تقارير | 25 05 2020
مالك الحافظ - روزنة|| ينظر المتابعين إلى تطورات المشهد السوري أن فرض رؤية موسكو على شكل الحل في سوريا؛ سيكون خلال الفترة المقبلة أمراً قابلاً للتحقق أكثر من أي رؤية أخرى من قبل الجهات المتدخلة في الشأن السوري، على اعتبار اتساق التطورات العسكرية مع الطروحات السياسية لموسكو.
مطلع عام 2017 تقدمت روسيا بمسودة دستور خاص بسوريا، حيث تنص بشكل رئيسي على إحلال الفيدرالية (اللامركزية) وهو ما ينسجم بشكل أكبر قياساً على الواقع الميداني في سوريا؛ من أي شكل آخر لإدارة البلاد. حيث يقترح الدستور المُعّد من روسيا بتوسيع صلاحيات جمعية المناطق (التسمية الجديدة للإدارات المحلية) وتعزيز مبدأ "لا مركزية السلطة"، وكذلك تغيير مسمى البرلمان من "مجلس الشعب" إلى "جمعية الشعب"، وتتولى جمعية المناطق السلطة التشريعية مكونة من "ممثلي الوحدات الإدارية".
و رغم نفي مصادر معارضة في وقت سابق بأن تكون هناك طروحات دستورية جاهزة تُملى على اللجنة الدستورية السورية، إلا أن مصادر ديبلوماسية غربية كانت نوهت لـ "روزنة" إلى أن كلمة روسيا في اللجنة الدستورية من المرجح أن تكون العليا في مخرجات هذه اللجنة، ما يسمح بمرور المقترح الدستوري الروسي الداعي إلى تأسيس "فيدرالية سورية".
إن المراقب لشكل خارطة النفوذ في سوريا وكيفية تقسيم المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق؛ "سواء بشكل كامل أو جزئي"، إلى قطاعات متباعدة بل و متناحرة، بفعل اتفاقية "خفض التصعيد" التي استطاعت روسيا تمريرها عبر إطار أستانا بالتعاون مع شريكها التركي منذ عام 2017، يُدفع للقول أن "الفيدرالية" هي الشكل المنتظر لإدارة سوريا، كنظام إدارة أنسب.
اقرأ أيضاً: اتفاق أردوغان-بوتين حول إدلب… روسيا تحقق مكاسبها؟
مؤخراً وبعد سيطرة دمشق بمساعدة حليفها الروسي على كامل طريق حلب-دمشق الدولي "M-5"، وكذلك الأمر ينطبق على طريق حلب-اللاذقية الدولي "M-4"، بات شمال مركز محافظة إدلب وما تبقى من ريف حلب الغربي قطاعاً معزولاً عن المناطق التي خرجت تدريجياً عن سيطرة المعارضة المدعومة من قبل أنقرة.
المحلل السياسي، حسام نجار، رأى خلال حديثه لـ "روزنة" أن روسيا لن تكتفِ بالسيطرة على الطريق الدولي "إم 5"، وإنما دخولها لفتح المنطقة برمتها هو مطلبها الأساسي؛ بالإضافة إلى "رغبتها بدخول مؤسسات النظام حتى يتم إختراق مناطق المعارضة بالكامل" وفق رأيه.
واعتبر أن روسيا تعمل بتمهل في السيطرة على المناطق، مبيناً أن التوقف الروسي المؤقت الآن هو لاستكشاف الحالة السياسية، مشيراً إلى أن "روسيا تحاول الضغط على تركيا من عدة جهات وتحاول كسب كل الوقت، ومازالت لديها حجة عدم امتثال تركيا للاتفاقيات الخاصة بهيئة تحرير الشام والقضاء عليها… هذا الوقوف لا يعني توقف الروس عن رغبتهم إلا إن كان هناك تحرك جدي من الناتو".
ماذا عن شرق الفرات والجنوب السوري؟
لقد باتت مناطق النفوذ التركي في كل من "درع الفرات"، "غصن الزيتون" و "نبع السلام"، مناطق معزولة عن باقي محيطها من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية التي تقع تحت نفوذ قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وكذلك من مناطق سيطرة حكومة دمشق في أرياف حلب الشرقية والشمالية والجنوبية.
في الشرق أيضاً نلاحظ العزل عن باقي المناطق السورية؛ وذلك يعود بالطبع إلى تجاذبات المتصارعين على مناطق النفوذ (الروس والأمريكان والأتراك)، حيث يتواجد نفوذ واشنطن في ريف المنطقة الغني بالنفط والغاز، بينما يتواجد نفوذ أنقرة في الشمال الشرقي في المناطق الحدودية، وعين تركيا يبدو أنها ترنو أيضاً للتمدد نحو مناطق أخرى قريبة من مناطق "نبع السلام"؛ على مبدأ "مقايضة المناطق" مع روسيا، بعد أن منحت الأخير نفوذاً وزاناً لها في مناطق من إدلب وحلب.
إذاً فإن تداخل سيطرة دمشق على مناطق في الشمال والشرق مقابل صعوبة إخراج النفوذ الأجنبي الذي يسيطر على "أرخبيلات متباعدة" من المناطق في تلك النواحي؛ دون إيجاد حل سياسي مقبول لدى كل الفئات المجتمعية السورية، فإنه قد لن يكون من السهولة العودة إلى شكل الإدارة السابقة التي كانت في البلاد، فضلاً عن وجود صعوبة في التوافق ما بين الإدارات التي تهيمن على المناطق المختلفة الولاءات والنفوذ في سوريا.
قد يهمك: ما الذي يريده الاتحاد الأوروبي في إدلب؟
وكما الحال في الشرق فإن الأوضاع هناك تنطبق كذلك على الحال في الجنوب السوري المأزوم منذ 8 سنوات، فضلاً عن زيادة أزماته منذ توقيع أهالي مناطقه على "اتفاق التسوية" مع دمشق منذ منتصف عام 2018، وهو ما ساهم في غياب الاستقرار الأمني الذي يلوح دائماً بتصعيد عسكري محموم سرعان ما توقفه موسكو بتفاهمات "تهدئة" بين الأطراف المحلية هناك (دمشق والمعارضة).
وبناء على ما سبق فيما يتعلق بشكل النفوذ في مناطق مختلفة من سوريا، فإن روسيا قد مكنت نفسها من فرض طرحها السياسي في سوريا من خلال أمثل استغلال لاتفاقيات "خفض التصعيد" وعزل المناطق السورية عن بعضها وخلق "أرخبيلات نفوذ" متباعدة الانسجام التام؛ وهو ما يعني بشكل أو بآخر أن طرح الدستور الروسي لسوريا في تأسيس "فيدرالية سورية" قاب قوسين أو أدنى، بخاصة وأن التوافق الروسي التركي سيسهل مهمة موسكو، وذلك في ظل واقع ميداني لا يمكن تغييره بشكل جذري بعد سنوات من العمل العسكري الروسي.
ويعني مشروع "الفيدرالية السورية" تحويل الجمهورية العربية السورية المركزية إلى جمهورية فدرالية ذات تقسيمات فرعية مستقلة ذاتيا. الفيدرالية هي نظام إداري سياسي مجتمعي، يجمع بين إقليمين أو أكثر ضمن إطار أو سقف إداري موحد، مع تمتع كل إقليم بإدارته الذاتية، وتمثيل كافة المقاطعات أو الأقاليم في مؤسسات اتحادية عليا.
مطلع عام 2017 تقدمت روسيا بمسودة دستور خاص بسوريا، حيث تنص بشكل رئيسي على إحلال الفيدرالية (اللامركزية) وهو ما ينسجم بشكل أكبر قياساً على الواقع الميداني في سوريا؛ من أي شكل آخر لإدارة البلاد. حيث يقترح الدستور المُعّد من روسيا بتوسيع صلاحيات جمعية المناطق (التسمية الجديدة للإدارات المحلية) وتعزيز مبدأ "لا مركزية السلطة"، وكذلك تغيير مسمى البرلمان من "مجلس الشعب" إلى "جمعية الشعب"، وتتولى جمعية المناطق السلطة التشريعية مكونة من "ممثلي الوحدات الإدارية".
و رغم نفي مصادر معارضة في وقت سابق بأن تكون هناك طروحات دستورية جاهزة تُملى على اللجنة الدستورية السورية، إلا أن مصادر ديبلوماسية غربية كانت نوهت لـ "روزنة" إلى أن كلمة روسيا في اللجنة الدستورية من المرجح أن تكون العليا في مخرجات هذه اللجنة، ما يسمح بمرور المقترح الدستوري الروسي الداعي إلى تأسيس "فيدرالية سورية".
إن المراقب لشكل خارطة النفوذ في سوريا وكيفية تقسيم المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق؛ "سواء بشكل كامل أو جزئي"، إلى قطاعات متباعدة بل و متناحرة، بفعل اتفاقية "خفض التصعيد" التي استطاعت روسيا تمريرها عبر إطار أستانا بالتعاون مع شريكها التركي منذ عام 2017، يُدفع للقول أن "الفيدرالية" هي الشكل المنتظر لإدارة سوريا، كنظام إدارة أنسب.
اقرأ أيضاً: اتفاق أردوغان-بوتين حول إدلب… روسيا تحقق مكاسبها؟
مؤخراً وبعد سيطرة دمشق بمساعدة حليفها الروسي على كامل طريق حلب-دمشق الدولي "M-5"، وكذلك الأمر ينطبق على طريق حلب-اللاذقية الدولي "M-4"، بات شمال مركز محافظة إدلب وما تبقى من ريف حلب الغربي قطاعاً معزولاً عن المناطق التي خرجت تدريجياً عن سيطرة المعارضة المدعومة من قبل أنقرة.
المحلل السياسي، حسام نجار، رأى خلال حديثه لـ "روزنة" أن روسيا لن تكتفِ بالسيطرة على الطريق الدولي "إم 5"، وإنما دخولها لفتح المنطقة برمتها هو مطلبها الأساسي؛ بالإضافة إلى "رغبتها بدخول مؤسسات النظام حتى يتم إختراق مناطق المعارضة بالكامل" وفق رأيه.
واعتبر أن روسيا تعمل بتمهل في السيطرة على المناطق، مبيناً أن التوقف الروسي المؤقت الآن هو لاستكشاف الحالة السياسية، مشيراً إلى أن "روسيا تحاول الضغط على تركيا من عدة جهات وتحاول كسب كل الوقت، ومازالت لديها حجة عدم امتثال تركيا للاتفاقيات الخاصة بهيئة تحرير الشام والقضاء عليها… هذا الوقوف لا يعني توقف الروس عن رغبتهم إلا إن كان هناك تحرك جدي من الناتو".
ماذا عن شرق الفرات والجنوب السوري؟
لقد باتت مناطق النفوذ التركي في كل من "درع الفرات"، "غصن الزيتون" و "نبع السلام"، مناطق معزولة عن باقي محيطها من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية التي تقع تحت نفوذ قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وكذلك من مناطق سيطرة حكومة دمشق في أرياف حلب الشرقية والشمالية والجنوبية.
في الشرق أيضاً نلاحظ العزل عن باقي المناطق السورية؛ وذلك يعود بالطبع إلى تجاذبات المتصارعين على مناطق النفوذ (الروس والأمريكان والأتراك)، حيث يتواجد نفوذ واشنطن في ريف المنطقة الغني بالنفط والغاز، بينما يتواجد نفوذ أنقرة في الشمال الشرقي في المناطق الحدودية، وعين تركيا يبدو أنها ترنو أيضاً للتمدد نحو مناطق أخرى قريبة من مناطق "نبع السلام"؛ على مبدأ "مقايضة المناطق" مع روسيا، بعد أن منحت الأخير نفوذاً وزاناً لها في مناطق من إدلب وحلب.
إذاً فإن تداخل سيطرة دمشق على مناطق في الشمال والشرق مقابل صعوبة إخراج النفوذ الأجنبي الذي يسيطر على "أرخبيلات متباعدة" من المناطق في تلك النواحي؛ دون إيجاد حل سياسي مقبول لدى كل الفئات المجتمعية السورية، فإنه قد لن يكون من السهولة العودة إلى شكل الإدارة السابقة التي كانت في البلاد، فضلاً عن وجود صعوبة في التوافق ما بين الإدارات التي تهيمن على المناطق المختلفة الولاءات والنفوذ في سوريا.
قد يهمك: ما الذي يريده الاتحاد الأوروبي في إدلب؟
وكما الحال في الشرق فإن الأوضاع هناك تنطبق كذلك على الحال في الجنوب السوري المأزوم منذ 8 سنوات، فضلاً عن زيادة أزماته منذ توقيع أهالي مناطقه على "اتفاق التسوية" مع دمشق منذ منتصف عام 2018، وهو ما ساهم في غياب الاستقرار الأمني الذي يلوح دائماً بتصعيد عسكري محموم سرعان ما توقفه موسكو بتفاهمات "تهدئة" بين الأطراف المحلية هناك (دمشق والمعارضة).
وبناء على ما سبق فيما يتعلق بشكل النفوذ في مناطق مختلفة من سوريا، فإن روسيا قد مكنت نفسها من فرض طرحها السياسي في سوريا من خلال أمثل استغلال لاتفاقيات "خفض التصعيد" وعزل المناطق السورية عن بعضها وخلق "أرخبيلات نفوذ" متباعدة الانسجام التام؛ وهو ما يعني بشكل أو بآخر أن طرح الدستور الروسي لسوريا في تأسيس "فيدرالية سورية" قاب قوسين أو أدنى، بخاصة وأن التوافق الروسي التركي سيسهل مهمة موسكو، وذلك في ظل واقع ميداني لا يمكن تغييره بشكل جذري بعد سنوات من العمل العسكري الروسي.
ويعني مشروع "الفيدرالية السورية" تحويل الجمهورية العربية السورية المركزية إلى جمهورية فدرالية ذات تقسيمات فرعية مستقلة ذاتيا. الفيدرالية هي نظام إداري سياسي مجتمعي، يجمع بين إقليمين أو أكثر ضمن إطار أو سقف إداري موحد، مع تمتع كل إقليم بإدارته الذاتية، وتمثيل كافة المقاطعات أو الأقاليم في مؤسسات اتحادية عليا.