تقارير | 25 05 2020
اعتاد العاملون في حقل الطب النفسي على اشتقاق مصطلحاتٍ لتوصيف اضطرابات الاكتئاب المختلفة من قبيل "اكتئاب الشتاء" أو "اكتئاب ما بعد الولادة" أو "اكتئاب ما بعد الأزمة"، لكننا نجد أنفسنا اليوم أمام نوع جديد من الاكتئاب يتجه المختصون لوصفه بـ"اكتئاب ما بعد الثورة"!
وعلى الرغم من أن الاكتئاب يصيب واحداً من بين خمسة على هذا الكوكب، إلا أننا نجد أن جيل الشباب السوري بكامله معرضٌ لاضطرابات اكتئاب ما بعد الثورة هذا.
قلق وحزن وتعب نفسي، تكرسه مشاعر الحزن وفقدان الأحبة والغربة، أعراضٌ يعجز الكحول والمسكرات في تهدئتها، كما تفشل العقارات المهدئة في التخفيف من معاناة مرضاها.
الأعراض التي تصيب فئة الشباب بشكل خاص، تنذر بأن تكون كارثة، خاصةً وأنها تصيب شريحةً عمرية تشكل أكثر من نصف المجتمع السوري اليافع، كما أن الأعراض تصبح أكثر شدة مع استمرار المأساة وانعدام فرص الحل وانسداد الأفق.
ورغم أن هؤلاء الشباب كانوا أول الحالمين بمستقبلٍ أفضل، ونبت من بينهم أبرز المبدعين على طريق الحرية، لكنهم كانوا كذلك الأكثر حزنا لانكسار هذا الحلم.
فعلى مدى خمس سنوات، ومنذ انطلاقة الثورة السورية لون الشبان السوريون العالم بإبداعهم، وخلقوا فنونا جديدة، وحصد البارزون منهم معظم جوائز الابتكار والشجاعة والصحافة الحرة، هؤلاء الذين لونوا الساحات والمدرجات الموسيقية ونثروا أشعارهم في كل الكون، مدفوعين بطاقة فريدة ورهافة نادرة، لكن تلك الرهافة بالذات كانت سبباً لإصابتهم بأعراض هذا الاكتئاب أكثر من سواهم.
شبانٌ كثر، فقدوا القدرة على معانقة ذويهم وفارقوا أحبتهم، وانكسر أمامهم الحلم بوطن حر كريم، الحلم الذي دفعوا بكل شي في سبيله كي يروه ربيعاً، فوجدوا أنفسهم إزاء بلدٍ مدمر وشظايا ودم!
داخل سوريا، ستصادف شباناً وشابات سحقتهم الحياة وضاقت بهم سبل العيش، فقدوا أعمالهم وانهارت أحلامهم، وحاولوا البقاء رغم كمية الألم الكبيرة، وخارج البلاد ستراهم وستعرفهم من دموع قلوبهم وحرقتهم على بلادٍ باتوا يرونها في الحلم كل يوم، ولا يستطيعون لمسها.
حالاتٌ من اضطرابات النوم، ومن القلق المفرط، وارتجاف الأيدي، والبكاء اللاإرادي، والضحك المفاجئ، وحالات الحنين القاتلة، ضعفٌ يحاول أن يغلف نفسه بقوة، تحت ثقل عالم مجنون يسحقه!
ويبدو أنه ومع استمرار المعاناة، سيحتاج هذا النوع من الاضطرابات إلى دراساتٍ تالية معمقة، لمحاولة فهمها وتشخيص أعراضها، مدخلاً إلى علاجها فيما بعد.
وسيبدو منطقيا بعد الآن، أن يعد مخططوا أي ثورة قادمة خطةً للتصدي لهذا النوع من الاكتئاب، لعلاج جمهورها، مع إعدادهم للهتافات والغرافيتي والأغاني وكتيبات الإسعاف الأولي، وربما نجد قريبا في الأسواق كتيباً بعنوان "كيف تحمي ثورتك من الاكتئاب في خمس دقائق؟".
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".