حلب: تحطيم تمثال ساحة سعد الله.. غضب واسع والمحافظ يتوعد بالمحاسبة

حلب: تحطيم تمثال ساحة سعد الله.. غضب واسع والمحافظ يتوعد بالمحاسبة

لحظة تحطيم تمثال "الشهداء" في ساحة سعد الله الجابري بمدينة حلب - مقطع مصور متداول (لقطة شاشة وتعديل قياس روزنة)

تقارير وتحقيقات | 3 07 2025

روزنة

أثار تحطيم تمثال "الشهداء" في ساحة سعد الله الجابري وسط مدينة حلب، ليلة أمس الأربعاء، موجة غضب واستنكار واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما توعد محافظ حلب بمحاسبة المقصرين بشكل فوري نافياً في الوقت ذاته اتهامات بـ"خلفيات أيديولوجية للقرار".

وأظهر مقطع ليلي، آلية ثقيلة تسحب التمثال بطريقة وصفت بالبدائية ما أدى لتحطيم كتلة من التمثال، سبقها كما وثق مقطع آخر تحطيم الجزء العلوي عبر رفعه بـ"كابل" رافعة ثقيلة، وصفها معلقون بأنها تعطي دليلاً بأن العملية كانت بغرض التحطيم وليس النقل لاستخدام "طريقة غير احترافية واضحة".

وفي أحد المقاطع اعتبر المصور في تعليقه إن ما حصل خطأ خلال نقله من مكان لمكان، بينما سمع من حوله تصفيق لأحد الحاضرين أو مجموعة منهم.

محافظ حلب: مساءلة فورية

قال محافظ حلب عزام الغريب اليوم الخميس، مخاطباً أهالي المدينة "أن ما جرى غير مقبول بأي معيار، وأن المسؤولية ستحمل بالكامل للجهة التي نفذت النقل دون الالتزام بالمعايير الفنية والإنشائية التي تم التأكيد عليها مسبقًا"، حسب منشور في حسابه الرسمي بمنصة "اكس".

وأوضح: "‏لقد تمّت الموافقة على نقل المجسم إلى المتحف، بناءً على خطة مقدمة من مجلس مدينة حلب بالتنسيق مع مديرية الآثار، في إطار مشروع لتأهيل الساحة وتحويلها إلى فضاء ثقافي نابض بالحياة".

وبرر المحافظ عملية النقل بأنها جاءت "بعد ورود مطالبات من بعض الأهالي بإزالة المجسم، نظراً لارتباطه في وجدانهم بمرحلة مؤلمة من تاريخ المدينة، وما شهدته من أحداث وممارسات على يد النظام البائد بالفترة الممتدة منذ 1982 وحتى 1984".

وتابع: "‏مع اختلاف الآراء حول دلالة المجسّم، تم التأكيد حينها على أن تُنفذ عملية النقل بأسلوب دقيق وآمن وتحت إشراف مختصين، حفاظًا على أي قيمة توثيقية له. ‏لكن التنفيذ تم بطريقة مرفوضة، وستُفتح مساءلة فورية لمحاسبة المقصّرين وكل من خالف التعليمات".

لا خلفية أيديولجية للقرار

نفى المحافظ عزام الغريب ما وصفه بـ"ترويج البعض" أن القرار اتخذ بناء على خلفيات أيديولوجية، مؤكداً أن القرار إداري ضمن خطة تطوير عمراني مستنداً إلى معطيات ميدانية وآراء مجتمعية.

وأكد المحافظ في الوقت ذاته، الحرص على حضارة المدينة وإدارة مشاريعها بكفاءة وانضباط واحترام لتاريخهات، إذ سيوجه "فوراً" بترميم الأجزاء المتضررة، تمهيداً لحفظ المجسم في المتحف، كما ستطلق المحافظة مسابقة فنية لتقديم تصميم جديد يحمل رمزية "تعبّر عن ذاكرة حلب وتضحيات أبنائها".

بدوره، وصف نائب المحافظ ملهم عكيدي ما حصل للتمثال بأنه "لم يكن مجرد هطأ تقني فقط، بل كان مشهداً محرجاً، محزناً لا يليق بحلب وأهلها"، مؤكداً أيضاً أن قرار النقل "لم يكن بدافع عقائدي يراه صنماً تجب إزالته، ولا خضوعاً لحسابات تجارية تستهدف إرضاء مستثمر".

وختم منشوره بقوله أن "حلب تستحق الأفضل، وأن الشجاعة توجب علينا الاعتراف بأخطائنا، وأن هذا الخطأ يجب أن لا يمر دون مساءلة".

يعيق رؤية الشاشة

قال مجلس مدينة حلب في بيان عبر حسابه في فايسبوك، إن عملية النقل جاءت تزامناً مع إطلاق الهوية البصرية لسوريا المقررة اليوم مساء والتي ستعرض على الشاشة الكبيرة الجديدة في ساحة سعد الله الجابري، والتي يعيق النصب التذكاري الرؤية أمامها.

وجاء في البيان أن التمثال نقل إلى المتحف في حلب، ويجري العمل على ترميم وإصلاح الكتلة الثانية التي تعرضت للتحطم أثناء عملية النقل، مشيراً أيضاً إلى محاسبة المقصرين "وفق الأصول".

حس

وحذف بيان من حساب "محافظة حلب" نشر بعد دقائق من تداول المقطع الفيديو، ليلة أمس، بررت فيه مديرية الآثار والمتاحف عملية نقل "تمثال الشهداء" لمكان آخر "حفاظاً عليه وعلى قيمته الفنية، ليصار بعد ذلك إلى ترميمه وصيانته من قبل مختصين فنيين".

وأضاف البيان الذي غاب أيضاً عن حساب مديرية الآثار ظهر الخميس، أن الإجراء يهدف لتكون الساحة مهيئة ومناسبة لإقامة الفعاليات والنشاطات الشعبية خصوصاً بعد حجب التمثال لجزء من الرؤية على الشاشة الرئيسية مؤخراً.

غضب واسع

فور تداول المقطع المصور، أثيرت موجة غضب واستنكار وتنديد واسعة بما وصفه ناشطون وصحافيون وفاعلون بالشأن العام بعملية "تحطيم مقصودة واضحة" وليس "خطأ عفوي خلال النقل"، كما بدّل ناشطون صور حساباتهم الشخصية لصورة التمثال.

واعتبر الصحفي كرم نشار عبر حسابه في فايسبوك أن ما حصل "فضيحة موصوفة ومتعددة الأبعاد"، معتبراً ان ما صل ليس مسألة ذائقة فنية أو دلالات التمثال بل ترتبط بالحق بالتصرف في الفضاء العام، قائلاً أن تقديم الأفكار وتنفيذها يأتي بعد كسب رئاسة وعضوية مجلس البلدية بتصويت الحلبيين.

وأوضح: "حبذا (بعد النجاح بالتصويت) لو ينفذوا ما يريدون بشكل لائق لا ينعكس سلباً عليهم هم قبل أي أحد آخر، لإنه طريقة كسر التمثال الرثة يوم أمس هي فضيحة بحق المحافظة وأصحاب المسؤولية قبل أي أحد آخر"، منتقداً أيضاً مبررات نقل التمثال بسبب "شاشة المستثمر".

وكتب محمود غزال أن ما جرى اعتداء على الذاكرة العامة واحترام الفن وما تبقى من الحس المدني وعلى مبدأ الديمقراطية ذاته، وفق وصفه، مستنكراً اتخاذ القرار دون الرجوع لأهالي حلب أو إعلان رسمي "يحترم فيه الرأي العام. وكأن من اتخذ القرار يرى أن لا حق للناس في تقرير شكل مدينتهم".

وعاد "غزال" للنقاش الذي أثير قبل أسابيع عند عرض مخططات إعادة تأهيل ساحة سعد الله الجابري، بغياب للنصب التذكاري، مشيراً إلى اعتراض عدد كبير من أهالي حلب على نية إزالة العمل الفني للراحل عبد الرحمن مؤقت في عام 1984.


وعبر آخرون عن غضبهم واستنكارهم للحادثة، عبر التهكم أو عبر الإشارة إلى ما وصفوه بـ"الفكر الأيديولجي الذي يعتبر أن التماثيل يجب إزالتها، باعتبارها أصنام، وحرام"، وفق تعبيرهم.

ماذا نعرف عن النصب التذكاري المحطم؟

أزيح الستار عن النصب التذكاري الذي حمل اسم "الشهداء" يوم 17 نيسان 1986 وهو من أعمال الفنان والنحات الراحل عبد الرحمن مؤقت، وهو من الصخر الحلبي الأصفر، بعد نحت كتلة منه بلغ حجمها 20 متراً مكعباً وتجاوز وزنها 80 طناً.

ويرمز النصب التذكاري حسب روايات متقاطعة لمختصين ومؤرخين إلى شهداء سوريا في معركة الجلاء من المستعمر الفرنسي، إذ أزيح الستار عنه في ذكرى جلاء آخر جندي فرنسي يوم 17 نيسان 1946.

وعلى عكس ما قال البعض إن التمثال يرمز لقتلى النظام خلال أحداث الثمانينات في حماة وحلب، يؤكد مؤرخون أن التمثال يرمز لـ"شهداء الجلاء" وفي منشور للراحل عبد الرحمن عقاد كتب في وصف للنصب التذكاري "تحية لشهداء الجلاء. نصب الشهداء".

وللراحل "المؤقت" منشور سنة 2018 يتحدث فيه عن تفاصيل إنشاء النصب التذكاري لمدة عامين، بمساعدة فريق من طلابه في كلية الفنون وحجّار خمسيني حينها يدعى أبو سالم في منطقة باب أنطاكية بحلب.

الفنان الراحل عبد الرحمن المؤقت عند إزاحة الستار عن نصب "الشهداء" التذكاري في حلب - Abdulrahman Mowakket - Artist & Sculptor (فايسبوك)

ويعتبر عبد الرحمن مؤقت أحد أبرز نحاتي مدينة حلب وسوريا، ولد سنة 1946 ودرس النحت بين 1960 و1971، وله أعمال بارزة منها النصب التذكاري أمام مطار حلب الدولي وتمثال ضخم لحافظ الأسد عند مدخل مدينة الرستن في حمص سنة 1986 وآخر لباسل الأسد في مدينة حلب سنة 1996.

وحول التمثالين اللذان حطما بعد سيطرة الفصائل على الرستن و"ردع العدوان" على حلب، قال الكاتب أحمد أبازيد في منشور على فايسبوك أنه يصعب "استبعاد التكليف والخوف من الرفض في هذه الحالات في زمن الأسد، خاصة أنه لم يكن مؤيداً للنظام بعد الثورة".

وتوفي الراحل "المؤقت" في تركيا بأيار 2023، وعرف بمواقفه المناصرة للثورة السورية، وعمل على عدد من الأعمال التشكيلية خلال السنوات الماضية، ترمز لمحطات تعرضت فيها مدينة حلب لعملية تهجير أو قصف ممنهج على يد النظام السابق أو مجزرة نهر قويق أو مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية.

الفنان الراحل عبد الرحمن المؤقت مع لوحة تشكيلية له في تركيا - Abdulrahman Mowakket - Artist & Sculptor (فايسبوك)

ومن المقرر أن تشهد ساحة سعد الله الجابري اليوم مساء، عرضاً بالتزامن مع ساحات في محافظات أخرى لحفل إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض