تقارير | 25 05 2020
لعل غرق المجنّد "منير سلامة" في بحر طرطوس بعد تسريحه، واحدة من أكثر القصص التراجيدية التي يمكن أن يتخيلها الناس لمصير مجند عسكري خاض سبع سنوات من الحرب.
منير هو أحد أفراد الدورة العسكرية التي أنهى النظام الاحتفاظ بها، بعد أن خدم أفرادها ثماني سنوات متواصلة من الخدمة الإلزامية والاحتياط، وهو الذي لم يستلم بعد ورقة تسريحه شيعته عائلته في مقبرة، وهو الناجي من حرب اشترك فيها لمدة سبع سنوات.
الدورة 102 هي الدورة العسكرية الأكثر شهرة، و بقي قرار تسريح صف الضباط فيها غير قابل للتصديق حتى صدرت تأكيدات رئيس شعبة التجنيد الوسيطة في مديرية التجنيد العامة العقيد الركن عماد إلياس بصدور قرار تسريحها.
و التحق مجندو هذه الدورة بصفوف جيش النظام في الأول من شهر أيار عام 2015، حتى وصل عمر بعض الملتحقين بالخدمة الأربعين.وسرت شائعات عديدة حول صدور قرار التسريح، وكان آخرها بداية العام الحالي في شهر كانون الاول.
عدد كبير من القتلى والمصابين
ويشكل تاريخ الأول من نيسان كابوساً لمجندي هذه الدورة العسكرية، وذلك أنه ورغم صدور قرار تسريحهم في الأول من شهر تشرين الثاني في عام 2011، إلا أن قرار الاحتفاظ و المفترض ألا تتجاوز مدته قانونيا الستة أشهر أبقاهم في الخدمة العسكرية حتى الأول من شهر حزيران من عام 2018.
ويفتح هذا القرار اليوم الباب واسعاً للتساؤل عن العدد الحقيقي للمجندين وصف الضباط والضباط الذين تم تسريحهم من هذه الدفعة، خصوصاً أنها أنها خاضت معارك متواصلة على كافة الأراضي السورية، و قتل منهم أعداد كبيرة وأصيب وتعرض للإعاقة كذلك الكثير.
تكتم على عدد الدورة الحقيقي
تضاربت الأنباء حول العدد الحقيقي للذين شملهم التسريح ، و أوردت قناة روسيا اليوم أن عدد المسرحين من غير المنشقين والفارين نحو 9400، في حين قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عدد المسرحين هو 15000، معتبراً أن تلك الدورة تضم أفراداً متخلفين عن الخدمة و مؤجلين أيضاً.
و أشار المرصد إلى أن عشرات الآلاف من عناصر هذه الدورة الذين التحقوا عام 2010، قتلوا وأصيبوا، بينما انشق الآلاف منهم، فضلاً عن آلاف المفقودين.
و قال المرصد إن نحو مئة وعشرين ألف شخصاً من قوات النظام و القوات الرديفة و المؤيدة له قتلوا منذ اندلاع الأحداث حتى شهر تموز من العام الماضي.و رغم أن القرار شمل دفعة الاحتفاظ لعام 2011، إلا ان الفوضى كانت تعصف برقيات التسريح.
المناطق الآمنة
تسريح الدورة الأقدم ضمن جيش النظام جاء بعد سيطرة الأخير على كامل دمشق وريفها، إثر انسحاب داعش من أحياء جنوب دمشق في مخيم اليرموك، وانسحاب جيش الاسلام وفيلق الرحمن من الغوطة الشرقية واتمام التسويات في مناطق يلدا وببيرا و بيت سحم.
وهو الأمر الذي ساهم في الاستغناء عن آلاف الجنود الذين كانوا مرابطين على هذه الجبهات، إضافة إلى اتفاقيات خفض التصعيد والتسويات التي تمت في ريف حمص الشمالي والأحياء الشرقية من مدينة حلب.
لا يمكن استثناء هذا التسريح من دون العودة إلى إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعلانه نهاية الحرب على الإرهاب ، وإعادة العقوبات على ايران ووقف العمل بالاتفاق النووي ساهم أيضاً في تضييق على مساعدتها الاقتصادية.
ولعل الفرار من الخدمة حسب توصيف القانون العسكري كان واحداً من الأسباب التي زاد من بؤس قدر الدورة 102.
في بداية عام 2012 حدثت اشتباكات في احدى القرى العلوية بين الأهالي و الشرطة العسكرية، حيث رفض أهالي قرية بسيسين الواقعة في جبلة من ارسال ابنائهم الى العسكرية. وعندما علمت شعبة التجنيد، المسؤولة عن التحاق الشباب المطلوبين، برفض الأهالي أرسلت قوة عسكرية إلى القرية لجلب المطلوبين الأسبوع الماضي، فوقعت اشتباكات وتم إغلاق القرية مساءا، بعد أن هرب الأهالي ابنائهم إلى القرى المجاورة.
و في السويداء، ورغم الضغوط التي مارسها مشايخ العقل على الشباب الدروز، إلا أنهم فضلوا التكل ضمن مجموعة البلعوس حتى تاريخه ورفضوا رفضا قاطعا الاشتراك في أي حرب.
و قدم مشايخ العقل في المدنية ضمانات بأن الخدمة ستكون داخل المحافظة وليس خارجها، وكان أهمها البيان الذي أصدره شيخ العقل حكمت الهجري، الذي تعهد أن يقضي من يقوم بتسليم نفسه من المتخلفين، خدمته داخل أراضي السويداء.
و ينص قانون العقوبات العسكري على حبس الفار من الخدمة الاجبارية من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات.وإذا ارتكب الفعل في زمن الحرب تصل العقوبة إلى الأشغال الشاقة مدى الحياة.
تسريح بدون تعويض
قدمت اللجنة الوزارية في حكومة النظام المؤلفة من وزارة الدفاع و الداخلية و المالية و عضوية مصرف سوريا المركزي، دراسة أفادت فيها بضرورة تعديل سلم الرواتب و الأجور للمقاتلين في جيش النظام والقوات المسلحة بعد اضافة درجات ترفيع مالية على الجداول الجديدة بنسبة ٩% كل عامين، أسوة بالترفيعات المالية التي تستحق لكافة موظفي القطاع الحكومي بموجب المادة رقم ٢٤ من القانون رقم ٥٠ لعام ٢٠٠٤، و المتضمن نظام العاملين الأساسي بالدولة، والذي استثنى كل من الجيش و الشرطة من كافة أحكامه بموجب المادة رقم ١٥٩ منه ) على أن يتم صرف اعتمادات فرق الدرجات الجديدة من وفورات الموازنة العامة بالدولة اعتبارا من تاريخ ١/٧/٢٠١٨.
صدور هذا القرار يزيد من بؤس المجندين الذين خدموا لمدة سبع سنوات في وضع مالي سيئ، وقالت صفحة" مطالبة بتسريح دفعة 102" أن تعويضات صف ضابط برتبة مساعد تصل نحو 600 ألف ليرة سورية أي بما يعادل ألف دولار تقريباً.
و بعد تسريح الدفعة بعدة أيام صدر المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2018 القاضي بزيادة رواتب العسكريين بنسبة 30 بالمئة من مجموع الراتب بعد إضافة التعويض المعيشي إلى الراتب المقطوع النافذ حالياً للعسكريين وعده جزءاً منه.

صفحة القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية والتي باتت ملاذ الموالين للنظام السوري في الإجابة عن تساؤلاتهم وشكاواهم،استقبلت أيضاً شكاوى المجندين المسرحين.
و تبدو الآفاق مغلقة أمام العسكريين الجدد والذين يبحثون عن عودة كريمة لحياتهم، فمعظم الوظائف الأولوية في التعيينات هي لذوي القتلى قبل الناجين من الموت.
ويقول أحد العسكر " راجعت مديرية بناء على التعميم الصادر من قبل رئاسة الوزراء في حكومة النظام عام 2013، والقاضي بتوظيف كل عسكري يحمل شهادة معهد متوسط والتحق بالخدمة قبل عام 2013 و تسرح بعدها، و يتابع "متل العادة سدقنا الخبر ورحت عمديرية الزراعة كون شهادتي معهد زراعي لنقدم الطلب بفاجئني الموظف قال عندو طلبات من اكتر من 3 سنوات والرد كلو عميجي للتريث ".
مصابوا حرب يواجهون الإعاقة على كلفتهم
في مدينة طرطوس انتشر فيديو لأحد المقاتلين وهو مصاب بعينيه يمارس التسول من أجل جمع المال لإجراء عملية جراحية لعينيه التي فقدهما أثناء الاشتباكات.
قتلى مكرمون بالبطانيات و البرتقال والماعز
وأظهرت صور وتسجيلات مصورة في السنوات الاخيرة، تكريم جيش النظام لعائلات قتلاه في المعارك عبر توزيع ساعات حائط وأغطية ورؤوس من الماعز، في وقت أصدر النظام السوري عدة قرارات تمنح ذوي أولئك القتلى امتيازات في التوظيف والتسجيل الجامعي وغيرها.
وان كان عائلات قتلى جيش النظام مستفيدة بشكل واسع بالتعيينات و المسابقات و عقود العمل، حيث صدر في شهر أيار من عام 2017 ، المرسوم التشريعي رقم 22 لعام 2017 القاضي بتعديل المادة(2)من القانون 36 لعام 2014 حول حجز نسبة 50 بالمئة من الشواغر المراد ملؤها بموجب المسابقات والاختبارات التي تجريها الجهات العامة لذوي القتلى ومن في حكمهم.
ضغط شعبي لتسريح الدفعة 102
صفحات عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي حاولت أن تمارس ضغوطاً ، وأبرزها صفحة "مطالبة بتسريح دفعة 102 من الجيش العربي السوري"واتخذت شعار"الوطن ليس لنا فقط الوطن للجميع ..سئمنا رائحة البارود"
و أطلقوا حملة “بدنا نتسرح”، العام الماضي، ما دعا رئيس شعبة التجنيد الوسيطة ليعلق على الموضوع، واعداً بدراسة هذا الأمر قريباً، دون تحديد أي موعد مؤكد.
و سبق لقيادة الجيش السوري أن أصدرت في نيسان من العام الماضي 2017 قرراً بتسريح المجندين في دورة 243، وهم من الطلاب الضباط الذين تم سحبهم للخدمة الإلزامية في أيار من عام 2010، قبل شهر واحد من الدفعة 102.