تقارير وتحقيقات | 18 06 2025

تغزو حقول الفستق الحلبي في أرياف إدلب وحماه حشرة الكابنودس التي أصابت الأشجار في المنطقة وألحقت أضرارا بها مع عجز المزارعين عن مكافحة تلك الآفة للحفاظ على ما تبقى من مواسمهم.
ويعتبر موسم الفستق الحلبي في أرياف إدلب وحماة، مصدر رزق للسكان والمزارعين في المنطقة، إلا أن سنوات الحرب والنزوح حرمت المزارعين من أرزاقهم ما تسبب لهم في خسارات بالموسم الزراعي، إضافة إلى حرق بعض المواسم وسرقتها خلال السنوات الماضية عندما كانت تسيطر قوات النظام على المنطقة.
وقبل اندلاع النزاع عام 2011، كانت سوريا تعتبر أحد أبرز مصدريه إلى الخارج. ويُزرع الفستق الحلبي بشكل أساسي في محافظة حلب التي يشتق اسمه منها، وفي ادلب وحماه، حيث يعدّ من أبرز محاصيل بلدات معان وصوران ومورك.
وكان عدد كبير من المزارعين يعتمدون بالدرجة الأولى على زراعته وبيعه قبل أن ينزح عدد كبير منهم مع تصاعد حدّة العمليات العسكرية.
ويسمى الفستق الحلبي في سوريا بـ "الذهب الأحمر"، لقيمته الاقتصادية العالية وهو من أفضل أنواع الفستق في العالم يمتاز بجودته العالية، وتعد بلدة مورك بريف حماه مركز زراعة الفستق الحلبي في سوريا التي تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في إنتاجه بعد الولايات المتحدة وتركيا وإيران. ويمكن للشجرة الناضجة أن تعطي سنوياً من 20 إلى 40 كيلوغراماً.
عودة للعمل
خالد، واحد من هؤلاء المزارعين، عاد للعمل في أرضه المزروعة بالفستق الحلبي من جديد محاولاً مكافحة حشرة الكابنودس التي غزت حقوله باستخدام المبيدات الفطرية، وإزالة الأشجار المصابة، لمنع انتشار العدوى، إضافةً إلى تحسين استخدام نظام الري الحديث لتقليل الرطوبة الزائدة، لكن، رغم ذلك ما تزال هناك تحديات تواجه المزارعين للسيطرة الكاملة على المرض.
يعيش خالد المحمد -مزارع متخصص بالفستق الحلبي من بلدة كفرسجنة بريف إدلب الجنوبي- منذ سنوات طويلة في منطقة زراعية يعتمد سكانها بشكل كبير على زراعة الفستق الحلبي كمصدر دخل رئيسي.
وبعد عودة المحمد من المخيمات على الحدود السورية -التركية، إلى قريته بدء العمل مجدداً بالفستق الحلبي الذي تعاني اشجاره من إصابتها بمرض الذبول الفيرتيسيليومي أو الكابنودس أو حفار اللوزيات، وهو مرض فطري يصيب الجذور ويؤدي إلى ذبول الأوراق وموت الشجرة تدريجياً.
يملك خالد ما يقارب 350 شجرة فستق حلبي، لكن الأمراض التي أصابت المحصول، أضرت أشجاره بنسبة كبيرة أدت إلى يباس حوالي 40 شجرة، وخسارة إنتاج الأشجار الأخرى.
وخلال السنوات السابقة تعرضت حقول أشجار الفستق الحلبي إلى الحرق والسرقة من قبل قوات النظام السابق، التي أصدرت مراسيم لاستثمار الحقول في مزادات علنية، ما أثر على إنتاج الفستق وذلك لعدم رعايته بشكل صحيح، وشكّل بيئة خصبة لانتشار الحشرات وخسارات كبيرة للمزارعين بعد عودتهم إلى أملاكهم.
إهمال وضياع
يؤكد المزارع خالد المحمد لـ "روزنة" أنه خلال سنوات التهجير عن أرضه بسبب الظروف الصعبة والقصف وتقدم قوات النظام السابق، كان يتم الاستيلاء على المحصول السنوي، من قبل جهات مختلفة من النظام السابق بما فيها المخابرات العسكرية والشبيحة، ما أثر بشكل كبير على الإنتاج والدخل".
أما المزارع أحمد الياسين، من بلدة عطشان بريف حماة الشمالي الشرقي، فيروي قصته لـ "روزنة" حيث تراجعت أملاكه من الفستق الحلبي خلال الأعوام الماضية وتعرض لخسارات كبيرة، قائلاً: "كان لدي قبل الثورة 2400 شجرة فستق حلبي، أما اليوم لا أملك سوى 400 شجرة فقط، وذلك بسبب الحرائق التي فعلتها قوات النظام السابق".
وهذا الإهمال لأشجار الفستق الحلبي أدى إلى انتشار حشرة الكابنودس أو ما تعرف بحفارة اللوزيات، وهذه الحشرة كانت تصيب أشجار اللوزيات وانتشرت بأراضي الفستق الحلبي، وهي حشرة خطيرة جداً على أشجار الفستق وتؤدي إلى موت الشجرة بالكامل، وإذا استمرت تلك الحشرة بالانتشار ستؤدي إلى موت كافة الحقول، وفق ما قال الياسين.
ويتابع: "بأنّ عشرة أشجار قد ماتت نتيجة إصابتها بحشرة الكابنودس"، ونتيجة بعده عن الأشجار وإهمالها انتشر المرض، إذ منذ عام 2017 والمزارع ياسين مهجر عن أرضه وعند عودته وجدها مصابة بتلك الحشرة.
وتشير تقديرات إنتاج محصول الفستق الحلبي لهذا العام إلى 77 ألف طن، بزيادة نحو 32 ألف طن عن العام الماضي، منها نحو 33 ألف طن في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام سابقاً، وتأتي حماه في المركز الأول، وفق ما ذكر مكتب الفستق الحلبي في وزارة الزراعة على صفحته بموقع فيسبوك.
وقال، مدير المكتب يونس حمدان إن أعلى إنتاج إجمالي هو في محافظة حلب بكمية 46508 طن، مشيراً إلى أنّ أن المساحة الإجمالية المزروعة بالفستق الحلبي تبلغ حوالي 60500 هكتار، موزعة على 6 محافظات.
الفستق الحلبي: حاجة إلى الري والعناية
تحتاج أشجار الفستق الحلبي إلى الري والسقاية نتيجة الجفاف، ويتم ريّها في كافة الفصول، إضافةً إلى حاجتها للأسمدة الأزوتية والفوسفاتية والعضوية، وذلك لتعويض التربة وإعادة تأهيل الأشجار من جديد ووضعها بالخدمة، وفي حال تركت على ما هي عليه الآن ستضعف الأشجار وينخفض الإنتاج بشكل عام.
ويوضح المزارع الياسين: "بأن المكافحة تقتصر حاليا على رش المبيدات الحشرية ونسبة نجاحها ضعيفة، وأيضا هناك مكافحة أخرى عن طريق حفر حفرة حول جذع الشجرة وإخراج اليرقات من الجذع، لكن هذه الطريقة مكلفة ومتعبة، وتحتاج إلى أدوية مكلفة جداً، يتحملها المزارع، ووصفها الياسين بأنها "أعباء كبيرة".
ويطالب الياسين بمكافحة الحشرة التي تحتاج إلى تكاتف ومكافحة على مستوى المنطقة.
كيف تنتشر الحشرة؟
تتكاثر الحشرة عن طريق البيوض، حيث تقوم بوضع البيوض بالقرب من جذع الشجرة إلى أن تصبح يرقات وتنتقل اليرقات إلى جذع الشجرة من الأسفل وتؤثر على جذورها وتؤدي إلى موتها بشكل كامل.
وتقوم هذه الحشرة بحفر جذع الشجرة عند المنطقة التاجية وتتجه باتجاه الجذور وتتغذى على جذور الشجرة الرئيسية، وتؤدي الإصابة إلى موت الأشجار وتدهورها بشكل عام".
عبد اللطيف غزال رئيس دائرة الشؤون الزراعية والوقاية بمديرية الزراعة بمحافظة إدلب، يقول لـ "روزنة" "تعاني شجرة الفستق الحلبي من آفة خطيرة وهي كابنودس اللوزيات، إذ تنتشر هذه الآفة في الأراضي المهملة نتيجة هجرة الناس عنها واهمالها، ما أدى إلى غزو هذه الآفة لبساتين الفستق الحلبي وإلحاق الضرر بالأشجار.
وحتى اليوم لم تستطع مديرية زراعة إدلب إحصاء عدد الأشجار الميتة من هذه الآفة، بينما تبلغ نسبة الضرر ما يقارب 40% من الأشجار، وفق ما أفاد غزال.
بدورها مديرية الزراعة عملت ندوات إرشادية لتوعية المزارعين عن خطر هذه الآفة وكيفية التعامل معها. ويبلغ عدد الأشجار في محافظة إدلب المروي 26260 بمساحة 840 هكتار، بينما المساحة البعلية 145470 بمساحة 9566 هكتار.
وتتطلب مكافحة هذه الآفات استراتيجيات متكاملة تشمل الرصد الدوري واستخدام المبيدات الحشرية الآمنة، بالإضافة إلى تعزيز الوعي لدى المزارعين بأهمية تطبيق الممارسات الزراعية السليمة. إذ تعد حماية محصول الفستق الحلبي من الآفات الحشرية ضرورة لضمان استدامة هذا القطاع الحيوي وتحسين دخل المزارعين.
ويأمل المزارعين ومنهم المحمد، بمساعدة مديرية الزراعة في القضاء على الآفات الخطيرة التي تضرب محصولهم، كي يتمكنون من العودة إلى سنوات الإنتاج السابقة للحرب التي اندلعت في البلاد.
وأدى إنتاج الفستق الحلبي في محافظتي حماة وإدلب دوراً هاماً في الاقتصاد الزراعي للبلاد. ومع ذلك، يواجه هذا القطاع تحديات كبيرة نتيجة لتعرض المحصول للآفات الحشرية التي تتسبب في خسائر فادحة للمزارعين، ما يؤثر على الإنتاجية والجودة.