تقارير | 25 05 2020
العنف المتواصل في سوريا على مدى السنوات الخمسة الماضية دفع مئات آلاف السكان إلى الفرار من أكبر مدن سوريا، ولكن لا يزال هناك الكثيرون ممكن قرروا البقاء في حلب. مع دخول الحرب في سوريا عامها السادس، تحدثنا إلى بعض السكان الذي قرروا البقاء.
حلب- في شهر أيار/ مايو الماضي، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً عن مدينة حلب بعنوان: "الموت في كل مكان". وصف هذا التقرير الحياة التي يعيشها المدنيون في المدينة التي تتعرض للقصف العشوائي في كثير من الأحيان على أيدي النظام السوري على أنها جريمة حرب.
حلب، واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، اشتهرت لكونها موقعاً أساسياً على طريق الحرير، الطريق التجاري القديم الذي يمتد من الصين وحتى المتوسط. مدينة حلب كانت المدينة الأكثر ازدحاماً بالسكان في سوريا، بعد أن كان تعداد سكانها حوالي 2.302 مليون نسمة في عام 2005.
انقسمت مدينة حلب بسبب الحرب إلى نصفين: الجزء الغربي يسيطر عليه نظام بشار الأسد، وتسيطر فصائل المعارضة على الجزء الشرقي. يعتقد أن أكثر من مليون نسمة لا زالوا يعيشون في القسم الغربي من المدينة، بينما بقي حوالي 300,000 شخص فقط في القسم الشرقي منها.
كتبت صحيفة الغارديان مؤخراً: "صمدت مدينة حلب لأكثر من ستة آلاف سنة في وجه السرقة والدمار، ولكن الأعوام الثلاثة الماضية كانت كفيلة بتدمير حضارتها وتشريد أهلها، أكثر من أي نزاع سبق". السؤال هو: من بقي في المدينة، التي تعتبر أسوأ مكان في العالم حالياً، ولماذا؟
بالنسبة للبعض، هم باقون لأنهم لم يتمكنوا من الخروج. آخرون رفضوا المغادرة، لأنهم لا يريدون ترك منازلهم، ولا يزالوا يعتقدون أن لديهم دوراً يقومون به في إعادة إعمار سوريا.
يعرض الكثيرون حياتهم للخطر عندما نزوحهم إلى مكان آمن، قتل وجرح عشرات الناس من بينهم نساء وأطفال بينما كانوا يحاولون عبور أراضي كان قد زرعها تنظيم الدولة الإسلامية بالألغام ليمنع خروج المدنيين، كما اضطر الكثيرون إلى العبور من مناطق تشتد فيها المعارك ومن الحدود الفاصلة بين المناطق التي يسيطر عليها التنظيم والمناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر والتي تتعرض لقصف الطيران الروسي.
أم أمين، التي تعيش في منطقة شمال شرق ريف مدينة حلب واقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، رفضت جميع محاولات أولادها لإقناعها بالسفر إليهم في تركيا. "لن أترك بيتي أبداً" هكذا قالت أم أمين، ثم تابعت: "قضيت نصف عمري في هذا البيت. أعرف كل حجرة في حيطانه".
إبنها البكر أيمن قال أنه حاول أن يقنعها بالسفر إليه في تركيا، ولكن دون جدوى. أوضح أيمن قائلاً: "أخاف كثيراً عندما أسمع أن المنطقة تتعرض للقصف. كل مرة أتابع الأخبار على صفحات الناشطين مثل المجنون. نحاول أنا وأخوتي جاهدين لإقناعها بالمجيء إلينا ولكنها ترفض دائماً. ونحن لا يمكننا البقاء لأننا لا نستطيع العيش تحت سيطرة تنظيم الدولة".
أبو حسن، رجل في الخمسينيات من عمره، يعيش في ريف حلب، يرفض مغادرة منزله الذي لا يزال يعيش فيه حتى اليوم على الرغم من المخاطر التي يواجهها بشكل يومي والتي تتراوح بين القصف والمضايقات التي يتعرض لها وعائلته من عناصر التنظيم. قال أبو حسن لسيريا ديبلي: "السياسيين من جميع الأطراف يستمرون بالقول بأن الحرب ستنتهي قريباً. يقولون أن حلب قد تحولت إلى جحيم. ولكنهم لا يقولون الحقيقة دائماً. هم يبالغون". أخبرنا أبو حسن بأن همه الأكبر هو أن يؤمن لعائلاته حاجاتها. إبنه يعمل في تركيا، ولكن باقي أفراد العائلة يعيشون معاً في منزل واحد. أضاف أبو حسن: "مشكلتنا الأساسية هي نقص المياه. كل الأشياء مكلفة جداً. تحتاج عائلة تتكون من 5 أفراد ل 100$ شهرياً على الأقل لكي تعيش حياة معقولة".
حفرا أبو حسن وجاره بئر ماء بالقرب من البناء الذي يسكنان فيه. تعتمد عائلة أبو حسن على المولدات الكهربائية للحصول على الكهرباء، وفي الشتاء يستعملون المازوت المكرر محلياً لتشغيل المولدات. قال أبو حسن: "نعم، الحياة هنا صعبة، ولكنني وآخرون كثيرون مثلي، نعيش هنا في ريف حلب مع القصف والدمار. اعتدنا على هذا. نحن لا نزال نزور أصدقائنا، رغم أننا نشاهد الأخبار دائماً تقريباً".
أبو محمد، 63 عاماً، أحد سكان حي القاطرجي في حلب، وصف الحياة في حلب وهو جالس على كرسيه بالقرب من باب منزله قائلاً: "لقد اعتدنا على حياة القرون الوسطى. لا ماء ولا كهرباء. يكاد أولادنا لا يصدقون عندما تأتي الكهرباء". تابع أبو محمد: "للأسف، أصبحت حياتنا بطاقة بيد اللاعبين الدوليين الذين لا يريدون نهاية للحرب في سوريا. أنا كمواطن، كل ما أريده الآن هو بعض الماء والكهرباء، حتى ولو لبضعة ساعات كل يوم".
تتركز معظم اشتباكات قوات المعارضة مع الفصائل الموالية للنظام بالقرب من خطوط النقل ذات الجهد العالي التي توصل الكهرباء إلى جنوب المدينة. ويقول السكان المحليون بأن النظام قد قطع عنهم الكهرباء عمداً في كثير من الأحيان مما أدى بالنتيجة إلى انقطاع المياه أيضاً. آية حريتاني، نعيش في حي السكري في حلب، قالت: "اعتدنا أن نجلب المازوت من على الحدود. ولكن ليس بعد أن سيطر النظام على قرية معرسته الخان، لا نستطيع الحصول على المازوت بعد الآن".
"توقفت جميع المولدات الكهربائية بسبب نقص الوقود، مما أثر على العديد من المرافق الخدمية، مضخات المياه والأفران توقفت أيضاً، وعاد الناس إلى خبز الخبز في المنازل"، أضافت آية: "المشافي أيضاً تأثر عملها، فعلى الرغم من أن لدينا مشافي وعيادات يمكنها تقديم العلاج لأي حالة طبية، ولكن نقص الوقود يحول دون قدرة هذه العيادات على العمل وتقديم الخدمات الطبية للناس".
على الرغم من أن مدينة حلب قد فقدت الكثيرين من موظفيها الحكوميين، إلا أن القلة المتبقية منهم في القسم الذي تسيطر عليه المعارضة يحاولون الإستمرار بالعمل. صفوان بدوي، مدير إبتدائية فاطمة الزهراء، قال لسيريا ديبلي: "كوني مدير مدرسة، لم يكن لدي خيار. أنا أؤمن بأن علينا أن نعلم الجيل الجديد ونجهزه كي يبني يوماً ما سوريا المستقبل".
يدير السيد بدوي مدرسة في أحد الأقبية، لتفادي القصف المستمر. ونظراً لقلة المعلمين المتخصصين في المدينة، يوظف بدوي طلاب جامعيين وحاملي شهادة ثانوية كمدرسين. قمر، طالبة جامعية، اضطرت لترك دراستها بسبب الحرب، وقررت أن تعطي دروس خاصة لطلاب المرحلة الإبتدائية في منزلها، قالت: “جيل كامل فقد الفرصة للتعلم. هذه هي السنة الثانية أو الثالثة لهم بدون تعليم، بعضهم يجب أن يكونوا طلاب في الصف السادس الآن لكنهم لم يكملوا دراسة الصف الثالث”. قبل حوالي السنة، قررت قمر أن تبدأ بإعطاء دروس في القراءة والرياضيات وقواعد اللغة العربية. لديها اليوم 14 طالب، تعطيهم دروساً مقابل أجر قليل يغطي نفقاتها، بينما تتمكن من العودة إلى الجامعة.
معظم المدرسين قد غادروا البلاد بسبب انتشار العنف مثلهم مثل ملايين السوريين. آخرون اضطروا إلى ترك المهنة بعد أن أصبح حصولهم على رواتبهم أمراً مستحيلاً. خسر مئات المدرسين في ريف حلب عملهم لأنهم ببساطة لا يستطيعون قبض رواتبهم إلا في حال السفر إلى المدينة لتحصيل رواتبهم بشكل شخصي.
أمين العلي، يعمل مدرساً في المرحلة الإبتدائية منذ 12 عام، قال أنه خسر رواتبه لأنه لم يتمكن من قبضها بنفسه. "أحدهم كتب تقريراً للسلطات كتب فيه أنني وصديقي مع المعارضة، في آخر مرة ذهبنا فيها لقبض الراتب أخبرنا المحاسب بأنه لا يمكن لنا استلام الرواتب قبل مراجعة فرع الأمن".
هناك نقص حاد في أعداد الأطباء والمعدات الطبية، مع عدد قليل جداً من المشافي التي لا تزال قادرة على العمل. في القسم الذي تسيطر عليه المعارضة من مدينة حلب هناك عشرة مشافي، خمسة منها فقط لديها القدرة على استقبال حالات جراحية. "أغلب المعدات التي لدينا هي بقايا معدات من مشافي أخرى، وكلها قديمة جداً"، قال حمزة الخطيب، أحد الجراحين القلائل الذين بقيوا في المدينة، ثم أضاف: "نعاني أيضاً من نقص في الطاقم الطبي. لدينا 30 طبيب مختص فقط ولا يتواجدون دائماً".
غادر معظم الأطباء السوريين بلادهم منذ أن بدأ الصراع، وأصبحت الخدمات الطبية المتوفرة تقدّم من مساعدي أطباء وطلاب طب بشري، وخريجين جدد. كما قامت بعض المنظمات بإفتتاح دورات تدريب على التمريض بهدف زيادة عدد الفريق الطبي.
على الرغم من الحرب ونقص الخدمات بشكل عام، تبدو مدينة حلب نوعاً ما خالية من القمامة، بحسب أقوال سكان محليين. الفضل في هذا لمجلس المدينة المحلي التابع للمعارضة، الذي خصص قسم للنظافة يضم 350 عامل نظافة مهمتهم جمع القمامة من شوارع المدينة. عبد العزيز، 42 عاماً، موظف في قسم النظافة، قال: "نستخدم أدوات بسيطة، عربة بثلاثة عجلات وبعض المكانس. قررت أن أعمل في قسم النظافة بعد أن لم يتبقى لي عمل في البناء ولم يكن لدي المال الكافي لمغادرة البلاد. نقبض راتب شهري حوالي $100 شهرياً لكل عامل. المبلغ قليل جداً، ولكنه أفضل من لا شيء".
تتألف المجموعة الإعلامية السورية المستقلة من خمس مؤسسات إعلامية مستقلة، تعمل معاً من أجل تسليط الضوء على قصص لا حصر لها من البلد الذي مزقته الحرب: "أريج" إعلاميون من أجل صحافة إستقصائية عربية، إذاعة روزنة، سيريا ديبلي، سيريا انتولد، مركز توثيق الانتهاكات في سوريا. والمشروع مدعوم من دعم الإعلام الدولي.