ذبح طفلٍ استباحة لكل البشرية

ذبح طفلٍ استباحة لكل البشرية

تقارير | 25 05 2020

 قُدِمت حركة نور الدين الزنكي، باعتبارها فصيلاً وطنياً، ورافضةً لكل ممارسات الفصائل الإسلامية، أي أنها تعترف بقوانين الحرب وأن الإنسان له حقوق وهي تعترف بها، ووظيفتها محاربة النظام والفصائل الإسلامية وتحديداً الجهادية. الحركة ذبحت ابن الثانية عشر عاماً، وقتله جريمة لا تغتفر؛ فالقتل تمَّ تحت أضواء الكاميرا على شاحنة، وبرفقة مقاتلين آخرين، ووظيفته إعلامية بامتياز وفيه تهديد لمقاتلي النظام. الفعلة غير ممكنة دون معرفة الكثير من القيادات في هذا الفصيل؛ من مارس هذا القتل في سوريا هو النظام وداعش؟! ونضيف هناك الكثير من هذه الانتهاكات التي تشبه هذه الجريمة وربما أفظع منها، وهذا فيه دلالة أولية أنّ هذه الفصائل كما النظام كما الجهاديين لا يعترفون بأية منظومة حقوقية وأخلاقية ودينية رؤوفة ورحيمة، فلم يتساءل القاتل، وهو يمسك برقبة هذا الطفل، هل اكتملت قدراته العقلية والجسدية والعاطفية والانفعالية ليتخذ قرار المشاركة بالحرب، وما الذي أتى به إلى جهنم الموت، ثم أليس من أتفه المعارف أن الحرب يتحمل مسؤوليتها القادة؟! وهنا مسؤولية قيادة هذا الفصيل، أقصد غياب أي توجيه وتدقيق ولائحة بالتعامل مع الأسرى أو حتى أثناء المعارك هو السبب.

أصدرت هذه الحركة بياناً تنصلت فيه من الجريمة، وأعلنت إنها حادثة فردية، ولكن ذلك لا يعتد به، فالجريمة صدرت باسم الحركة؛ ولكن وأيضاً، وكي لا نتخلى عن الموضوعية نقول: سينتظر العالم نتيجة التحقيق، ليتعرف على مرجعية هذه الحركة وكيف تقاتل، وكيف تصون حقوق الأسرى، وماذا ستفعل مستقبلاً.

بعيداً عن هذه الجريمة، وقريباً منها كذلك، فإن الفصائل المسلحة كما النظام كما داعش لم تعتمد مرجعية ثابتة للتعامل مع الأسرى، أو تصون حياة جرحى الحرب، والجميع مارس القتل العشوائي، والتباهي بارتكاب هذا الإجرام، وإذا كان داعش تميّز بالهوليودية والسينمائية بطرق القتل فإن الجميع لم يهتم بقيمة الإنسان، ويفترض ألا ننسى أقفاص جيش الإسلام في الغوطة.

بوضوح لا قيمة للإنسان في سوريا، قبل الثورة وأثناءها ولاحقاً، المحاولات التي تمّت في 2011 و2012 للارتقاء من جانب الثوار، ومحاولات التمييز بين المدنيين والجيش وقادته لم تعمر طويلاً، ونضيف بأننا لا نتكلم عن جميع الثوار فهناك ممارسات مشينة منذ انطلقت الثورة، وهم يمارسون الفعل ذاته الذي مارسه النظام -وميلشياته السورية والأجنبية- في المعتقلات أو على جبهات القتال أو للسكان المدنيين العُزل، مسألة قيمة الإنسان متعلقة بمسألة الإقرار بالحقوق، وبغيابها فإن السوريين كانوا يستبيحون الإنسان، وليس فقط جرائم الشرف كما كانت تحدث وما زالت، بل هناك استهتار كامل بالإنسان حياة ووجوداً وحريات وحقوقاً، ويشكل التخلي عن موضوع النساء المعتقلات دلالة على ذلك.

تتحمل المعارضة والتشكيلات القيادية في فصائل الجيش الحر أو سواها مسؤولية أكيدة عن عدم متابعة هذه القضية، وقد شكّل ذلك سبباً لما نقرأ من فترة لأخرى بخصوص هذه الجرائم وما يتقرب منها.

في ثقافتنا هنا استهتار بقيمة الإنسان، وإذا لم يكن ذلك يصل لحدود القتل لأتفه الأسباب، فإن الأمر كان ممكناً حينما تكون هناك تأزمات كبيرة تواجه البشر، ولا سيما مسألة جريمة الشرف، والتي توضح أن القتل كان ممكناً لأي إنسانٍ ما دام يمكن القيام به ضد أحد أفراد العائلة!.

عدم وجود حقوق للإنسان ودولة لكل السوريين، لا شك أنه السبب المركزي، فوجود تلك الحقوق الصائنة للإنسان ستجبر البشر على إعادة التفكير مئات المرات قبل الإقدام على هكذا جرائم والبقاء طيلة الحياة في السجن! النظام السوري لم يهتم للأمر، والفصائل لم تهتم بدورها، والمعارضة لم تصدر شيئاً يُعتد به لتتحوّل الفصائل إلى فصائل وطنية بمرجعية حقوقية. 

نعم، لا يمكن تبرير الجريمة بالتأزمات النفسية، أو ضغط النظام، أو أنه مقاتل في صفوف النظام، ليس لأنه طفل صغير بل لأنّه إنسان وأصبح أسيراً، هنا الموضوع كلّه؛ نُجرم النظام وداعش ويفترض أن يتم تجريم كل فعل مماثل، فليس بالإمكان إنشاء دولة بعقلية إجرامية.

لست كانطياً، ولست مثالياً لأقول إن مقتل طفلٍ من أجل سعادة البشر أو الانتصار على النظام وإسقاطه هو جريمة، ولكن ما تم هو جريمة، ويجب ألا تتكرّر، وأن من قام بمثلها لا يمكننا اعتباره ينتمي للبشرية بصلةٍ كما النظام وداعش؛ هكذا كان الأمر طيلة تاريخ البشر وهكذا يجب أن يستمر.

*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض