الفدرالية أم اللامركزية الإدارية؟

الفدرالية أم اللامركزية الإدارية؟

تقارير | 25 05 2020

مقالات الرأي | بدأت المشاورات بخصوص الحل السياسي وفقاً لمؤتمر فيينا ثم بيان مجلس الأمن الدولي 2254 ولاحقاً وفق بيان ميونيخ للأمن، وقد نتج عن كل هذه اللقاءات اتفاق الهدنة وإيقاف الأعمال العدائية؛ الحل السياسي سيتضمن بالضرورة نقاشاً عن شكل الحكم القادم وفق القرارات الدولية، والتي تؤكد أن سوريا دولة موحدة وعلمانية، وكلام عام عن حقوق للأكراد في المستقبل، وإنصاف الأقليات. إذاً لا عبارات تتناول الفدرالية أو الاتحادية أو حتى اللامركزية التي عنونت بها مقالي هذا. 

التدخل الروسي في أيلول الماضي أوقف انهيار النظام وأضعف المعارضة "عكس الآية" وبالتالي أرادت روسيا وأمريكا استثمار ذلك في أولويات نقاش شكل النظام القادم، فهل ستتشكل حكومة وطنية كما تريد إيران وروسيا والنظام وحتى أمريكا، أي إدخال بعض المعارضين إلى حظيرة النظام الحالي، وكفى المسلمين شر القتال، أم أن التفاوض سيكون بخصوص حكم انتقالي وفقاً لبيان جنيف الأول، وبالتالي تغيير كامل في بنية الدولة وليس فقط النظام الحالي، وربما تطبيق إجراءات المحاسبة والعدالة الانتقالية؟!

شكّلَ التمسك ببيان جنيف الأول، وأن تكون المعارضة ممثلة بوفد مؤتمر الرياض، وإجراءات الثقة التي طالب بها الوفد قبل الدخول إلى التفاوض، شكَّل مشكلة حقيقية لروسيا وأمريكا، بينما هما تريدان وفداً هامشياً، ومطواعاً، وبما يحقق التوافق المسبق بينهما. هذا التمسك أفسد خطة التوافق بين الدولتين المذكورتين، وبالتالي طُرحت مسائل الفدرلة أو الاتحادية، ويتأتى هذا الطرح لإجبار المعارضة على الموافقة على حكومة "وطنية"، تعيد إنتاج النظام الحالي وتوسعه قليلاً. هذه الأطروحات ليست للتطبيق بل للضغط على المعارضة؛ فلا يوجد في سوريا أقاليم كبيرة وصافية عرقياً أو طائفياً، ولم يطالب السوريون الذين ثاروا بدويلات صغيرة، بل طالبوا بوضع أفضل لكافة السوريين وفي دولةٍ واحدةٍ؛ ونضيف أن وجود اختلاط سكاني كبير يمنع التقسيم كذلك، وبالتالي لا يمكن للكرد أن يشكلوا دولتهم، وفي حال السماح بذلك فإن هذه المشكلة ستفجر القضية ذاتها في الدول المحيطة بسوريا، عدا أنها غير ممكنة في سوريا، والسنة في سوريا أكثرية في دمشق ودرعا واللاذقية، بل إن دمشق ومدن الساحل شهدت نزوحاً من الأكثرية الشعبية "السنة" وبالتالي هناك رؤية شعبية تقول إن المشكلة في سوريا ليست مشكلة طوائف، بل هي مشكلة نظام، وعليه أن يستجيب لحقوق الشعب أو الرحيل.

ما حدث من تراكمات بالسنوات الخمس، ولا سيما من قتل وذبح واغتصاب وتطييف، ربما يسمح بوجود مناخ يوافق على هذه الأفكار، وربما أن تأخر الحل السياسي أو حسم الصراع عسكرياً، وغياب إرادة دولية وإقليمية تنهي المأساة المفتوحة، تتيح المجال لهذا الحديث، إذا هناك أسباب واقعية تسمح بذلك، ولكن مظاهرات يوم الجمعة في 4 أذار 2016 كررت أن الشعب السوري واحد، ورفعت لافتات ترفض التقسيم وتقول بوحدة سوريا، وبالتالي حينما تراجع الصراع المسلح، عاد الشعب لثورته مجدداً؛ عاد ليقول بأن السوريين شعب واحد وسوريا لا تقبل التقسيم، وما حصل من تراكمات تتحملها الجهات التي قامت بها، وليس الشعب السوري المعارض أم الموالي.

نقاش شكل الدولة القادم في سوريا، كشف عن خفةً لدى المثقفين والسياسيين لا تُحتمل بما يخص مستقبل سوريا، واستسهالاً لفكرة التقسيم والفدرلة، وربما لو استثنينا مثقفين قلائل، فإن أغلب الأفكار المطروحة تقول بأن التقسيم حاصل لا محالة، والأرض الآن مقسمة، وسيكون هناك كانتون علوي كذلك، وآخر للكرد. هذا النقاش الفاسد لا يقرأ السياسة الدولية والإقليمية جيداً، بل إن الثورة لديه انتهت كلية. إذاً قال الشعب كلمته في 4 آذار وعلى العاملين في الحقل السياسي والثقافي أن يتعلموا الدرس جيداً.

الممكن في سوريا، يتحدد بتوسيع حقوق المدن والمناطق، وإعطاء الكرد حقوقهم الثقافية وبعض الحقوق السياسية المميزة، إضافة لحقوق المواطنة ككل السوريين، وأما مسألة الأكثرية والأقليات بالمعنى الديني، فموضوع غير قابل للتفاوض والنقاش؛ وبهذا الإطار فإن شكل النظام سيكون الموضوع الأول على طاولة النقاش بجنيف بين النظام وبين المعارضة، أي هي مسألة سياسية بامتياز وتخص كيفية الانتقال نحو الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات العامة والرئاسية، وبالتالي ليس قضية الفدرلة أو التقسيم، وطبعاً هناك اختلاف بمعنى هذه المسميات، مطروحة إلا ابتزازاً للمعارضة، ولتقبل الضغوط الروسية والأمريكية الكثيرة.

أخيراً، التوافق الأمريكي الروسي وإعطاء أمريكا سوريا لروسيا يمنع أي طرح جدي للتقسيم. لو أن هناك اختلافاً فعلياً بين الدولتين كان للحديث معنىً مختلفٌ. إذاً وضمن ما أوضحنا أعلاه، فإن السوريين معنيون بتبني رؤية فكرية وسياسات من أجل نظام يمثل الجميع، وبما ينهي كافة أشكال التدخل الإقليمي والدولي.

 المهمة الأصعب أمام السوريين وقد أصبح بلدهم ضعيفاً وهامشياً، وسيبقى كذلك لفترة من الزمن، ولو نجحت عملية التفاوض في البدء بالحكم الانتقالي، هي خلق رأي عام رافض لقوات الاحتلال الروسي والإيراني وحزب الله والجهاديين الأجانب ومحاربة كل أشكال الجهادية والنهوض بسوريا كدولة حديثة بالفعل. هذا التفكير هو المراد تغييبه بكل السبل الممكنة. 

نوجز بأن "موّال" التقسيم والفدرلة غير ممكنٍ، والممكن الوحيد اللامركزية الإدارية وتوسيع حقوق المدن والمناطق، وسوى ذلك أضغاث أحلام.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض