تقارير | 25 05 2020
زيارة الجنرال الإيراني قاسم سليماني إلى بلدة جورين التابعة لمحافظة حماة وسط سوريا وذات الأغلبية العلوية في أيار الماضي، ووعوده بمفاجآت وزلازل، ذهبت أدراج الريح، فهي لم تكن أكثر من بيع "جوز فارغ" إلى محتاجين. بعد ذلك، احتاج النظام السوري إلى حركة معنوية أخرى تمثلت في زيارة "ماهر الأسد" شقيق الرئيس السوري إلى جورين أيضاً، التي تشكل السيطرة عليها خطوة إضافية في إحراج النظام وإظهار عجزه عن حماية مواليه و"معقله".
يحتل ماهر الأسد مكانة غامضة في النظام، فهو الرجل الذي انتظر الموالون طويلاً أن يغضب ويتخلى عن "البيجاما" ويرتدي البدلة العسكرية، في ثقة طفولية من قدرته، إن غضب، أن يحسم الأمر وينهي "التمرد". لا تأتي أهمية ماهر الأسد من قيادته الحرس الجمهوري أو الفرقة الرابعة، بقدر ما تأتي أهمية هذين التشكيلين العسكريين من كونه على رأسهما، ذلك لأن التشكيل الذي يرأسه يغدو ذا اعتبار لا يمتلكه تشكيل آخر إن من حيث التسليح أو امتيازات الدخول إلى العاصمة أو المرابطة على بواباتها. في النظام السوري ليست القوة في المنصب بل فيما وراء المنصب، التراتب الرسمي لا يعكس التراتب الفعلي للقوة.
نظراً لما يبدو للأخ الأصغر للرئيس السوري من أهمية في وعي الموالين عموماً، كثيراً ما أطلقت شائعات من جانب المعارضة تتعلق بمرض الرجل أو موته أو بتر ساقه ..الخ. في مسعى لإضعاف معنويات الموالين. ولكن اللافت أن الرجل لم يسجل طوال حياته، أي تفوق عسكري أو سياسي من أي نوع يمكن أن يشكل رصيداً ما، لهذه الهالة التي يحيطه بها الموالون.
الغموض وقلة الظهور هو رأسماله الوحيد في هذا المجال، الأمر الذي يسمح للناس برسم الخيالات والتصورات الرغبوية، عن شخص يفترضون أنه ذو مقدرة فائقة، لأنه يتمتع بقرابة من الدرجة الأولى مع الرئيس السابق والحالي، يضاف إلى ذلك ما يشاع من كلام عن مزاجه الصعب أو قل الدموي.
تأتي الزيارة بعد إقدام أحد الشبيحة الجدد من آل الأسد على قتل ضابط مهندس في جيش النظام بطريقة مزاجية، مما أثار موجة غضب في الوسط الموالي الذي لمس باليد وقوعه بين تشكيلات عسكرية سلفية من جهة وبين نظام لا يعطي وزناً حتى لضباطه حين يتعلق الأمر "بهيبة" العائلة الحاكمة من جهة أخرى. وتأتي الزيارة قبل ثلاثة أيام من القصف الذي نفذه طيران النظام لسوق شعبي في دوما راح ضحيته أكثر من مئة بينهم أطفال ونساء. بين حدثين مهمين، تأتي الزيارة لتقول إن انشغال "القيادة" في القضايا الكبرى كمحاربة التكفيريين (وحماية الساحل) تشغلهم عن قضايا أقل شأناً من وزن مقتل ضابط على يد شبيح صاعد، ما يشير إلى اتجاه النظام السوري لغض النظر عن معاقبة المجرم الذي ينتمي لعائلة الأسد، وهو بالفعل قد أطلق سراحه "ليحاكم" وهو طليق.
كما ألقت جريمة دوما التي تلت الزيارة ضوءاً على رسالة أخرى كانت تضمرها الزيارة مفادها إن ثمة خطوط حمر عسكرية، لا يسمح بتخطيها تحت طائلة قصف المدنيين في مناطق تواجد التشكيلات العسكرية التي تواجه النظام. وزيارة ماهر الأسد إلى جورين، التي تضم معسكراً يعتبر أضخم قاعدة عسكرية لقوات النظام في منطقة سهل الغاب في ريف حماة الغربي، بمثابة تعميد هذه المنطقة على أنها خط أحمر بهذا المعنى.
الفيديو الذي انتشر عن الزيارة والذي لا يتجاوز الدقيقة ونصف، يحمل الكثير من العبر. شخصية الزائر ليست واضحة، ما فتح المجال للحديث عن شبيه قام بدور ماهر الأسد، في ملمح يشبه سلوك المافيات والعصابات لا الدول. لم يتكلم الزائر بشيء، فقط رأى التدافع نحوه ثم رفع يديه، من داخل الدائرة التي رسمها حوله مرافقوه، محيياً الجمهور الذي راح يهتف باسم أخيه، الهتاف الذي رافق مسيرة احتضار سوريا: "بالروح بالدم نفديك يا ...".
تعيدك هذه الزيارة إلى نقطة الصفر، كأن "لا ملك جاء ولا وحي نزل". هذا هو النظام السوري "الخالد"، يحكم بالقوة ويفديه جمهوره بالروح والدم، لا يهم لو تسبب "ثباته" في دمار البلد وموت أهلها بالبراميل والتفجيرات والرصاص والجوع والذل، أو بالبحار أو.. الخ. المهم أن تبقى الدولة وسيلة طغمة في امتصاص ثروات البلد والتحكم بأهله.
*مقالات الرأي تعبّر عن وجهة نظر كتابها ولا تعبر عن رأي "روزنة".
*تم نشر هذا المقال بموجب اتفاق الشراكة بين روزنة وهنا صوتك.