موجات الجفاف تدفع أصحاب المواشي بريف إدلب للتخلي عن "المهنة المرهقة"

موجات الجفاف تدفع أصحاب المواشي بريف إدلب للتخلي عن

تربية الماشية في الجزيرة السورية - أرشيف روزنة

تقارير وتحقيقات | 24 06 2025

روزنة

يعاني مربو المواشي في شمال غرب سوريا من تداعيات موجة الجفاف التي قلّصت المراعي الطبيعية ورفعت أسعار الأعلاف، ما فاقم من مشاكلهم الاقتصادية ويهدد استمرارية عملهم وسط قلة الأمطار وندرة المراعي وما نتج عنها من زيادة الاعتماد على شراء الأعلاف المكلفة.

في المقابل، يقتصر الدعم الحكومي ودعم المنظمات المعنية بالثروة الحيوانية على توفير الأدوية واللقاحات، إلا أن هذا الدعم غير كافٍ لمواجهة الأزمة المتفاقمة، وسط مخاطر تهدد استدامة الثروة الحيوانية في المنطقة جراء قلة المراعي، وفق ما أفاد لـ "روزنة" عدد من المربين.

وتقول الأمم المتحدة "إن سوريا من بين أكثر الدول عرضة لأحداث المناخ القاسية، وثالث أكثر دولة عرضة للجفاف في العالم".

وضرب الجفاف مناطق عدة في سوريا هذا العام منها مناطق الجزيرة وأرياف حماة وإدلب، وغيرهما، إذ تحولت الأراضي الزراعية إلى يباس ما أثر على الإنتاج الزراعي وعلى الأعلاف ومراعي المواشي في ظل غلاء الأعلاف وتضاعف سعرها.

وأشار قبل ثلاثة سنوات رئيس مكتب الإحصاء والثروة الحيوانية في الاتحاد العام للفلاحين جزاع الجازع، إلى تراجع أعداد الأغنام في سوريا خلال عام 2021، إلى 17 مليون رأس، بعد أن كان بحدود 30 مليون قبل عام 2011، بنسبة تراجع نحو 40 بالمئة، حسب صحيفة "تشرين".

ارتفاع التكاليف

هذا الواقع دفع حسن الحسين - مربي أغنام- إلى التفكير في بيع مواشيه، إذ لم يعد قادراً على دفع تكاليف شراء الأعلاف لإطعام المواشي في ظل ندرة المراعي الطبيعية نتيجة موجات الجفاف الشديدة، واصفاً مهنة تربية المواشي بـ "المرهقة".

ويملك الحسين 45 عاماً، 35 رأس غنم، ويوضح في حديثه لـ "روزنة"، معاناته، من غلاء التبن والعلف الذي بات يرهقه "نحن نشتري الأعلاف ولم نجد مرعى طبيعي كافي نستفيد منه، ما دفعنا إلى الاعتماد على الأعلاف المركبة والتبن"، قال لـ "روزنة".

وتسببت موجات الجفاف المتلاحقة التي شهدتها البلاد مؤخراً في أزمة حقيقية طالت قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية على حد سواء. وبينما تعرضت المزروعات بمختلف أنواعها لتراجع حاد في الإنتاج، وجد مربو المواشي أنفسهم أمام تحديات مضاعفة، إذ انعكست ندرة الأمطار على وفرة المراعي الطبيعية التي تشكل المصدر الأساسي لغذاء المواشي.

ومع تدهور الزراعة والغطاء النباتي للمراعي، اضطر مربو المواشي للجوء لاستخدام الأعلاف المركبة، مثل التبن والمواد العلفية المصنعة لتعويض النقص في المراعي الطبيعية التي تقلصت جراء الجفاف والظروف المناخية، ما أرهق المربين مادياً بسبب تضاعف سعر العلف 4 أضعاف خلال الموسم الواحد.

وفي ظل غياب الإحصاءات الرسمية حول المواشي في سوريا، صرح مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة الدكتور أسامة حمود، سنة 2021، أن الأرقام انخفضت أعداد الأبقار بنسبة 30 بالمئة والأغنام بنسبة 40 بالمئة وتراجع قطاع الدواجن إلى 50 بالمئة، وفق وكالة "سانا".

ولفت حمود حينها إلى أن "أعداد الثروة الحيوانية المسجلة لعام 2020 أعداد مكتبية تعتمد على معدلات نمو القطيع إذ قدرت أعداد الأبقار بأكثر من 882 ألف رأس والأغنام بنحو 16 مليون رأس وتجاوز عدد رؤوس الماعز 2 مليون رأس فيما قدر عدد الجمال بنحو 40 ألف رأس".

تربية الماشية في الجزيرة السورية - أرشيف روزنة

مراعي مأجورة

قال "الحسين" إنه في حال توفر مرعى طبيعي يكون مأجوراً، وعلى مربي الأغنام دفع أجوره للمزارع الذي يكون لديه مزروعات سعرها في السوق منخفض ما يدفعه إلى تضمينها للأغنام بدلاً من جنيها وبيعها بخسارة، ويتراوح ضمان الأرض ما بين مئة دولار أمريكي إلى مئتان، حسب المرعى المتوفر ويكون لمدة عشرة أيام إلى العشرين يوما فقط.

وأضاف في حديثه مع روزنة: "هذا العام تعرضنا إلى خسارة كبيرة، وفي "حال اعتمدت على الأعلاف والتبن سأضطر إلى بيع نصف الأغنام كي أستطيع شراء مونة الأعلاف للبقية"، كما قال، إذ يبلغ سعر طن الأعلاف 400 دولار، ومنذ يومين اشترى الحسين كيسين من العلف وصل ثمنها إلى 40 دولارا".

ونتج عن الجفاف مشاكل عديدة أثرت على الأراضي الزراعية وألحقت الضرر بالمواشي التي تعتمد بشكل كبير على المراعي الطبيعية والمزروعات بعد انتهاء المواسم، إضافة إلى أن الأعلاف تستخرج من المحاصيل الزراعية التي تعتمد بشكل كبير على مياه الأمطار مثل القمح والبرسيم وغيره من البقوليات البعلية، لكن تلك المواسم تضررت بشدة نتيجة الجفاف ما فاقم الأزمة وجعل الأعلاف ترتفع بشكل كبير.

وحيال ندرة المراعي، يعلق المربي الحسين على أنه قبل موجات الجفاف الحالية، كان يبدأ الرعي الطبيعي من فصل الربيع وحتى شهر أيار، ومن ثم يبدأ المربي بالاعتماد على الرعي في الأراضي الزراعية المنتهي محصولها كالقمح والشعير وبقية البقوليات.

75 بالمئة من محاصيل القمح مهددة بالتلف.. كيف يؤثر الجفاف على أمن السوريين الغذائي؟

75 بالمئة من محاصيل القمح مهددة بالتلف.. كيف يؤثر الجفاف على أمن السوريين الغذائي؟

انخفاض أسعار المواشي

علي الحلبي، مربي أبقار من قرية كفر عروق بريف إدلب الشمالي، يقول: "بإنّ أسعار المواشي انخفضت نتيجة موجة الجفاف التي أدت إلى ارتفاع أسعار الأعلاف، حيث بلغ سعر كيلو التبن عشرة ليرات تركية.

ويوضح في حديث لـ "روزنة" أنه بسبب الجفاف أصبح هناك تحكم ملحوظ في سوق الأعلاف، على أنّ أسعار الحليب انخفضت مقارنةً بتكاليف الإنتاج التي يتحملها المربي، إذ يباع كيلو الحليب بـ12 ليرة تركية، في حين تنتج البقرة الواحدة حوالي خمسة كيلوغرامات من الحليب يومياً، لكنها تحتاج إلى نحو ستة كيلوغرامات من العلف يومياً.

وما زاد من صعوبة الوضع هذا العام أن المربي الحلبي، لم يتمكن من إخراج مواشيه إلى المراعي الطبيعية لعدم توفرها جراء موجات الجفاف.

كما أنّ الاعتماد على الأعلاف تحول إلى عبء ثقيل على مربي المواشي نتيجة الارتفاع الحاد بأسعارها، وذلك بسبب زيادة الطلب عليها بعد الجفاف الذي حصل في المنطقة، ما أثر سلباً على أسعار المواشي التي انخفضت بنسبة 50 بالمائة عن سعرها السابق، وفق ما أفاد "روزنة" عدد من المربين في ريف إدلب.

وبحسب الحسين، فقد كان يبلغ سعر رأس الغنم 400 دولار أمريكي خلال العام الفائت 2024، لكنه انخفض هذا العام 2025 إلى 200 دولار، بسبب الجفاف وقلة المراعي، وهناك أسواق يباع رأس الغنم فيها بمائة دولار.

الثروة الحيوانية في إدلب: المواشي للتصدير.. ولا لحوم بالمنازل!

الثروة الحيوانية في إدلب: المواشي للتصدير.. ولا لحوم بالمنازل!

مراعي خطرة

لم تكن قلة المراعي الطبيعية وحدها تشكل عبئاً على مربي المواشي، فانتشار الألغام ومخلفات الحرب في الأراضي الزراعية باتت تشكل خطراً على المواشي ومربيها، إذ هناك من يملك أعداد كبيرة من الأغنام ويعتمد على التنقل والرعي في الأراضي الزراعية، كما هو الحال مع أبو جمعة مربي أغنام.

وقال: "إنّ الاعتماد على شراء الأعلاف يجعلني في ضيقة وخسارة مادية كبيرة"، ما دفعه للبحث عن أراضي يوجد بها مرعى، لكنه فشل في ذلك.

قبل موجة الجفاف الحالية، كان أبو جمعة يتنقل كثيرا طلبا للمراعي الطبيعية وكانت وفيرة، أما اليوم وبحسب قوله، عندما تذهب إلى منطقة أخرى يكون هناك خوف من وجود ألغام قد تنفجر بنا أو بالأغنام وبكلا الحالتين هناك خطر على أرواحنا وأرواح الأغنام.

يملك أبو جمعة قرابة 150 رأس غنم، يتنقل بين مناطق عدة للبحث عن المراعي، لكن الجفاف وظروف الحرب أثرت بشكل سلبي على حياته، يقول: "أصبح رعي وتربية الأغنام من أصعب المهن والأعمال خاصة في هذا العام الذي صار به كل شيء صعب".

ويكمل حديثه في السابق، كان من يملك الأغنام يضرب به المثل وتعتبر الأغنام بركة وخير، أما اليوم فهي عبء على مربيها.

وفي ذات الوقت يفاضل أبو جمعة بين تأمين المراعي والأعلاف والسعي إلى تأمين اللقاحات والعلاج لمواشيه، "منذ أيام الربيع إلى اليوم لم يكن هناك مرعى طبيعي يكفي لأغنامي".

تربية الماشية في الجزيرة السورية - أرشيف روزنة

غياب الدعم

يواجه مربي المواشي مشاكل عديدة على مستوى محافظة إدلب، أغلبها مرتبط بالجفاف الذي حصل هذا العام ما جعل تكلفة تربية المواشي خاسرة في ظل انخفاض الدعم الذي يساند المربي لتجنب عدم خسارته والتخلي عن تربية المواشي.

تعليقاً على ذلك، أوضح إسماعيل الصادق، رئيس دائرة الصحة والإنتاج الحيواني في إدلب، أن هناك الكثير من المشاكل التي تواجه المربين بسبب موجات الجفاف.

ويشرح في حديثه لـ "روزنة" أنّ المشاكل التي تواجه مربي المواشي تأتي في الدرجة الأولى من غلاء أسعار الأعلاف وقلة المراعي الطبيعية الناتج عن قلة مياه الأمطار والجفاف، ما أدى إلى قلة في المواد العلفية وارتفاع أسعارها، إضافة إلى ضعف إمكانية تصريف المنتج من المواشي كالحليب والأجبان والألبان، إذ أنّ غلاء الأعلاف وضعف أسعار المنتج زاد مشاكل المربين.

وتتواجد في ريف إدلب عدة أنواع من المواشي، منها الأبقار والأغنام، وتتوزع المواشي في محافظة إدلب على الشكل التالي: في منطقة سهل الروج والمنطقة الشمالية منطقة سلقين وحارم تنتشر تربية الأبقار بشكل كبير، أما الأغنام فتنتشر في المناطق الشرقية من إدلب كمنطقة أبو ظهور وسنجار ومعرة النعمان، ويتواجد الماعز بالمناطق الجبلية كدركوش ومعرة مصرين وحر بنوش وهي مناطق جبلية، وفق كلام الصادق.

ويوجد في إدلب، بحسب الصادق ما يقارب 30 ألف رأس من الأبقار، و400 ألف رأس من الأغنام.

وفيما يرتبط بموضوع الدعم، تعمل المنظمات المعنية بالتعاون مع مديرية الزراعة والثروة الحيوانية على دراسة خطط لتأمين أدوية ولقاحات مجانية إضافة لدراسة تأمين أعلاف بأسعار رخيصة ومناسبة للمربي، لكن تلك المشاريع حتى الآن غير كافية للمربين بشكل عام ولا تسد احتياجاتهم، بحسب ما ذكره الصادق.

أغنام وماعز شرقي سوريا جوعى!

الثروة الحيوانية شرقي سوريا - روزنة

تصدير المواشي!

فتحت الحكومة السورية المؤقتة بعد سقوط النظام السابق الباب لتصدير المواشي السورية بمقدار 200 ألف رأس غنم بهدف السماح للمربين بالاستمرار في عملهم، وفق تصريحات صحفية لمدير الصحة الحيوانية في وزارة الزراعة عبد الحي اليوسف والذي أكد وجود خطة لتصدير مليون رأس غنم بما يتناسب مع وضع السوق المحلية.

وفي وقتٍ سابق، أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، في 25 من آذار/مارس الماضي، تحميل أول شحنة مواشٍ عبر مرفأ طرطوس، معتبرة أنها خطوة نحو تعافي قطاع التصدير، دون أن تحدد كميات الشحنة.

إلى ذلك، حذر خبراء اقتصاد من أن تصدير المواشي في ظل نقص الأعلاف وارتفاع كلف التربية سيساهم في تقليص المعروض داخل البلاد، ما يرفع الأسعار ويزيد من الأعباء المعيشية، وقد يضر أكثر مما ينفع.

وتعد سوريا من البلدان المتضررة من التغير المناخي، وبذات الوقت من أكثر الدول التي لا تحصل على تمويل لمواجهة التغيرات المناخية منذ 2011، وتستمر المعاناة في القطاع الزراعي من ضعف الإنتاج، نتيجة صعوبات وعقبات كثيرة خلّفتها الحرب، تسببت بتضرر الأراضي الزراعية والمحاصيل ونزوح المزارعين وتهجيرهم، إضافة إلى توقف التصدير أو صعوباته.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض