تقارير وتحقيقات | 11 06 2025
روزنة
تتوالى ردود الفعل الغاضبة والمستنكرة لما جاء في المؤتمر الصحفي لعضو "لجنة السلم الأهلي" السورية، حسن صوفان، على خلفية ما اعتبر أنه تبرئة متهمين بارتكاب جرائم حرب وإعطائهم دور في مسار "السلم"، وسط التركيز على القيادي السابق في "قوات الدفاع الوطني" فادي صقر.
ونظم محامون اليوم الأربعاء وقفة احتجاجية أمام القصر العدلي في حلب، كما أصدرت كيانات حقوقية وروابط ذوي الضحايا بيانات على خلفية "مؤتمر صوفان الصحفي"، كما وجهت أمهات مغيبين قسراً وقتلى في سجون النظام السابق، رسالة لرئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع.
وقال حسن صوفان في رد على سؤال حول الدور الذي يلعبه فادي صقر المتهم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات في حي التضامن خلال السنوات الماضية، إن "القيادة" أعطته الأمان بدلاً من "توقيفه"، بناء على ما وصفه "تقدير المشهد، من الممكن في ذلك الوقت أن يكون سبباً في حقن الدماء".
وأضاف: "بغض النظر عن ثبوت ارتكاب الانتهاكات من عدمه (...) قام بدور إيجابي (فادي صقر) والقيادة مطلعة على ذلك وأُغلقت أبواب فتن كبيرة كانت ستكلف المواطنين من كل المكونات كلفاً باهظة".
واعتبر "صوفان" أن "لجنة السلم الأهلي" ملتزمة بالتعاون مع "أي جهة تنطبق عليها مواصفات محددة مدروسة بعناية لدى القيادة، ليست متوفرة في كل شخص"، مشيراً إلى أن "شخصيات مثل فادي صقر لهم دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد".
حلب.. وقفة لمحامين
نظم عشرات الأعضاء في "نقابة المحامين - فرع حلب" وقفة تضمانية اليوم أمام القصر العدلي، بهدف التعبير عن "دعمنا (المشاركين) لأسر ضحايا الثورة، وتأكيداً على التزامنا كمحامين بمسؤوليتنا في تنفيذ مبادئ العدالة الانتقالية"، كما جاء في نص الدعوة الموجهة عبر حساب النقابة في فايسبوك.
وجاء في منشور الدعوة أن مبادئ العدالة الانتقالية، تتمثل في "تسلسلها المنطقي" بخطوات تبدأ بكشف الحقيقة "لما جرى من انتهاكات ومجازر والمسؤولين عنها و تسمية المجرمين بأسمائهم واعتقالهم تمهيدا لمحاكمتهم"، يتبعها المساءلة والمحاسبة للمتورطين ثم جبر الضرر للضحايا.
وترى النقابة أيضاً أن الخطوة الرابعة تقضي بـ"الإصلاح المؤسسي لمنع تكرار الانتهاكات"، وأخيراً "السلم الأهلي" كنتيجة لهذا المسار العادل والمنصف".
ورفع المشاركون في الوقفة لافتات وصور لمحامين قتلوا على يد النظام السابق، إضافة للافتة كتب عليها "لا تسامح للقتلة"، كما لم يتسن لروزنة الاطلاع على البيان الختامي الذي أصدره المحامون المشاركون في الوقفة.
محامو حمص يستنكرون
أصدرت أمس الثلاثاء، "نقابة المحامين - فرع حمص" بياناً باسم "لجنة العدالة الانتقالية والدفاع عن حقوق الإنسان فيها، استنكرت فيه تصريحات عضو لجنة "السلم الأهلي" حسن صوفان خلال المؤتمر الصحفي معتبرة إياه بـ"استفزاز للضحايا وذويهم، بمنح صك العفو والغفران لمجرم حرب ارتكب الانتهاكات بحق السوريين".
وشددت "اللجنة" في النقابة أن "قرار لجنة السلم الأهلي" بالعفو عن فادي صقر المتهم بارتكاب جرائم حرب "غير قانوني وإطلاق سراح الضباط العسكريين يشكل توغل على اختصاص الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، ويخالف أبسط المبادئ القانونية بأن يصدر قرار الإدانة أو البراءة من السلطة القضائية".
كذلك، اعتبرت النقابة أن تصريحات اللجنة مخالفة "صريحة" للإعلان الدستوري بإشراك الضحايا لتحديد سبل المساءلة.
وأكدت أيضاً أن ما ذكر حول "تغليب مصلحة الدولة على حقوق الضحايا، كما يدّعي البعض، هو انتهاك صارخ للشرعية الدستورية والحقوقية. الدولة لا تبنى على نسيان الجرائم، بل على الاعتراف بها ومحاسبة مرتكبيها، والمرجعية الوحيدة التي يمكنها أن تفصل في مسؤولية أي شهص عي القضاء المستقل".
وختم البيان بأن العدالة الانتقالية يجب أن تكون "قائمة على القانون والشفافية، لا على المقايضات، ولا على منطق طيّ صفحة الماضي دون قراءة جرائمه. ذلك وحده ما يمنع إعادة إنتاج الاستبداد، ويضمن سلامًا دائمًا، لا مجرد هدنة مؤقتة قابلة للإنهيار في أي وقت لكونها كتبت بدماء الضحايا".
رسالة أمهات للشرع
وجهت سيدات سوريات من ذوي المختفين والمخفيات قسراً والقتلى على يد النظام السابق، اليوم ، رسالة إلى رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، تطالبه بأن "تكون معرفة الحقيقة ومحاسبة الذين تسببوا في قتل أبنائنا هي أهم أولوياتك، لأن لا سلام ولا سلم وطمأنينة إلا بمحاسبة المجرمين".
ووقعت على الرسالة كل من "والدة الشهيد أيهم غزول مريم الحلاق، والدة الشهيد غياث مطر، والدة الشهيد باسل شحاذة، عايدة البوز، صفاء الصواف، بليكان مراد"، حسب النص.
وأضافت السيدات في رسالتهن التي اطلعت عليها روزنة، عبر نشرها بحساب إحدى الموقعات مريم حلاق من "رابطة عائلات قيصر": "لا أنكر أنّ المهام التي حملتها كبيرة وثقيلة جداً ونحن معك أنّ هناك أولويات (...) ولكن يجب أن لا ننسى أن بناء الدولة على أشلاء وجثامين اولادنا سيكون هشاً .ملوثاًبدمائهم".
وقلن أيضاً مخاطبات "الشرع" حول المؤتمر الصحفي: "هل كانت موافقتك على وجود أشخاص كفادي صقر وليست يداه فقط الملوثة بدماء الأبرياء بل كامل جسده ووجوده أثار حفيظة أهالي الشهداء واعاد إليهم كيف اعتقل وعُذب ابناءهم من قبل فادي صقر وأمثاله".
وتابعن: "ذلك العذاب الذي أدى إلى قتلهم ودفنهم لا ندري أين؟ الم تضع نفسك في مكاننا حين نرى القاتل يتصدر المشهد ويملي رؤيته علينا.؟ تخيل من يجلس قبالتك هو أحد الذين نلت التعذيب على يديه حين ذقت ماذاقه أبناءنا من التعذيب والهوان .هل كنت ستبتسم وتسمع مايقوله هذا الجلاد ؟ إن كان لك القدرة على ذلك فنحن لسنا كذلك".
وطالبت السيدات "بتوضيح مايحدث وبالشفافية التي وعدتنا بها لمٓ هؤلاء المجرمين مازالوا طلقاء ويزداد عددهم كل يوم؟ واشد مانخشاه أن يتبوؤا سدة المنصات والمناصب. ويضيع دم الاحرار أو يُباع.... وحينها ستجدوننا على ابوابكم وسنستمر في الثورة التي بداناها حتى تحقيق أهدافها التي اردناها".
وختمت الرسالة بالقول: "وإن كان لكم رأي آخر كما ذُكر بأنهم يعملون لصالح السلم الأهلي. وعلينا نحن أهالي الضحايا التمهل والانتظار ريثما تبدأ الهيئتان (العدالة الانتقالية ,المفقودين) عملهما. ربما نتفهم ذلك ولكن اخفوا هؤلاء المجرمين عن عيوننا ولا تظهروهم وكأنهم ابطال ..يتجولون ويتصدرون ويملؤون السوشال ميديا بصورهم وبإنجازاتهم".
وقال حسن صوفان أمس خلال المؤتمر الصحفي: "نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة المقبلة".
"مغالطة مفاهيمية خطيرة"
أصدرت "منظمة ملفات قيصر من أجل العدالة" بياناً حول المؤتمر الصحفي أمس، اعتبرت فيه إن الطرح القائل بأن "الاستقرار يسبق العدالة" يعد "مغالطة مفاهيمية خطيرة، تنم عن فهم مشوه لطبيعة العدالة ودورها الجوهري كقيمة تأسيسية في بناء المجتمعات الحرة".
وأضاف: "فالتغاضي عن العدالة في سبيل الاستقرار لا يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج العنف، ويقوض أي إمكانية لتحقيق سلام دائم"، معتبرة أن المؤتمر الصحفي بدل تهدئة الرأي العام أدى إلى نتائج عكسية "تمثلت في تعميق فجوة الثقة وتجاهل المطالب المجتمعية الجوهرية، وهو ما يعكس خللاً في مقاربة قضايا العدالة وغيابًا للحوار الفعّال مع الفئات المتضررة".
ورأت المنظمة أنه "لا يملك أي فرد أو جهة، كائنًا من كان، الحق في منح صكوك براءة لمرتكبي جرائم الحرب أو تمكينهم من تبييض سجلهم" عبر تقديمهم كـ(واجهات اجتماعية) أو (رموز للسلم الأهلي)".
وتابعت: "إن محاولات إعادة تأهيل صورة هؤلاء الأفراد ومنحهم أوصاف البطولة أو صبغة العمل السلمي، بينما لا تزال دماء الضحايا شاهدة على جرائمهم، تُعدّ انتهاكاً صارخاً لحقوق الضحايا، وإهانة لمبدأ العدالة ذاته".
وترى المنظمة في بيانها أنه "لا يمكن القبول منطقياً أو أخلاقياً أن يسند دورٌ في إعادة بناء المجتمع لمن كان شريكًا في تدميره، ولا يمكن تصور أن يقدم من تلطخت يداه بدماء الأبرياء كرمز للسلامٍ في مجتمع منكوب ما زال يعاني من أثار الانتهاكات التي ارتكبت".
أيضاً أبدت المنظمة قلقها من المسار الذي تنتهجه "السلطة في دمشق" بإدارة المرحلة الانتقالية "والذي يشهد تغاضياً عن المبادئ الأساسية للعدالة والإنصاف، وهي المبادئ التي تشكل جوهر شرعيتها ومبرر وجودها"، مشددة على دور المجتمع المدني وضرورة إنشاء بيئة قانونية وتشريعية واضحة وشاملة.
وطالت انتقادات واسعة أداء لجنة السلم الأهلي عقب أحداث الساحل أو جرمانا وأشرفية صحنايا، في ظل ما يصفه منتقدون بـ"غياب الشفافية والعمل الجدي على الأرض"، إضافة لموجة غضب أثارها وجود أشخاص كفادي صقر في المسار.
وكان حسن صوفان القائد العام لـ"حركة أحرار الشام الإسلامية"، وعين في لجنة السلم الأهلي المشكلة وفق قرار لرئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع في التاسع من آذار الماضي، ضمت أيضاً أنس عيروط وخالد الأحمد، وسط انتقادات للأخير باعتباره أحد المقربين من بشار الأسد ومستشاريه، وفق تقارير.
