تقارير وتحقيقات | 20 06 2025
أثار توقيف الطبيب النفسي السوري غسان يوسف علي موجة جدل واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك عقب إعلان وزارة الداخلية السورية، في 5 أيار/مايو 2025، عن اعتقال طبيب زعمت أنه يُدعى "بسام يوسف سلمان علي"، ونشرت صورته مرتديًا لباس السجناء، متهمةً إياه بالتورط في انتهاكات طبية في مستشفى تشرين العسكري خلال فترة النظام السابق. إلا أن عائلة غسان علي نفت هذه المزاعم، مؤكدة أن الصورة تعود له بالفعل، وأن ما جرى ليس سوى خلط في الهوية ومحاولة ابتزاز ممنهجة.
الصورة في صفحة وزارة الداخلية عدلت فيما بعد وصحح الاسم.
رواية العائلة لما حدث مع الطبيب غسان علي
وفقًا لرواية ابنة الطبيب، فوالدها الطبيب النفسي السوري غسان يوسف علي مارس عمله في سوريا منذ عام 2018 بعد عودته من الخارج، حيث أجرى تسوية قانونية لوضعه عقب سيطرة المعارضة على المنطقة في أواخر عام 2024. وتؤكد أنه واصل عمله في مستشفى تشرين وعيادته الخاصة رغم تلقيه تهديدات متكررة.
تقول ابنته: "اليوم، أشعر بمسؤولية الحديث وشرح كل ما مرّ به والدي منذ سقوط النظام وحتى الآن، لمن أراد أن يسمع الحقيقة."
تبدأ شهادتها بسرد وقائع السنوات الماضية، مؤكدة أن والدها لم يغادر مكان سكنه أو عمله، بل مارس مهنته كطبيب نفسي بانتظام، رغم محاولات التخويف المتكررة. وتشير إلى أن ذروة الضغوط بدأت في 2 شباط/فبراير 2025، عندما اقتحمت جهات مجهولة عيادته، مهددةً باتهامات كيدية ما لم يدفع مبلغ 200 ألف دولار – وهو ما يعادل تقريبًا قيمة العيادة – مقابل إسقاط التهم.
على إثر ذلك، تقدم الدكتور غسان بشكوى رسمية لدى مخفر عرنوس بدمشق، حيث تلقى وعودًا بالحماية، لكنه ظل يتعرض لمحاولات ابتزاز حتى اعتقاله المفاجئ في 5 أيار/مايو، وهو اليوم ذاته الذي أعلنت فيه وزارة الداخلية عن توقيف طبيب بتهم تتعلق بانتهاكات طبية في مشفى تشرين.
العائلة تنفي بشكل قاطع أن يكون الدكتور غسان هو الشخص المعني بالبيان الرسمي، مؤكدة أنه لم يشغل أي منصب جراحي أو شرعي، بل عمل حصريًا في الشعبة النفسية، وكان عضوًا في لجنة تسريح الضباط دون صلاحيات فردية.
وتوضح الأسرة أن كل الملفات الطبية والوثائق المهنية في العيادة تُثبت طبيعة عمله واختصاصه النفسي بدقة. وتختم ابنته بالقول:
"لو كان والدي مذنبًا، فلماذا لم يتم اعتقاله عند إجراء التسوية أو أثناء تقديمه البلاغ في مركز الشرطة؟ هل يستطيع أحد أن يقدم وثيقة واحدة تثبت صحة هذه الاتهامات الملفقة؟"
بيان تضامني مع الطبيب النفسي
أعرب عدد من الأطباء النفسيين السوريين، وعلى رأسهم الدكتور مازن حيدر وهو الرئيس الفخري للجمعية السورية للطب النفسي، في بيان تضامني، عن قلقهم البالغ إزاء توقيف زميلهم الدكتور غسان يوسف علي، مؤكدين أنه طبيب معروف بسيرته المهنية وكفاءته العلمية، وخضع لتدريب متخصص في الطب النفسي التحليلي في سان بطرسبورغ، كما شارك بشكل فعال في برامج التعليم الطبي المستمر، وكان عضوًا في مجلس البورد السوري للطب النفسي لمدة خمس سنوات.
وشدّد البيان على أن توقيف الدكتور غسان يأتي في سياق "ملتبس"، مؤكدين أن ملفه المهني خالٍ من أي مخالفات، وأن ما تعرّض له من تهديدات ومحاولات ابتزاز خلال الأشهر الماضية يتطلّب تحقيقًا شفافًا ومحاسبة الجهات المتورطة.
وطالب الأطباء الموقعون بالإفراج الفوري عنه، وإتاحة المجال أمام هيئة طبية مستقلة لمراجعة ملابسات القضية، مشيرين إلى أن استمرار احتجازه دون تهم واضحة يشكّل تهديدًا خطيرًا لأمان الأطباء والعاملين في القطاع الصحي داخل سوريا.
يؤكد ناشطون وأطباء قابلناهم ( رفضوا نشر أسمائهم خوفاً) أن قضية توقيف الدكتور غسان يوسف علي لا يمكن اختزالها باعتبارها حالة فردية، بل تندرج ضمن سياق ممنهج من الابتزاز والاستيلاء على الممتلكات، حيث تلجأ بعض الجهات إلى تقديم شكاوى كيدية بحق من يرفض دفع مبالغ مالية ضخمة. ويشيرون إلى أن هذه الشكاوى غالبًا لا تخضع لأي تدقيق جدي من قبل الجهات القضائية، حتى في أبسط التفاصيل مثل اسم المدعى عليه.
ويرى أطباء أن إطلاق سراح الدكتور غسان – إن تم بعد تحقيق نزيه – لا يعني نهاية القصة، إذ أن الرجل وأسرته تعرضوا لحملة تشهير واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، رافقتها إساءات وشتائم وتشويه للسمعة، ما يتطلب محاسبة عادلة وشفافة للمبتزين والجهات التي قدمت تلك الشكاوى الكاذبة.
ويُشدّد الأطباء على أهمية النظر إلى القضية ضمن سياقها الأوسع، حيث تعرّض العاملون في المشافي العسكرية منذ سقوط النظام السابق إلى حملات تحريض وانتقام، وجرى التعامل مع تلك المشافي باعتبارها "رمزًا للجلاد"، دون التفريق بين من ارتكب الانتهاكات فعلًا ومن التزم بمهنته الإنسانية.
بيان وزارة الداخلية
بالعودة إلى منشور وزارة الداخلية، جاء فيها :تمكنت مديرية أمن دمشق من إلقاء القبض على الطبيب المجرم "غسان يوسف علي"، أحد الضباط العاملين في مشفى تشرين العسكري خلال حقبة النظام البائد.
وحسب المنشور، يُشتبه في تورط الطبيب العسكري في ارتكاب انتهاكات جسيمة داخل مشفى تشرين العسكري، حيث تشير شهادات ووثائق إلى تحويله المستشفى إلى مركز لعمليات تعذيب وقتل ممنهجة بحق معتقلين تم تحويلهم لتلقي العلاج. كما تُوجَّه له تهم تتعلق بالمشاركة في عمليات تصفية جسدية عبر حقن مواد قاتلة، والضلوع في تجارة أعضاء بشرية، إلى جانب ابتزاز ذوي الضحايا.
ويكمل المنشور أن الجهات المعنية تجري تحقيقات موسعة مع المتهم للكشف عن مزيد من الوقائع والانتهاكات التي يُعتقد أنها وقعت خلال سنوات عمله في المشفى، تمهيداً لإحالته إلى القضاء ومحاسبته وفقاً للقوانين المحلية والدولية.
ماهو رد الأمن العام في اللاذقية
لتفنيد شهادة العائلة و الوصول لآخر تطورات القضية تواصلنا مع مدير المكتب الاعلامي نور الدين بريمو، ولكننا والمسؤول الاعلامي لم نحصل على أي إفادة أو جواب حتى تاريخ تشر المادة.
العدالة المؤجلة في سوريا.. والعدالة المنجزة في ألمانيا
وبينما تحت في انتظار رد الأمن العام، قضت محكمة الولايات الاتحادية العليا في فرانكفورت بألمانيا، يوم الاثنين 17 حزيران/يونيو 2024، بالسجن مدى الحياة على الطبيب السوري علاء موسى، بعد محاكمة استمرت أكثر من ثلاث سنوات بتهمة تعذيب معارضين في مستشفيات تابعة للنظام السوري، لا تزال عملية تحقيق العدالة داخل سوريا تواجه تحديات كبيرة. حكم المحكمة الألمانية يُعدّ أول إدانة قضائية بحق موظف في النظام الطبي السوري في قضايا جرائم ضد الإنسانية، واستند إلى أدلة وشهادات موثقة من ناجين ومنظمات حقوقية.
أما في سوريا، فلا تزال ملفات الانتهاكات والمحاكمات تُعاني من غموض ونقص في الشفافية، كما هو الحال مع قضية الدكتور غسان علي، حيث لا تتوفر معلومات كافية حول التهم الموجهة إليه أو سير الإجراءات القضائية. رغم كل الدعوات من أهالي المعتقلين و المنظمات المعنية بالعدالة الانتقالية لانجاز مسار عدالة واضح.
يبرز هذا التباين بين القضاء الألماني المستقل الذي تمكن من إصدار حكم تاريخي، وبين الحالة السورية التي يعاني فيها القضاء من تدخلات سياسية وأمنية، ما يعطل عملية المحاسبة ويترك العديد من القضايا معلقة دون حل.