حسياء الصناعية: بين عودة الاستثمار وإغراق الأسواق بالسلع المستوردة

حسياء الصناعية: بين عودة الاستثمار وإغراق الأسواق بالسلع المستوردة

المدينة الصناعية في حسياء حمص - روزنة

تقارير وتحقيقات | 4 06 2025

بلال المسدي

شهدت المدينة الصناعية بحسياء في محافظة حمص كغيرها من المدن الصناعية السورية عودة العديد من المستثمرين إلى بلدهم بهدف المشاركة في البناء والتنمية، وإن نالت الحصة الأبرز في حركة الانتعاش الملحوظة في القطاع الصناعي بعد سنوات من التوقف.

تشكل حسياء الواقعة بريف حمص الجنوبي محوراً أساسياً للتنمية الاقتصادية والإنتاج المحلي، وتضم أكثر من 1000 منشأة صناعية متنوعة، ما يعكس الجهود السورية المتواصلة لإحياء القطاع الصناعي بعد سنوات من التحديات.

ورغم تخفيض الحكومة السورية الانتقالية تكاليف الإنتاج وتسهيل إجراءات التصدير، لكن القطاع الخاص بقي يواجه تحديات في توفر المواد الأولية والخدمات الأساسية، ما أثر سلباً على تنافسية المنتجات المحلية.

لكن رغم العقبات، هناك مؤشرات على بدء تعافي القطاع الصناعي منها دخول شركات جديدة وازدياد الطلب على الاستثمار، إذ صرح طلال زغيب مدير "حسياء الصناعية" بأن عدد طلبات الاستثمار في المدينة وصل إلى 90 طلبًا وذلك منذ سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول 2024، ما يعكس إمكانية تطوير صناعة وطنية أكثر قوة وكفاءة عبر تبني سياسات حمائية وتوفير الدعم الحكومي الكافي.

وقال "زعيب" إن طلبات الاستثمار المقدمة تعود لعدد من المستثمرين المحليين والمغتربين، بالإضافة إلى عدد من المستثمرين العرب والأجانب، وفق ما نقلت "سانا"، مشيراً إلى أنّ المساحة الإجمالية لمشاريع الطلبات الجديدة للاستثمار في حسياء تقدر بنحو 1131742 مترًا مربعًا.

المدينة الصناعية في حسياء بحمص - روزنة

أكثر من ألف منشأة صناعية

أوضح طلال زعيب، مدير المدينة الصناعية بحسياء، لروزنة أنّ المدينة تضم 1032 منشأة صناعية، منها 336 منشأة منتجة تعمل بكامل طاقتها، و696 منشأة قيد الإنشاء، و 63 منشأة متوقفة عن العمل رغم حصولها على التراخيص الإدارية لأسباب مختلفة.

وأشار "زعيب" إلى أن إدارة المدينة تسعى جاهدة لتأمين كافة مستلزمات العملية الإنتاجية، لاسيما تأمين الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل الآلات والمعدات في المصانع بشكل مستمر، مؤكداً أن "هذه الطاقة تخضع لبرنامج تقنين صادر عن وزارة الكهرباء أثر نسبياً على عمل المنشآت الصناعية".

وبخصوص الاستثمارات الجديدة، لفت المسؤول أن حسياء تشهد تزايداً في عدد المستثمرين، حيث بلغت الطلبات المقدمة للاستثمار منذ سقوط النظام السابق 90 طلباً في قطاعات متعددة، بالإضافة إلى مئات الاتصالات والاستفسارات من صناعيين يرغبون بالاستثمار.

المدينة الصناعية في حسياء بحمص - روزنة

وأنشأت مدينة حسياء الصناعية عام 2004، تقدر مساحتها بـ 2500 هكتار، وهي أحد أكبر المدن الصناعية في سوريا، وتضم منطقة حرفيين (1500 مقسم) ومقاسم لمنشأت صناعية وتجارية، ومن بين المصانع الموجودة في المنطقة، مصنع شركة "سيفيكو" المصنّعة لسيارات "سابا" إيرانية المنشأ.

كذلك، تضم منطقة حرة بمساحة 85 هكتارًا (0.85 كم مربع)، كما تتضمن مرفًأ جافاً لنقل البضائع والحاويات (كونتينر) القادمة من موانئ طرطوس واللاذقية.

وكانت وزارة الإدارة المحلية، أوضحت أن إجمالي الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت المدن الصناعية في سورية مجتمعة في عام 2012، بلغ 182 مليار ليرة سورية.

محاولات لإنعاش القطاع الصناعي

يؤكد المهندس محمد سلطان، مدير شركة مصطفى سلطان للصناعات الهندسية، أن "القطاع الصناعي في سوريا بدأ يشهد بوادر انتعاش بالرغم من التحديات الجسيمة".

وأوضح في حديث مع روزنة أن جهوداً حكومية مكثفة تبذل لإنعاش هذا المجال، تتضمن سلسلة من اللقاءات مع الصناعيين لمعالجة أبرز الصعوبات التي تواجههم، خاصة في مجالات تأمين الطاقة وتخفيض أسعار الكهرباء وتوحيد التعرفة الجمركية وإعفاء خطوط الإنتاج من الرسوم.

وقال سلطان: "منشآتنا الصناعية في مدينة حسياء تستعيد نشاطها من جديد بعد مرحلة من التوقف شبه الكامل" معتبرًا أن هذه العودة تمثل "مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي"، وتأتي في ظل دخول شركات جديدة، بعضها من خارج سوريا، ما يعزز فرص التعاون والاستثمار.

من جانبه، أكد المستثمر فادي ألفين، صاحب شركة "ألفين" لصناعة المعدات الغذائية والطبية، أن أهم أسباب عودته من تركيا للاستثمار في حسياء الرغبة في المساهمة بإعادة البناء".

ورأى في تصريحه لروزنة، أن السوق المحلي يقدم فرصًا واعدة للنمو رغم أن إقامة منشأة صناعية في هذه المرحلة "قد تكون خطوة جريئة لكنها تحمل إمكانات كبيرة"، وفق قوله.

المدينة الصناعية في حسياء بحمص - روزنة

تحديات الصناعة في حسياء

تواجه الصناعة في حسياء تحديات عديدة تعيق نموها وتطورها، ما يتطلب استجابة فعالة من الحكومة والصناعيين على حد سواء، وفق عدد من الصناعيين، وقال البعض منهم لروزنة إنّ أبرز التحديات تكمن في الحاجة الملحة لإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة التي أثرت بشكل كبير على قدرة المصانع على العمل بكفاءة.

وبحسب صناعيين يعاني القطاع الصناعي من نزيف الكفاءات والخبرات الصناعية، حيث فقد العديد من المتخصصين ذوي المهارات العالية نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية.

من جهة أخرى، يواجه الصناعيون صعوبات في تأمين خطوط الإنتاج الأوروبية الحديثة، ما يحد من قدرتهم على المنافسة في الأسواق المحلية والدولية، كما أن مشاكل الربط الشبكي بين المؤسسات المالية تزيد من تعقيد الأمور، ما يؤدي إلى صعوبة الحصول على التمويل اللازم لتطوير الأعمال.

المدينة الصناعية في حسياء بحمص - روزنة

المنافسة صعبة مع المنتج المستورد

تحدث ناصر بيطار -صاحب أحد معامل مواد البناء في المدينة الصناعية حسياء- عن معاناته قائلاً: "إنّ سعر المواد الأولية في السوق السورية مقارنةً مع السوق الخارجية مرتفع جداً، فالمواد متوفرة ولكن هناك صعوبة في توفير الفيول بشكل مستمر وسعره مرتفع أيضاً".

وحول دخول البضائع التركية والأردنية إلى سوريا، اعتبر بيطار أنّ ذلك أثر على عمله لدرجة التفكير بإغلاق معمله.

ويشرح في حديثه مع روزنة أنّ سعر كيس الجصين في سوريا بسعر التكلفة يصل إلى 100 دولار، أما في الخارج تكلفته تصل إلى 60 دولار، ويباع بسوريا بأقل من سعر التكلفة، مردفاً أنه لا يوجد سوق للمنافسة وسط الصعوبات هي توفير المشتقات النفطية بالشكل المستمر.

وشهدت سوريا بعد سقوط النظام السابق، تغييرات جذرية في نظامها الجمركي، إذ خفضت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية الكثير من الرسوم المعمول بها سابقاً، بنسبة 50 إلى 60 بالمئة، ما أغرق السوق المحلية بمنتجات تركية رخيصة الثمن مقارنةً بالمنتج الوطني، فضلاً عن المنتجات الأجنبية التي تدخل تهريباً، وهذه "تهدم المنتج المحلي"، وفق تعليق خبراء اقتصاد.

وخلال الأشهر التالية لسقوط النظام السابق، ارتفعت صادرات تركيا إلى سوريا بنسبة 36.7% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، وفق بيانات رسمية صادرة عن اتحادات مصدّري جنوب شرق الأناضول.

المدينة الصناعية في حسياء بحمص - روزنة

ما المطلوب؟

تعليقاً على ذلك، اعتبر الدكتور خالد البحبوح، خبير في الاقتصاد، أنّ "التصدير والاستيراد يلعبان دوراً كبيراً وحاسماً في تطوير الاقتصاد السوري وتنوع مصادر الدخل للدولة"، موضحاً أن من طرق تعزيز الصادرات العمل على تحسين جودة المنتجات السورية لتناسب المعايير العالمية، إلى جانب تبسيط الإجراءات الجمركية وتسريعها ما يخفض التكاليف والفترة الزمنية المرتبطة بالتصدير.

وأضاف البحبوح في حديث لروزنة، أن الحكومة السورية الجديدة وضعت سياسة جمركية خفضت بموجبها الرسوم الجمركية على سلة واسعة من السلع المستوردة وحررت عمليات الاستيراد من القيود الكثيرة المعيقة للتجارة، وهذا ما ظهر من خلال تدفق كبير للسلع المستوردة التي أغرقت السوق بالسلع الأجنبية وسط تفضيل شريحة واسعة من المواطنين أصحاب القدرات الشرائية المحدودة لشراء هذه السلع المستوردة بسبب انخفاض سعرها مقارنة بسعر المنتج المحلي وليس بسبب جودتها.

وبحسب البحبوح فأن ارتفاع تكلفة الإنتاج كان من أحد أسبابها سيطرة واحتكار شبكة من رجال الأعمال المقربين من النظام السابق على عمليات الاستيراد، بالإضافة إلى انتشار الإتاوات والرشاوى بشكل كبير سابقاً.

يطالب البحبوح الحكومة بدعم الصناعة الوطنية لمواجهة دخول السلع المستوردة وتبني سياسة حمائية لتطوير القدرة التنافسية للمنتجات السورية تتمثل في فرض رسوم جمركية تدريجية على السلع المستوردة المنافسة للمنتجات المحلي، منوهاً إلى أنّ تلك السياسة يجب أن تكون مرحلية وليست دائمة.

ويشدد على ضرورة تقديم مجموعة من الحوافز الحكومية مثل توفير القروض وتخفيض أسعار الطاقة والوقود وإعفاءات ضريبية وتوفير أراضٍ لإنشاء الاستثمارات الصناعية الجديدة بأسعار رمزية، وإنشاء مراكز تدريب متخصصة لتطوير جودة المنتجات المحلية وزيادة قدرتها التنافسية في الأسواق.

المدينة الصناعية في حسياء بحمص - روزنة

هل هناك دعم حكومي؟

اتخذت الحكومة عدداً من الإجراءات التي تقول إنها تهدف إلى إلى تحقيق توازن بين متطلبات المستهلكين وحماية الصناعة الوطنية. وفي ظل اقتصاد السوق التنافسي، اتخذت الحكومة إجراءات مدروسة تهدف إلى تشجيع التصنيع المحلي وتعزيز التنمية المستدامة.

وتشمل هذه الإجراءات فرض تعرفة جمركية على المنتجات المستوردة، وإعفاء خطوط الإنتاج الموردة للمنشآت الصناعية من الرسوم الجمركية، إلى جانب تأمين مستلزمات العملية الإنتاجية وتقليل كلف الإنتاج، خاصة فيما يتعلق بأسعار الكهرباء التي تم تخفيضها مؤخراً كخطوة تشجيعية لدعم العمل الصناعي.

كما تسعى الحكومة أيضاً إلى تعزيز عملية التصدير من خلال إصدار قرارات لتسهيل الاستيراد والتصدير للسلع السورية، إذ أصدرت وزارة الكهرباء تعريفة مخفضة للمستثمرين والمصانع، بهدف دعم الصناعة المحلية وتعزيز القدرة التنافسية.

وبعد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا دعا وزير المالية محمد يسر برنية جميع المستثمرين والمؤسسات الإقليمية والدولية، ورجال الأعمال إلى الاستثمار في سوريا، قائلاً إنّ رفع العقوبات عن سوريا خطوة ستُساعد على جذب الاستثمارات والتدفقات المالية، وعودة سوريا إلى النظام المالي والنقدي العالمي، وفق وكالة سانا.

ورغم الخطوات الحكومية الجارية، لا تزال الصناعة في حسياء تواجه تحديات هيكلية، تتطلب حلولًا طويلة المدى لضمان عودة استثمار مستدام، خاصة في ظل المنافسة غير المتكافئة مع السلع المستوردة وانخفاض قدرة السوق المحلية على الاستيعاب.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض