وباتريك كروكر، اللذين جمعا العديد من الشهادات معًا، يعتبران أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام لسوريا بدون عدالة.
بالنسبة لنوران الغميان، لايزال أمامها الكثير لتنجزه من أجل العدالة, فشهادتها في المحكمة لا تقل أهمية عن حضورها المظاهرات في بداية الثورة. بل إنه في رأيها استمرار للثورة. فقد خرجت إلى شوارع دمشق للتظاهر من أجل الحرية، وطريقها اليوم إلى محكمة كوبلنز من أجل العدالة والحرية.
تقول نوران "أنا ممتنة للحكومة الألمانية على هذه الخطوة، أخيراً سوف نرى ولو جزء صغير من العدالة يتحقق في هذا العالم. ويوجد من يحاول مساعدة المظلومين من أجل حقهم. هؤلاء الذي مثل أنور رسلان ظلموا الكثير من الناس. أتمنى أن تتم ملاحقتهم كلهم. وأتمنى أن يتم ذلك يوماً ما داخل سوريا، ضد الأشخاص الذين لايزالون يمارسون التعذيب حتى يومنا هذا".
الشاهدة في المحكمة - نوران