تقارير | 25 05 2020
منذ أن خرجت المظاهرات في سوريا عام 2011، كسر آلاف السوريين حاجز الصمت الذي فرضه النظام السوري على مدار سنوات طويلة، إلا أن السوريين المنتفضين واجهوا أيضاً حاجزاً جديداً عندما تسلّمت فصائل المعارضة المسلّحة قيادة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وفرضت قيادات كثيرة من بينهم حكماً صارماً وصفه كثيرون بأنه "قريب من حكم النظام السوري".
الثورة كسرت قيد الخوف
في اتصال هاتفي أجرته قناة الجزيرة القطرية مع المعارضة السورية سهير الأتاسي عام 2011، قالت الأتاسي إن "المظاهرات التي خرجت في دمشق ضد النظام لم يكن مخطط لها من قبل المعارضة السورية"، وهو ما يعني أن الشعب الثائر تجاوز الجميع بخطوته هذه.
يقول مروان، 32 عاماً، شاب جامعي من مدينة دمشق لـ"روزنة": "لم يكن هنالك تنسيق كبير في بداية المظاهرات أبداً، ففي إحدى المرّات في أيار عام 2011، قررنا أنا وأصدقائي الخروج بمظاهرة في منطقة ركن الدين بدمشق، وبالفعل هذا ما كان، نفّذنا المظاهرة لنتفاجأ أن عشرات المدنيين انضموا إلينا وبدؤوا يهتفون بالحرية، وخلال دقائق قليلة، انتهت المظاهرة حتى لا يتمكّن عناصر الأمن من إمساكنا وتوجّه كل واحد إلى عمله".
يردف مروان "رغم عدم التنسيق في الأصل، إلا أن كل شيء في الحقيقة بدأ منسّقاً، فالشعب كان توّاقاً للحرية والخلاص من النظام السوري، وبالتالي كان جاهزاً للخروج في مظاهرات حتى من دون تنسيق مكتوب ومخطط".
يؤيّد إبراهيم، وهو شاب من مدينة اللاذقية، مروان، إذ يقول لـ"روزنة": "كان السوريون الثائرون حتى بالنظرات يفهمون على بعضهم، يعرفون من هو عنصر الأمن والمخبر، ومن هو الثوري، ومع ذلك لم يكن معظمنا يخاف الحديث عن رغبته بالحرية وإسقاط النظام حتى بوجود المخبرين" ويردف إبراهيم "كان كل شيء بحكم المنتهي، لا بديل عن إسقاط النظام مهما كلّف الثمن".
الدكتاتورية لم تنته
في أيلول عام 2013، كان يبدو أن جيش الإسلام يتصدّر المشهد في الغوطة الشرقية وأرياف عديدة لدمشق، وتحديداً بعد توحّد عشرات الألوية والكتائب في هذا الكيان – بحسب معهد ليفنت للدراسات - إلا أنه كان ثمّة حكم جديد صارم يلوح في الأفق.
يقول الناشط السابق أبو الوليد من ريف دمشق "في نهاية عام 2013، اختفت الناشطة رزان زيتونة مع زوجها وزميلين لها، كانوا يعملون في مركز توثيق الانتهاكات في مدينة دوما، كأن قيادات جيش الإسلام لم ترغب بوجود أصوات ثورية لا ترضى بوجود أي انتهاكات".
اقرأ أيضاً:ضحكات مسروقة من أوجاع الثورة السورية...تعرّف إلى بعضها
وأردف أبو الوليد "ثم بعدها بدأ نفوذ جيش الإسلام يكبر، قاتل جبهة النصرة وانتصر عليها، وانتصر على جيش الأمة أيضاً، ثم أعلن عن عقوبات لمن يشكّل فصيل في الغوطة الشرقية، وبالتالي كان يسعى للسيطرة وليس لمجابهة النظام".
وكانت وكالة "اسوشييتد برس" الأمريكية نشرت تحقيقاً في شهر آب/أغسطس العام الماضي تحقيقاً قالت فيه إن "جيش الإسلام" اختطفها وزوجها قبل سنوات في مدينة دوما في الغوطة الشرقية عام 2013، مضيفة أن أصدقاء زيتونة قالوا إنها تلقت سلسلة تهديدات مصدرها "جيش الإسلام".
يشار إلى أن رزان زيتونة، هي محامية وحقوقية سورية، شاركت في الثورة السورية منذ بدايتها، وحصلت على جائزة "آنا بوليتكوفيسكايا" من الجمعية البريطانية (RAW in War) لإرسالها تقارير عبر الانترنت تفيد بوقوع انتهاكات ضد المدنيين.
يقول الإعلامي علاء الأحمد لـ"روزنة": "تم تهميش المثقفين منذ بداية الثورة السورية في الغوطة الشرقية، حيث قام مجهولون باغتيال الدكتور عدنان وهبي في مدينة دوما وكذلك الأستاذ محمد فليطاني، وبعدها تم تهميشهم بإعطائهم مناصب لا تسمن ولا تغني، وكان القرار للعسكر بلا شك".
وكان الطبيب السياسي عدنان وهبي أحد رموز المعارضة السلمية في مدينة دوما، اغتيل في تموز عام 2012 ، من قبل مجهول دخل عياته على أنه مريض، بطلق ناري، بينما اغتيل المعارض السياسي البارز محمد سعيد فليطاني الملقب بـ"أبو عدنان" بطلق ناري أمام بيته في دوما، والذي كان من أوائل من انخرط في صفوف الثورة السورية، في أيار عام 2014، بحسب موقع زمان الوصل الإلكتروني.
يتابع علاء الأحمد "القرار كان يرجح في جيش الإسلام إلى شرعيي الفصيل وعلى رأسهم سمير كعكة الذي لم يحصل على شهادة تاسع" مضيفاً "في فيلق الرحمن كان القرار للعسكر كون قائده نقيب منشق عبد الناصر شمير، وحركة أحرار الشام كذلك للشرعيين والنصرة أيضاً".
وفيما يتعلّق بالإعلام يقول علاء الأحمد "الإعلام لم يكن بشكل كامل تحت سيطرة الفصائل، إذ كانوا يقومون بدعم بعض إعلاميي الغوطة ليغطوا على جرائمهم و اعتقالاتهم".
ويكشف الأحمد تفاصيل تتعلق به، إذ يقول "أنا شخصياً، قام زهران علوش بنفيي من مدينتي دوما عام ٢٠١٥ لأني كنت أنتقد أعماله وخصوصاً عندما وضع النساء في الأقفاص، وبعدها أصبحت أعمل على ملف رزان زيتونة، فقام بمداهمة منزلي وعندما خرجت من دوما منعني من دخولها ومنذ ذلك الوقت لم أدخلها، وتعرضت كثيراً لمحاولات اغتيال داخل الغوطة".
المظاهرات ضد الفصائل
في عام 2015، ارتفعت الأصوات ضد العديد من الفصائل العسكرية، وحتى ضد جبهة النصرة في الشمال السوري، إذ خرجت مظاهرات في الغوطة الشرقية صيف 2015، طالبت بالإفراج عن المعتقلين في سجن التوبة التابع لـ"جيش الإسلام" وبفك الحصار عن الغوطة الشرقية، وتم مطالبة قائد جيش الإسلام آنذاك بتحريك جبهة دمشق "الهادئة"، بحسب جريدة المدن.
لكن كان أحد أبرز أسرار خروج المظاهرات، هو السيطرة على معبر حرستا مع النظام السوري من قبل "جيش الإسلام" وفصائل أخرى ، وفقاً للمدن، وتقاسم "خيراته" سويّة، دون الاهتمام بمعاناة الشعب المحاصر داخل الغوطة.
لم تهدأ المظاهرات بعدها، إذ خرجت مظاهرات عديدة تطالب الفصائل في الغوطة الشرقية بالتوحّد بدل الاقتتال الذي نشب في نيسان عام 2016، ولم ينتهِ بصورة فعلية إلا مع سيطرة النظام على الغوطة الشرقية في عام 2018.
يقول علاء الأحمد، "خرجت مظاهرات ضد الفصائل في فترة الاقتتال الداخلية في 28 نيسان 2016 ، حيث هجم فيلق الرحمن على جيش الإسلام وأخرجه من القطاع الأوسط المكون من 12 بلدة أبرزها (عربين وحمورية وسقبا وزملكا وكفربطنا) إلى مسقط رأسه في مدينة دوما، وعندما حاول الأخير استعادة النقاط التي خسرها أصبح يستهدف المدنيين في دوما وحرستا برصاص القناص، فخرج المدنيون بمظاهرات مناهضة له.
قد يهمك: بعد 8 سنوات... تمثال الأسد يشعل المظاهرات من جديد في درعا
وشهدت الغوطة الشرقية في نيسان 2017 اقتتالاً آخراً بين "جيش الإسلام" وفيلق الرحمن" ما أسفر عن مقتل وجرح العشرات بينهم مدنيون، خرج على إثر الاقتتال حراكاً شعبياً مناهضاً له، طالب الفصائل بالتوحد أو الرحيل، إذ تسبب الاقتتال في ذلك الحين بتقدم قوات النظام في عدة مناطق استراتيجية أبرزها حي القابون في العاصمة دمشق.
وقال الصحفي طاهر سليم لـ"روزنة": "إن الاقتتال في الغوطة الشرقية أسفر عن مقتل نحو ألف من عناصر الأطراف المتنازعة، كما سقط مدنيون، دون وجود إحصاءات دقيقة عن عددهم.
وفي شهر آذار عام 2018 خرج آلاف المدنيين والمقاتلين من الغوطة الشرقية، باتجاه الشمال السوري، عقب حصار استمر لسنوات منذ عام 2013، ضمن اتفاق بين روسيا وفصائل المعارضة السورية، نص على خروج المدنيين والمقاتلين إلى إدلب.
المظاهرات في الشمال السوري
في الشمال السوري، خرجت مظاهرة نهاية عام 2015، ضد جبهة النصرة، طالبت بطردها من مدينة معرة النعمان، بسبب تصرفاتها واعتقالها لنشطاء الثورة، وفرض ضرائب على الناس، واستخدامها القوة العسكرية لفرض أي شيء يصدر عنها ، وفق ما قال الإعلامي محمد الضاهر لـ"روزنة".
يردف الضاهر "أي منطقة تدخل عيها الجبهة يحدث فيها حالات خطف وقتل يقال عنها من قبل مجهولين".
في شهر آذار عام 2016، عادت جبهة النصرة و اقتحمت مدينة معرّة النعمان وهاجمت مقرات الفرقة "13" التابعة للجيش الحر بالرشاشات الثقيلة، ونتج عن ذلك حالة هلع وخوف وذعر بين الأهالي بسبب اقتحامها المنطقة بتلك الطريقة، بحجج واهية مثل التعامل مع دول الغرب، وفقاً للضاهر.
يضيف الضاهر "خرج حينها المدنيون بمظاهرات استمرت 150 يوماً أجبرتهم مرة أخرى على الخروج من المدنية، وكانت كافية لفضح جرائمهم المرتكبة في إدلب".
اقرأ أيضاً: ماذا حقّقت الثورة السورية خلال ثمان سنوات؟
في ذات الفترة، خرج مدنيون للتظاهر في مدينة إدلب، فقامت اللجنة الأمنية التابعة لجيش الفتح، بالاعتداء على متظاهرين وإعلاميين إثر خلاف دار بين اللجنة والمتظاهرين حول علم الثورة، انتهى بإزالة الأعلام وتحطيم كاميرات الإعلاميين واعتقال عدد منهم، وفقاً لموقع عربي 21 .
لكن جبهة النصرة في بداية عام 2017، عادت لتصرفاتها في معرّة النعمان، رغم المظاهرات السابقة، إذ يقول محمد المعري "كان هدف جبهة النصرة إخماد المظاهرات بالترويع والاقتحام بالأسلحة الثقيلة بحجة إنهاء فصيل الفرقة 13، إلا أن مدنيي معرة النعمان خرجوا بمظاهرة من جديد ضدهم، وقفت في وجه الأرتال العسكرية للنصرة".
ويتابع "رد عناصر النصرة على المظاهرات بالرصاص الحي مما أدى لإصابة مدنيين، لكن ذلك لم يثنِ الناس عن إخراج النصرة من المدينة".
بسبب لباسها .."جبهة النصرة" تسيء لطفلة
تفرض "هيئة تحرير الشام" على النساء في المناطق الخاضعة لسيطرتها قوانين صارمة بشأن اللباس، تجعل كثير من النساء قلقات بشأن خروجهن إلى الشارع، ما قد يؤدي إلى اعتقالهن في أحيان كثيرة.
يقول سامر السلقيني لـ"روزنة"، إن أهالي مدينة سلقين خرجوا بمظاهرات استمرت لثلاثة أيام في حزيران 2016، إثر اعتداء اثنين من "جبهة النصرة" من الجنسية التونسية على امرأة وابنتها بحجة تبرج الفتاة البالغة من العمر 12 عاماً ، حيث كانت ترتدي بنطالاً، وكان يبدو عليها أكبر من عمرها.
يضيف السلقيني، أن أحد العنصرين أوقف المرأة وابنتها، وضربا الفتاة وسط المدينة، ما أثار غضب الأهالي، ودعوا لمظاهرة رداً على هذا التصرف، طالبت بمحاسبة التونسي، لياتي أمر من قادة الجبهة بحل المظاهرة، وطلبوا من أهل الفتاة الاشتكاء على العنصر التونسي.
قد يهمك: إدلب.. لباس النساء وقوانين "تحرير الشام" الخانقة!
مظاهرات للمطالبة بالمعتقلين
يقول الناشط الإعلامي عبيدة المازني لـ"روزنة"، إن معظم المظاهرات التي خرجت ضد "جبهة النصرة" طالبت بشخصيات اعتقلتهم الأخيرة ظلماً، وكانت تقابل المظاهرات بالقمع المباشر وإطلاق النار على المدنيين لتفريقها، كما حصل في مدينة إدلب لمتظاهرين طالبوا بشخص في منظمة "بنفسج" كان معتقلاً لديهم بتهمة اختلاس الأموال.
حيث ، اعتصم عدد من المدنيين في تشرين الثاني عام 2018 أمام مبنى وزارة العدل التابعة لحكومة الإنقاذ في مدينة إدلب، تنديداً بتجاوزات "حكومة الإنقاذ" وللمطالبة بالإفراج عن الكوادر الطبية، ومن بينهم المسؤول في منظمة بنفسج عبد الرزاق العوض وآخرين في منظمة "ساعد الخيرية"، ليطلق عليهم قوى الأمن الرصاص لفض الاعتصام.
وسبق الاعتصام دعوة في بيان، من قبل ناشطي إدلب لوقفة احتجاجية تنديداً بتجاوزات حكومة الإنقاذ التي أقدمت عليها والاستيلاء على الأموال الخاصة والعامة، وآخرها أموال المسيحيين والتضييق على المدنيين، والسكوت عن حالات الخطف والفدية، وعدم اتخاذ أي إجراء فيما يتعلق بالحالة الأمنية والاقتصادية السيئة
وحذر تقرير لفريق "منسقي الاستجابة" في الشمال السوري في 21 تشرين الثاني عام 2018 أن عدة جهات تمارس الضغوط على العاملين في المجال الإغاثي والإنساني، آخرهم المسؤول في المنظمة "بنفسج" عبد الرزاق عوض.
لم تتوقف المظاهرات في إدلب ضد جبهة النصرة أو ما سمي لاحقاً "هيئة تحرير الشام"، ولم تتوقّف حتى الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي لمعظم قيادات الفصائل العسكرية التي كانت تسيطر وتفرض سياسة خاصة بها، رغم انحسار رقعة سيطرة المعارضة السورية في سوريا، ولم تنفع أساليب العنف التي مارسها النظام وبعده قيادات الفصائل من اسكات شعب طالب منذ البداية بالحرية.