حلقات | 25 05 2020
ليس من المحتمل أن تسوء العلاقات التركية الأمريكية أكثر مما هي عليه الآن، فكلتا الدولتين لا تسعى إلى توتير العلاقات بينهما أكثر، ولعل زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام إلى أنقرة كانت تهدف إلى ترميم ما خرب منها، وكان واضحا من تصريحاته الودية نحو الشعب التركي والاعتذار، وليس التهديد ولا التنديد، وهي اللغة التي أخطأ وزير الخارجية الأمريكية جون كيري استعمالها بعد فشل الانقلاب العسكري الذي دبره فتح الله جولن من أمريكا في الشهر قبل الماضي، فقد كان كيري مغتاظًا جدًا من فشل الانقلاب، وكأنه زعيمه وليس جولن، أو كأنه تمنى نجاحه أكثر من جولن نفسه، ولكن لم تأت الرياح بما تشتهي السفن الأمريكية.
إن زيارة بايدن أوحت بالرغبة الأمريكية لإصلاح العلاقات، ولذلك كان أردوغان حاسما في إسماع بايدن جملة قاطعة لتحسين العلاقات، فقال لـ “بايدن”: “أولوياتنا أن تسلمونا جولن”، وقال قبل أن يصله بايدن: “على أمريكا أن تختار بين تركيا وجولن”، وأردوغان يعلم أن تقاربه من روسيا في هذه الظروف والأجواء يقلق أمريكا والناتو وأوروبا معًا، وهو ما أكدته العديد من المقالات الغربية، أما بايدن فأحضر معه جوابه من أمريكا، أن قضية جولن قضية قانونية وليست قضية سياسية بالنسبة للإدارة الأمريكية، وأن القرار ليس بيد الرئيس الأمريكي أوباما كما قد يظن البعض، أو أن أمريكا تريد أن تقبض من تركيا ثمن تسليم جولن سياسيًا، ولكن كيف؟
ولذلك فإن تصعيد لهجة الخلاف مع تركيا بعد زيارة بايدن التي تزامنت مع انطلاق عملية “درع الفرات”، التي تشبه “عاصفة الحزم” السعودية الخليجية في اليمن في بعض الأوجه، لا يختلف عن نفس المواقف التي تواجه بها أمريكا من يعمل لمصالحه مثل تركيا والسعودية، فأمريكا التي عطلت نجاح مؤتمر الكويت بين الأطراف اليمنية، هي نفسها التي تواجه الآن المعارضة السورية في تحرير قراها ومدنها من الاحتلال الإرهابي من قوات “سوريا الديمقراطية”، فقوات سوريا الديمقراطية وتوابعها في المجالس العسكرية التي شكلتها قبل ادعاء انسحابها إلى غرب الفرات هو دليل على أنها تخطط لمواجهة عسكرية وليس تنفيذ انسحاب حقيقي، وهذه المواجهة العسكرية تندرج ضمن الإستراتيجية الأمريكية في مواجهة الربيع العربي، وهي إبقاء بؤر الصراع مشتعلة في العالم الإسلامي، بل وتوفير أسباب أكبر لمواصلتها، فالحرب في أفغانستان لم تنته بعد 15 عاما، والحال في العراق اليوم أسوأ منه عام 2003، والأزمة السورية لا أفق للحل فيها، بسبب ممانعة أمريكا السماح لطرف منها أن يحسم الصراع عسكريا، وقد تعمدت السياسة الأمريكية إشعال الحرب الطائفية في اليمن، والحرب في ليبيا ليست ببعيد.