تقارير | 25 05 2020
تغصُّ شوارع العاصمة السورية دمشق، بآلاف الصور واللافتات الانتخابية، لمرشحي مجلس الشعب، في دورته الجديدة هذا العام.
الوجوه الانتخابية كما هي، الدعايات والوعود ذاتها، والعديد من السوريين في الداخل، معارضين وموالين للنظام، "قرفوا" هذا المشهد، وفقاً لاستطلاع أجرته "روزنة"، عبر مقابلات معهم.
يقول مدرّس جامعي متقاعد في حديثه لـ"روزنة"، إنه ظن انتخابات هذه الدورة ستكون مختلفة، كونها تجري قبل جولة جديدة للمفاوضات بين النظام والمعارضة في جنيف، إلا أن عودة مشاهد "حلقات الدبكة"، واستمرار وجوه معروفة بفسادها، أحبط أمله.
حملات باذخة
حوالي 34 مليار ليرة، التكلفة التقديرية للحملات الانتخابية مجتمعة، علماً أن هذا الرقم غير معمول به على أرض الواقع، لأنه يستند إلى عدد المرشحين البالغ 11341، وفق ما أعلنت اللجنة القضائية العليا للانتخابات.
وبحسب اللجنة القضائية فإن عدد المرشحين للدورة الحالية هو 11341، وأقفلت باب الترشح بتاريخ في 02 آذار 2016، وبحسب الفقرة (ب) من قانون الانتخابات رقم 66، بالدستور السوري، فإنه "يحدد سقف الإنفاق المالي على الدعاية الانتخابية للمرشح، بمبلغ قدره ثلاثة ملايين ليرة سورية".
وبالتالي فإن عدد المشرحين البالغ 11341، مضروباً بمبلغ 3 مليون ليرة لحملة كل مرشح على حدى، سينتج عنه نحو 34 مليار ليرة، وهي التكلفة الإجمالية المقدرة لجميع الحملات.
ولا يتناسب هذا المبلغ، مع الحملات الضخمة التي تشهدها شوارع سوريا، حيث يتوقع خبير الحملات الدعائية يوسف بطيخة، أن المبالغ المصروفة على الحملات الانتخابية تبلغ ضعف ما يتم تقديمه للمرشحين، بحسب معطيات الترويج والأقمشة والطباعة وحملات السوشيال ميديا وغيرها.
وتصدرت حمص عدد المرشحين بـ1800 مرشح، تبعتها حلب بـ1437، ودمشق 988 مرشحاً، وتوزع البقية على المحافظات الأخرى، وحلت العاصمة دمشق في المرتبة الأولى لكثافة الحملات الباذخة، فلا يكاد يخلو حائط أو شارع أو مدرسة من الإعلانات للانتخابات، وحتى اشارات المرور، غصت بصور المرشحين.
حملات الترف هذه تأتي في وقت، لا يتخطى دخل المواطن السوري 10% من إنفاقه، وفقاً لما نقلت صحيفة "الوطن" المحلية عن رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني، قبل أيام، فبعد ارتفاع سعر صرف الدولار وتخطيه عتبة الـ500 ليرة، بات متوسط دخل المواطن السوري 50 دولاراً "25 ألف ليرة" ومتوسط إنفاقه أكثر من 350 دولاراً، ليتمكن من العيش هو وأسرته.
أصحاب الأسبقيات
قارنت "روزنة" أسماء مرشحي مجلس الشعب في الدورة السابقة والحالية، فتبيّن أن الغالبية الساحقة منهم وجوه قديمة، وسبق لهم أن ترشحوا في الدورات السابقة، وكانت النتيجة أن حصلوا على الأموال والحصانة دون أي يقدموا شيئاً يذكر للمواطنين.
وبحسب مقارنة بين أسماء الدورة الماضية والحالية، بلغت نسبة الوجوه التي ترشحت للمرة الثانية على التوالي 80% من المرشحين، وبعضهم يترشح للمرة الثالثة على التوالي.
ويبلغ العدد الثابت للأعضاء في مجلس الشعب السوري، 250 عضواً، وشهدت سوريا 17 دورة انتخابية في حكم حافظ الأسد وابنه بشار، منذ عام 1971، ورغم أن دستور 2012 سمح بالتعددية الحزبية، بعد أن كانت الغالبية لأحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" التي يقودها حزب البعث، إلا أن حزب البعث عاد ليدخل بالانتخابات الحالية بقوة.
على النقيض من ذلك، رُفضت طلبات الترشح لأبناء مدينة الزبداني، بحسب محمد الشماع "أمين حزب التضامن المعارض والرخص داخلياً" بريف دمشق، حيث نشر على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك": "تم رفض ترشيح أعضاء لمجلس الشعب من الزبداني، وهذه الخطوة وإن دلت فإنها تدل على التغيرات نحو الديمقراطية وعن قبول الإختلاف والمعارضة والرأي الآخر!".
ومن خلال متابعة تغطية الإعلام الرسمي السوري لهذه الانتخابات، فإنه قام على اعتبارها انتصاراً تاريخياً للقانون، غير أنه لم يركز على انتهاكات المرشحين، فأحد المرشحين للدورة الحالي، من عائلة بري، التي هددت المواطنين بالذبح في منطقة "أدونيس" بحلب، وعلّقت صوره على المحال الخاصة للمواطنين.
كما أن الإعلام التابع للنظام، غاب عنه، أن أعضاء المجلس الحاليين، لم يحاسبوا أي مسؤول فاسد على مدار سنواتهم الأربعة الماضية، وعندما تجرأوا فعلوها مع وزير الكهرباء، فقط.
مسرحية الانتخابات
"لا سلطة للشعب في مجلس الشعب"، بهذه الكلمات تلخص الطالبة الجامعية "غنوة"، حال المجلس منذ أن نشأ، وتضيف: "عمري الآن 24 عاماً، ولا أعرف اسم مرشح واحد، ولا أذكر أن أحدهم استجوب مسؤولاً فاسداً أو ساهم في اتخاذ قرار واحد لتحسين حياتنا التعيسة".
وكتب صحفي سوري مقرب من النظام على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "لدينا أكثر من ألف مرشح، وجميعهم لن يقدموا شيئاً، لذلك أقترح إرسالهم إلى الجبهات القتالية وسد الثغور بهم وبذلك يكونوا قدموا شيئاً مفيداً للسوريين".
ويؤكد حازم، موظف بأحد مراكز جباية الكهرباء بريف دمشق، أنه لن يشارك بالانتخابات، موضحاً السبب:" أصحاب النفوذ والسلطة هم الذين سيصلون ليمثلوا هذا الشعب البائس، لذلك فإن مشاركة المواطنين أو عدمها لن تقدم ولن تؤخر على مجلس النيام".