تقارير | 25 05 2020
إبراهيم الشمالي|
احتجزت مياه الأمطار، والوحل المتراكم وسط الطرق الطينية عائلة الحاج خالد عدة أيام في خيمتهم الواقعة بالقرب من تجمعات مخيمات أطمة على الحدود السورية التركية، في وقت حالت الأمطار دون خروج أكثر من ألفي عائلة من المخيم.
كانت عائلة الحاج خالد قد استقرت مع عائلات أخرى في تلك البقعة قرب الحدود التركية، إثر تهجيرها من ريف إدلب الجنوبي، بعدما بدأ النظام السوري بمؤازرة روسية حملة عسكرية موسعة للسيطرة على محافظتي حماة وإدلب - المعقل الأخير لقوات المعارضة - في نهاية شهر نيسان/ أبريل الماضي.
وشهدت عشرات المدن والبلدات عمليات عسكرية، وقصفاً بالطائرات الحربية والبراميل المتفجرة، خلّفوا أكثر من مليون نازح من أرياف حماة وإدلب فروا هرباً من قصف وصفوه بالأفظع، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية كبرى.
قلق عميق
بين شهري نيسان/أبريل وآب/أغسطس الماضيين، وثّق مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مقتل ألف شخص، ونزوح نحو 400 ألف مدني، شمالي غربي سوريا، بحسب المتحدث باسم أمين عام المنظمة ستيفان دوغريك.
وقال المسؤول الأممي: "يساور شركاءنا العاملين في القطاع الإنساني قلق عميق حول مصير أربعة ملايين من المدنيين الموجودين شمالي غربي سوريا، بسبب استمرار تصاعد العنف والأعمال العدائية في المنطقة".
وبحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فقد تسبّبت عمليات القصف التي استهدفت منطقة خفض التصعيد الرابعة بمقتل 1012 مدنياً، بينهم 272 طفلاً و171 سيدة، على يد قوات الحلف الروسي السوري، بين 26 نيسان/ أبريل و15 أيلول/سبتمبر عام 2019.
وفيما أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية تهجير قرابة 630 ألف مدني، ذكر تقرير لفريق "منسقو استجابة سوريا" أن عدد الضحايا المدنيين بلغ منذ مطلع تشرين الثاني/ أكتوبر وحتى 8 كانون الأول/ديسمبر أكثر من 156 شخصاً بينهم 52 طفلاً، نتيجة الاستهداف المباشر للأحياء السكنية في مختلف المناطق، جنوبي إدلب.
ظل الأشجار لا يقي النازحين
لم تجد آلاف العائلات المشردة بسبب الحملة العسكرية سوى ظلال أشجار الزيتون مأوى لها، في ظل غياب أية خدمات إنسانية.
عائلات لا تملك حتى قطعة قماش واحدة تجلس عليها، وجدت نفسها في مخيمات عشوائية أُنشئت على عجل، وتفتقر للبنى التحتية والخدمات الطبية، في ظل وجود أكثر من 9 آلاف رضيع ضمن أعداد النازحين الجدد، حسب مديرية الصحة في إدلب.
وبساهم استمرار حملات النزوح من مناطق حماة وإدلب وأريافها نتيجة الحملة العسكرية في تفاقم الأوضاع في مخيمات النزوح.
ومع قدوم الشتاء، بلغ عدد المخيمات التي تعرضت للأضرار نتيجة الهطولات المطرية الغزيرة أكثر من 29 مخيماً، ضمن التجمعات المنتشرة شمالي غربي سوريا، ما تسبب في تضرر أكثر من 3126 عائلة وتشرد العشرات من العائلات.
وبحسب فريق "منسقو استجابة سوريا"، بلغ عدد المخيمات في الشمال السوري 1135 مخيماً نظامياً يقطنها حوالي مليون نازح، و242 مخيماً عشوائياً يقطنها حوالي 121 ألف نازح.
مخيم "ضياء 2" هو أحد تلك المخيمات، وكان قد أُنشئ قبل 4 أشهر وتقطنه أكثر من 300 عائلة نازحة من منطقة حاس، جنوبي إدلب.
مع هطول الأمطار، تحولت أرضه، وهي عبارة عن أرض زراعية، إلى مستنقع من الطين وبركة ماء كبيرة في مدخله شلّت حركة التنقل.
وعلى الرغم من الوعود، التي تلقاها مدير المخيم من عدة منظمات إنسانية بفرش طرقات المخيم وتأهيلها تفادياً لصعوبات الشتاء، وصل الأخير والوعود كانت لا تزال وعوداً، ما دفع بقسم من سكان المخيم للتحرك وجمع مبالغ مالية لفرش الطرقات، إلا أن طبيعة الأرض منعت سيارات النقل من دخول المخيم أثناء الشتاء، حتى بات من الصعب تأمين مياه الشرب إذ حتى الجرارات الزراعية لا تدخل إلا بصعوبة.

"أطفالنا تناشدكم"
أحمد بركات أب لأربعة أطفال، وهو نازح في مخيم "أطفالنا تناشدكم" ضمن تجمع مخيمات أطمة على الحدود السورية التركية.
يخبر أحمد أن ابنته نغم وهي في الصف الثاني الابتدائي لازمت الخيمة ككثر من أطفال المخيم نتيجة عدم قدرتها على السير ضمن مستنقعات الطين.
"الأوضاع مأساوية جداً، خيمتنا من ضمن أكثر من 150 خيمة في المخيم، منصوبة على أرض زراعية، ومع ضعف القدرة المالية بقيت الخيمة من دون عوازل ماء وأرضية مرتفعة عن الأرض، فلا تقينا برد الشتاء ولا ماء المطر"، يشكو أحمد.
تعايش مع النزوح
يعيش باسل في خيمة صغيرة على الحدود السورية التركية مع زوجته وطفليه بعد نزوحهم من خان شيخون نتيجة المعارك.
استطاع باسل بناء خيمته، بعد معاناة كبيرة أمضى خلالها أياماً تحت أشجار الزيتون، مفترشاً الأرض على أمتعة استلفها من نازحين آخرين.
لم تستسلم زوجته لقسوة النزوح، فقد تابعت عملها في تدريس الأطفال تطوعاً تحت أشجار الزيتون، وكل ما تملكه هو لوح خشبي وأدوات بسيطة، يجتمع حولها الأطفال من الخيم المجاورة لتبدأ بتدريسهم حتى لا ينقطعوا عن الدراسة، وهي الآن تحاول الحصول على خيمة لتدريس الأطفال خلال ظروف الشتاء القاسية.
بدوره، يتحدى شاكر عمران النزوح. كان شاكر يعمل في مجال رصف الفسيفساء الذي تشتهر به محافظة إدلب عن سواها من المحافظات السوري.
دمر قصف النظام منزله جنوبي إدلب، ما تسبب بتلف أدوات مشغله وبألم عميق في نفسه، لكن شاكر قرر تحدي الواقع والانطلاق من جديد بحثاً عن لقمة عيش أطفاله الخمسة.
افتتح شاكر مشغلاً بإمكانياته البسيطة وبمساعدة أقربائه وأصدقائه، ليتابع المهنة التي يعشقها من جديد. وبالرغم من طين الشتاء الذي يقتحم خيمته المنصوبة ضمن "مخيم الرحمة" في تجمع مخيمات أطمة شمال إدلب بالقرب من الحدود مع تركيا، يشارك شاكر بقصته الكثير من القصص القابعة تحت كل خيمة.
البعض استطاع التعايش مع ظروف النزوح الاستثنائية رغم قساوتها مثل باسل وزوجته، لكن الكثير من العائلات باتت بلا مأوى ومن دون مساعدات إنسانية كافية مع حلول فصل الشتاء.
وبحسب "منسقو الاستجابة في سوريا"، فإن أكثر من 18 مخيماً تضم أكثر من 2760 عائلة تعرضت لأضرار كبيرة بعد الأمطار الغزيرة الأخيرة وهي بحاجة لإنشاء البنى التحتية اللازمة.
يبقى الوضع في محافظة إدلب رهن الاتفاقات الدولية، رغم دعوات وُجّهت من دول عدة إلى التنفيذ الفوري لوقف إطلاق النار ووقف جميع العمليات العسكرية الهجومية.
تم إنجاز هذه المادة في إطار برنامج التدريب الذي ينظمه مكتب العلاقات الخارجية في "الجامعة الأمريكية في بيروت" بالتعاون مع "مؤسسة دعم الإعلام الدولي".
اضغط هنا للمزيد من المعلومات حول البرنامج.