تقارير | 25 05 2020

لم يكن البشر فقط هم ضحايا الحرب الدائرة في سوريا، إذ طالت آثارها السلبية البيئة كذلك، بما في ذلك الماء والهواء والتربة، والغطاء الأخضر.
واستخدم أطراف الصراع، وبخاصة جيش النظام السوري مختلف أنواع الأسلحة، إذ قصف المدن والبلدات بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والارتجاجية والبالستية، كما استخدمت القنابل المحملة بغازات سامة بينها السارين.
كما شارك الطيران الحربي الروسي وطيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك طيران الاحتلال الإسرائيلي بأعمال قصف، فضلاً عن القصف من قبل فصائل المعارضة والجماعات المتطرفة وأبرزها تنظيم "داعش".
الدمار طال الماء والهواء والتربة والأشجار
وذكر مراسلو روزنة في سوريا في تقارير لهم خلال السنوات الماضية، أن النظام السوري استهدف الأراضي الزراعية ما أدى إلى إتلاف المحاصيل، فضلاً عن إلحاق أضرار كبيرة في التربة، ورصد المراسلون إقدام جيش النظام السوري على استهداف أراضٍ زراعية بقنابل حارقة، ما أسفر عن حرق محاصيل بأكملها، وذلك في مناطق عدة أبرزها أرياف حلب وحماة ودرعا.
وأدى استهداف الأراضي الزراعية إلى التضييق على السكان وحرمان الأهالي من مردودها الغذائي، وبخاصة في المناطق التي كان النظام يحاصرها من جميع الجهات، وفي مقدمة تلك المناطق الغوطة الشرقية بريف دمشق.
كما قام النظام السوري بتجريف أراضٍ زراعية (أشجار مثمرة وصبار) في محيط داريا والمعضمية غرب دمشق، وذلك بحجة أن تلك المزارع تستخدمها الفصائل المعارضة لمهاجمة قوات النظام في دمشق وبخاصة في مطار المزة العسكري.
ويؤدي تسرب المواد المشعة الناتجة عن الذخيرة المستخدمة في الحرب إلى تدمير التربة وعدم قدرتها على الإنتاج، للإنسان عبر السلسلة الغذائية، إذ ظهرت حالات مرضية غامضة أعقبت الحرب في العراق، ووجود الألغام الأرضية ممكن أن تجعل مساحات واسعة من الأراضي المنتجة غير صالحة للزراعة. وفق تقرير لتلفزيون (روداو) نشر في آذار 2015.
وفي إدلب، قالت الحكومة السورية المؤقتة المعارضة، إن 70% من الأشجار الحراجية في محافظة إدلب، تم قطعها أو أحرقت منذ انطلاق الثورة السورية 2011، في حين اقتصر دور وزارة الزراعة في حكومة الإنقاذ (إدلب) في مواجهة التحطيب الجائر على نشرات توعية، تبرز أهمية الشجرة ومكانتها في الإسلام، للتأثير على الناس في خطب الجمعة والدروس في المساجد، بحسب تحقيق صحفي لـ فرحات أحمد -العربي الجديد.، نشر في تشرين أول 2018.
واعتمد السوريون خلال السنوات الأخيرة على الحطب للتدفئة في ظل ندرة توفير المحروقات وارتفاع أسعارها بشكل كبيرة، الأمر الذي دفعهم إلى قطع الأشجار.
وحول المياه، تعرضت الثروة المائية في سوريا لأضرار كبيرة خلال السنوات الأخيرة، إذ استهدف القصف مجاري أنهار ومحطات تنقية مياه ومحطات استخراج مياه جوفية.
وكانت لجنة تحقيق دولية تابعة للأمم المتحدة، أعلنت في آذار 2017، أن سلاح الجو التابع لنظام السوري قصف "عمداً" مصادر مياه دمشق، موضحةً أن قصف طيران النظام السوري الحربي لعين الفيجة، وتحوي النبع المغذي لدمشق، أدى لقطع المياه عن نحو 5.5 مليون شخص.
اقرأ ايضاً: الحرائق تلتهم أحراج مصياف.. من يقف خلفها؟
وذكر تحقيق لـ محمد بسيكي، نشرته أريج "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية"، أن تحاليل مخبرية في عام 2013، أظهرت أن 74% مياه الشرب في ريف دمشق تلوثت وتحتوي على مسببات التهاب الكبد.
وأنّ شبكات المياه بريف دمشق مخالفة للمواصفات العالمية ولم تخضع للصيانة الكافية والعقوبات منعت استيراد المُعقّمات، وأن السرطان يسري في أنابيب ضخّ المياه بريف دمشق، وفق التحقيق.
كما أشار التحقيق إلى أن عشرات آلاف السوريين يعانون من تلوث مياه الشرب الناجم عن اختلاطها بمياه الصّرف الصحي، إذ لم تستطع هذه الشبكات الصمود أمام المواجهات العسكرية المحيطة بها، فتعرضت للتكسير والتسرب، ساعد على ذلك قدم هذه الشبكات ونوعيتها المخالفة للمواصفات العالمية وقلة صيانتها.
وتغيب خدمات توفير مياه شرب نقية عن مخيمات النازحين من مناطقهم داخل سوريا، وتتوزع مخيمات النازحين في عدة مناطق أبرزها أرياف إدلب وحلب والحسكة ودير الزور، الأمر الذي أدى لانتشار أوبئة وأمراض.
هباب أسود وسارين ومخلفات ذخيرة
وشهدت سنوات الحرب استخدام النظام السوري باسلحة محملة بمواد كيماوية سامة، في مناطق عدة أبرزها الغوطة الشرقية، إذ تعرضت لقصف بغازات سامة في آب 2013، وفي 2018، وخان شيخون بريف إدلب، التي تعرضت لقصف كيماوي في نيسان 2017.
وانتشرت شرقي سوريا خلال السنوات الأخيرة، آلاف مصافي النفط البدائية عبر تسخين خزانات تحول النفط الخام، وذلك دون أدنى مستلزمات السلامة، فضلاً عن انتشار نواتج الحرق من مواد سائلة وسحب من الدخان الأسود (الهباب الأسود) المليء بالغازات السامة، الأمر الذي آدى لانتشار أمراض طالت الأهالي، وكذلك المواشي والطيور هناك.
نصوص لعقوبات رادعة.. لكن أين التطبيق؟
وأصدر النظام السوري قوانين لحماية البيئة، غير أنها لا تطبق بشكل كامل في مناطق سيطرته، فضلاً عن عدم خضوع المناطق الخارجة عن سيطرته لقوانين خاصة بالبيئة.
ونص القانون السوري رقم 6 لعام 2018، الصادر عن النظام السوري، في المادة 29 على أنه:
أ- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن سبع سنوات كل من يضرم النار قصداً بأي وسيلة كانت في الحراج أو الأراضي الحراجية أو المحميات الحراجية أو مناطق الوقاية.
ب- تشدد العقوبة بمقدار النصف إذا نجم عن إضرام النار إصابة إنسان بعاهة دائمة.
ج- تشدد العقوبة إلى الإعدام إذا نجم عن إضرام النار وفاة إنسان.
المادة 30
يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من يقوم بعمليات استثمار في أراضي حراج الدولة المحروقة أو زراعتها خلافاً لأحكام الفقرة -ب- من المادة 14 من هذا القانون.
اقرأ أيضاً: الحقيقة المخنوقة... بالكيماوي السوري
المادة 31
أ- يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة كل من تسبب بنشوب حريق في الحراج أو الأراضي الحراجية أو المحميات الحراجية أو مناطق الوقاية نتيجة إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة النافذة.
ب- تشدد العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤقتة إذا نجم عن التسبب بنشوب حريق إصابة إنسان بعاهة دائمة.
ج- تشدد العقوبة إلى الأشغال الشاقة مدة لا تقل عن سبع سنوات إذا نجم عن التسبب بنشوب حريق وفاة إنسان.
كما نص قانون البيئة رقم 12 لعام 2012 في المادة 13 (المسؤوليات والعقوبات) على أن:
أ- كل من ساهم أو ساعد في عبور النفايات النووية أو المشعة أو الخطرة إلى الجمهورية العربية السورية يعاقب بالاعتقال المؤقت خمس سنوات على الأقل وبالغرامة من عشرة ملايين ليرة سورية إلى عشرين مليون ليرة سورية أو بضعفي قيمة الشحنة أيهما أكثر.
ب- وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إذا أدخل هذه النفايات بقصد القائها أو دفنها أو إغراقها أو حرقها أو تخزينها في أراضي الجمهورية العربية السورية أو مياهها الإقليمية وتصل إلى الإعدام إذا نجم عن هذا الإدخال وفاة إنسان.
ونتج عن الاستعمال المركز لمختلف أنواع الأسلحة، القنابل، الذخائر وغيرها من المواد المتفجرة في سوريا انتشار الكثير من المواد السامة والمعادن الثقيلة في المناطق السكنية، وتحديداً معامل الذخائر يدوية الصنع التي توّظف الأطفال.
الانفجارات مصدر لتلوث مديد الأثر
كما أنّ الانفجارات غير المنظّمة لمواقع تخزين الذخائر والذخائر غير المنفجرة المتحلّلة قد تشكّل خطراً صحياً حقيقياً وتهديدات تلوّث طويل الأمد للتربة والمياه، وفق دراسة تحليل لـ"باكس" عام 2015، وهي منظمة غير حكومية هولندية تعمل على بناء السلام والنزع الإنساني للسلاح.
في حين، قد يؤدي غياب البنى التحتية والخدمات لإدارة النفايات المتخصّصة في سوريا إلى مجموعة مخاطر صحية، تراكم أكوام النفايات في الطرقات قد يؤدي لانتشار الأمراض المعدية وإنشاء مواقع ردم ضخمة قد يؤدي لتلويث محلي للتربة ومياه الشرب، إضافة لذلك، نهب المواقع الصناعية يعني تعرّضاً مضاعفاً للعديد من المواد الخطرة، وقد يزيد من تدهور جودة التربة والهواء، وفق دراسة "باكس".
قد يهمك: مدافئ الحطب تنال اهتمام السوريين.. طن الحطب بـ80 ألف ليرة
وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها A/RES/56/4 المؤرخ 5 تشرين الثاني 2001، يوم 6 تشرين الثاني من كل عام بوصفه اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أنه ورغم أن البشر يحصون دائماُ خسائر الحروب بعدد القتلى والجرحى بين الجنود والمدنيين وبما تم تدميره من مدن وسبل الحياة، تبقى البيئة، في كثير من الأحيان، ضحية غير معلنة للحروب، فقد تم تلويث آبار المياه، وأحرقت المحاصيل وقُطّعت الغابات وسُممت التربة وتم قتل الحيوانات لتحقيق المكاسب العسكرية.
ويبقى التساؤل، هل تكون الحرب وتداعياتها هي فقط من يدمر البيئة في سوريا، أم أن عمليات إعادة الإعمار المحتملة بعد انتهاء الحرب، ستفعل فعلها هي الأخرى في تدمير البيئة بسوريا، في حال لم تلتزم بالمعايير التي تحافظ على البيئة؟.