انتخابات مجلس الشعب السوري... فرصة لطمأنة عموم السوريين؟

انتخابات مجلس الشعب السوري... فرصة لطمأنة عموم السوريين؟

مدونات | 19 06 2025

عبدالله مرعي

يحمل مجلس الشعب السوري تاريخاً طويلاً يعكس التحولات السياسية والاجتماعية في سوريا منذ تأسيسه كمؤتمر سوري عام 1919، مروراً بحقبة الاحتلال الفرنسي والانقلابات العسكرية، وسيطرة حزب البعث ونظام الأسد، وصولاً إلى سقوط النظام في ديسمبر 2024.

اليوم، ومع صدور المرسوم الرئاسي رقم 66 لعام 2025، الذي يقضي بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، تواجه سوريا لحظة تاريخية لإعادة بناء مؤسساتها في ظل ظروف أمنية واقتصادية صعبة. ونظراً لاستحالة إجراء انتخابات مباشرة تشمل جميع السوريين، اختارت السلطة الانتقالية تنظيم انتخابات غير مباشرة تقتصر على شريحة محددة من المجتمع.

يستعرض هذا المقال تاريخ المجلس، وتحديات الوضع الراهن، وأهمية التمثيل كمعيار لنجاح هذا الاستحقاق الانتخابي في طمأنة السوريين بشأن مستقبلهم.

من الطموح الديمقراطي إلى السيطرة السلطوية

بدأت فكرة التمثيل الشعبي في سوريا مع انعقاد المؤتمر السوري العام عام 1919، الذي ضم 85 عضواً وسعى إلى إقامة دولة مستقلة بعد انهيار الدولة العثمانية. أعلن المؤتمر استقلال سوريا عام 1920، لكنه قُمِع بعد معركة ميسلون.

خلال الانتداب الفرنسي، واجهت التجربة التشريعية عقبات كبيرة، أبرزها قصف مبنى المجلس النيابي عام 1943، الذي أودى بحياة حاميته في محاولة لكسر إرادة الشعب السوري.

بعد الجلاء عام 1946، شهدت سوريا انتخابات حرة نسبياً عام 1947، شكّلت مجلساً نيابياً يُعبّر عن آمال السوريين. لكن هذه التجربة انهارت بانقلاب حسني الزعيم عام 1949، الذي حلّ البرلمان وألغى الدستور، معلناً بداية سلسلة من الانقلابات العسكرية. في خمسينيات القرن الماضي، أصبح المجلس أداة بيد العسكريين، ومع بدء الوحدة مع مصر، كان مجلس النواب السوري من ضحاياها، إذ اشترطت الوحدة أيضاً حل الأحزاب السياسية لنفسها.

بعد الانفصال عام 1961، ووصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، وخاصة بعد استيلاء حافظ الأسد على الحكم عام 1970، تحوّل المجلس، الذي سُمي "مجلس الشعب" عام 1971، إلى واجهة شكلية تهيمن عليها قائمة "الوحدة الوطنية" بقيادة البعث.

وبوفاة حافظ الأسد، سارع هذا المجلس الصوري إلى إجراء تعديل دستوري صارخ يسمح لنجل الأسد بالترشح للانتخابات الرئاسية. وتحت حكم بشار الأسد، وُصِفت الانتخابات بأنها "مسرحية"، خصوصاً إبان التعديلات الدستورية عام 2012، التي حُرم منها ملايين السوريين، خاصة النازحين واللاجئين.

انتخابات غير مباشرة استجابة للواقع الصعب

في 8 ديسمبر 2024، سيطرت الفصائل السورية على دمشق، منهيةً حكم البعث وعائلة الأسد. وفي 29 يناير 2025، أعلنت السلطة الانتقالية، خلال "احتفالية النصر"، حل مجلس الشعب السابق، وتعليق دستور 2012، وإلغاء الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام.

كان هذا القرار خطوة رمزية لتفكيك مؤسسات الأسد التي خدمت مصالحه الشخصية، تمهيداً لبناء دولة جديدة.

وفي 13 يونيو 2025، أصدر الرئيس المؤقت أحمد الشرع المرسوم الرئاسي رقم 66، الذي يقضي بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، برئاسة محمد طه الأحمد وعضوية شخصيات بارزة مثل حسن إبراهيم الدغيم وعماد يعقوب برق.

يتكوّن المجلس من 150 عضواً، يعين الرئيس ثلثهم (50 عضواً)، بينما تتولى لجان فرعية تشكلها اللجنة العليا في المحافظات انتخاب الثلثين المتبقيين (100 عضو)، عبر هيئات ناخبة من "الأعيان" و"المثقفين". وتستمر ولاية المجلس 30 شهراً قابلة للتجديد، ويمثل السلطة التشريعية خلال المرحلة الانتقالية.

في ظل الظروف السورية الحالية، التي تشمل استمرار النزوح، وتدمير البنية التحتية، وغياب قاعدة بيانات سكانية دقيقة، تبدو الانتخابات المباشرة التي تشمل كل السوريين مستحيلة. لذا اختارت السلطة الانتقالية تنظيم انتخابات غير مباشرة تقتصر على شريحة محددة، مما أثار جدلاً بين مؤيد يراها خياراً واقعياً، ومنتقد يخشى من إقصاء شرائح واسعة، لا سيما النازحين واللاجئين.

تفهُّم السوريين وتطلعهم إلى ولادة برلمانية ناجحة

يتفهم السوريون صعوبة الوضع الراهن، من انعدام الأمن في بعض المناطق، إلى تحديات إعادة دمج النازحين واللاجئين، ونقص الموارد. هذا التفهُّم يعكس إدراكهم لتعقيدات المرحلة الانتقالية، لكنهم يعلّقون آمالاً كبيرة على تشكيل مجلس شعب شامل يُمثل كافة شرائح المجتمع، بما في ذلك الأقليات الإثنية والدينية، والنساء، والشباب.

إن نجاح هذا الاستحقاق يعتمد على قدرة اللجنة العليا ولجانها الفرعية على ضمان تمثيل عادل، بعيداً عن الهيمنة الحزبية أو المناطقية التي ميّزت حقبة نظام الأسد.

وقد أثار قرار تعيين ثلث الأعضاء من قبل الرئيس مخاوف البعض، لكن إذا تم اختيارهم بعناية ليمثلوا تنوع المجتمع السوري، فقد يعزز ذلك الثقة في العملية الانتخابية، ويزيد من رصيد السلطة الانتقالية المجتمعي.

وقد رحب المبعوث الأممي غير بيدرسون بالمرسوم، معتبراً إياه خطوة نحو الحوكمة الشاملة، غير أن ارتباط بعض أعضاء اللجنة العليا بالائتلاف الوطني أثار تساؤلات حول حياديتها.

اختبار الشرعية وطمأنة الشعب

إن النجاح النسبي لهذا الاستحقاق الانتخابي سيكون مفتاحاً لطمأنة السوريين بشأن مستقبل بلادهم، التي عانت من التفرد والأحادية في القرار لعقود. فإذا نجحت اللجنة العليا في تشكيل مجلس شعب يعكس التنوع السوري، فإنها سترسخ شرعية السلطة الانتقالية، وتبعث الأمل في بناء دولة ديمقراطية.

لكن أي إخفاق في تحقيق الشفافية أو الشمولية قد يعيد إحياء الشكوك، خاصة في ظل تاريخ طويل من الإقصاء.

تمثل انتخابات مجلس الشعب السوري القادمة، رغم طابعها غير المباشر، فرصة تاريخية لإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة، في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية. وينبغي على السلطة الحالية استغلال هذه الفرصة، لتنفيذ برامجها التفاؤلية التي أعلنها ساستها في أكثر من مناسبة.

فشلها في هذا الاستحقاق سيكون بداية لشرخ داخلي وخارجي يعيد السوريين إلى دائرة الضياع والخوف من المستقبل.

*هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة موقف أو رأي مؤسسة روزنة.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض