تقارير وتحقيقات | 4 06 2025

بين معترض ومستنكر وآخر داعم أو متفهم، تباينت ردود الفعل فور نشر وكالة رويترز أمس الاثنين، عن خطة دمج 3500 مقاتل أجنبي، في الجيش السوري الجديد، في ظل ضوء أخضر أمريكي.
وقال ثلاثة مسؤولين عسكريين سوريين، إن نحو 3500 مقاتل أجنبي معظمهم من الإيغور الصينيين والدول المجاورة، سينضمون بموجب الخطى إلى الفرقة 84 المشكلة حديثاً في الجيش السوري، التي تضم سوريين أيضاً.
المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك، رد على سؤال "رويترز" حول موافقة واشنطن على دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري الجديد، إذ قال: "أعتقد أن هناك تفاهماً وشفافية"، مضيفاً أنه من الأفضل ضمهم بمشروع الدولة بدل إقصائهم، كما وصف أن كثر منهم "مخلصون جداً" للإدارة الجديدة.
وقال مصدران مقربان من وزارة الدفاع السورية (لم تحدد صفتهما)، لرويترز، إن رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع والمقربين منه "حاولوا إقناع مفاوضين غربيين بأن ضم مقاتلين أجانب إلى الجيش سيكون أقل خطورة من التخلي عنهم، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الانضمام مجددا لتنظيم (القاعدة) أو تنظيم (الدولة)".
استنكار
في ظل تباين وجدل عبر مواقع التواصل، استنكر سوريون وسوريات قرار ضم المقاتلين الأجانب إلى الجيش الجديد، وتلخصت وجهات النظر بين شرعية القرار وانعكاساته المستقبلية على الجيش الوطني السوري، وتساؤلات إن كان قرار الضم يعني منحهم الجنسية السورية وغيرها من النقاط.
وجاء في منشور للصحفي عبد العزيز الخليفة بفايسبوك، إن "ما يثير القلق" في خطة الدمج "المؤسسي" ليس "موقفاً عنصرياً أو تنكراً لمشاركتهم في قتال النظام السابق، بل هو اعتراض مبدئي على اتخاذ قرارات سيادية بهذه الحساسية خارج المسار الوطني الجامع، أو لمجرد موافقة قوى دولية عليه".
ويرى الصحفي أن الحل يكون بمنح المقاتلين الأجانب وعائلاتهم إقامات إنسانية "على أن يُدمجوا تدريجياً في الحياة المدنية السورية إلى حين انتهاء المرحلة الانتقالية، ويُترك قرار تجنيسهم النهائي لحكومة منتخبة، وقانون جنسية يُقر من مجلس شعب سوري منتخب"، وفق وجهة نظره.
وتابع: "تقارير تجنيس ودمج مقاتلين من "فاطميون" و"زينبيون" في سوريا كانت مثار قلق سوري كبير، رغم أن تلك التقارير في حينها لم تتحدث عن دمجهم ككتل عسكرية كاملة ضمن فرق جيش بشار الأسد، وهو ما يجعل من حق أي سوري أن يتساءل: ما الفرق بين تلك التجربة وما يُقترح اليوم بشأن الإيغور؟".
وختم "الخليفة": "لا يمكن لسوريا أن تتحول إلى دولة ليبرالية غربية في ملف واحد فقط، ونسوق للقرار بأنه يشبه قرارات تجنيس السوريين في دول اللجوء. إذا كنا نرغب في بناء دولة تقوم على القيم الليبرالية، فإن ذلك يتطلب تحولاً كاملاً، لا انتقاء قرارات تناسب مصالح جهات خارجية أو ظرفاً مؤقتاً".
ورفض
أيضاً، كتب الصحفي روجر أصفر عبر حسابه في فايسبوك منشوراً يفند فيه وجهة نظره، حيث يرى أن المقاتلين الاجانب قاتلوا في سوريا لأجل "قضية فئوية دينية طائفية حسب المفاهيم والتفاسير الرائجة عندن"، مؤكداً في الوقت ذاته أنه ضد "قتلهم" أو إرسالهم إلى بلدانهم واحتمالية مقتلهم لمواقفهم.
واستنكر "أصفر" أن الخبر نشر من وسيلة إعلام غربية "لا الرئيس ولا وزير الدفاع ولا وزير الخارجية اللي بيتدخل بكل شي، ولا وسائل إعلام السلطة، مهتمة تخاطب الشعب بهيك موضوع حساس ومهم، وبترسخ الضبابية: ما منعرف إذا دمج مع جنسية ولا لأ، ولا تفاصيل مهمة عن الموضوع".
وأضاف: "هل في حلول أخرى (غير الدمج)؟ نعم، في تجارب بعدة دول وفي مجال للبحث بحلول أفضل ربما. أنا مع التجنيس ضمن شروط، ودعم بوسائل تأمين الرزق، بشرط الابتعاد عن الوظائف العسكرية والأمنية والحكومية، والبقاء تحت المراقبة إلى حين".
دعم
بالمقابل، رحب سوريون وسوريات بقرار دمج المقاتلين الأجانب، وركزت الأصوات الداعمة للخطة على ما وصفوه بالإخلاص والوفاء لمن وقف مع السوريين ضد النظام السابق وساهم بإسقاطه في المعركة الأخيرة، مجادلين بأن ضمهم للجيش ليس سابقة على مستوى العالم.
واعتبر الأكاديمي السوري عبد الرحمن الحاج عبر حسابه في فايسبوك، اليوم الثلاثاء، أن قرار ضم "المقاتلين الإيغور" أمر طبيعي، لأنه يشكل "اعتراف بإسهاماتهم في عملية ردع العدوان، وفي نفس الوقت يمثل وفاء بالتزام أخلاقي إضافة إلى أنه مبني على وجهة نظر سياسية منطقية".
ويرى الكاتب ومؤسس موقع "الذاكرة السورية" إن ضم 3500 مقاتل أجنبي "لا يشكل أي تغيير ديمغرافي، لقد قتل من السوريين أكثر من مليون إنسان، وهؤلاء (المقاتلين الأجانب) لا يشكلون رقماً قياساً إلى هؤلاء الضحايا".
وترحيب
وكتب المصور الصحفي أنس علي في فايسبوك: "في ناس قاتلت، قدّمت دمها، ووقفت بصف طرف انتصر… ومن الطبيعي إنها تطالب بمكان أو اعتراف (...) فرنسا مثلًا، شيدت مسجد باريس الكبير تكريما للمقاتلين المسلمين يلي قاتلوا معها بالحرب العالمية، وقدمت لكتير منهم الجنسية والاعتراف".
واعتبر أن القضية "أعقد من جدل عن أجنبي أو وطني. هي فرصة نفتح نقاش أوسع عن معنى الانتماء والمواطنة ببلد مليان مكونات مثل سوريا".
وتابع "علي": "ليش الطفل الفلسطيني يلي ولد وعاش كل حياته بسوريا، ما عنده جنسية ؟ ليش الأم السورية ما فيها تمنح جنسيتها لأولادها؟ وشو تعريف (ابن البلد) فعلًا؟ بالدم؟ بالهوية؟ ولا بالموقف والالتزام والمشاركة؟ واحترام البلد؟ يُفضل، بس نرفض التطرف، ما نمارس تطرف من نوع آخر".
"تحدي وليس الأمثل"
اعتبر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شينكر في مداخلة مع قناة "الشرق" أن دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري، يمثل تحدياً لكنه ليس الحل الأمثل على المدى الطويل.
ورأى أن خطة الدمج تحل مشكلة وفق رؤية الرئيس "الشرع" لكن على المدى الطويل، قد تحصل اختلافات أيدولوجية بين المقاتلين الأجانب والحكومة المركزية، وقد تكون هناك مشكلات انضباط ومصداقية، وفق قوله.
وسبق أن صرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، قبل أسبوعين، أن الإدارة السورية الجديدة أعربت "عن رغبتها في طرد المقاتلين الأجانب والإرهابيين وغيرهم ممن قد يزعزعون استقرار البلاد ويعادون السلطة الانتقالية".
وفي نيسان الماضي، نقلت وكالة رويترز أن مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ناتاشا فرانشيسكي سلمت لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قائمة من ثمانية شروط تريدها الولايات المتحدة مقابل "تخفيف العقوباaت"، منها "عدم تولي مقاتلين أجانب مناصب قيادية".
لاحقاً، جاء إعلان الرئيس ترامب من الرياض الذي وصف بـ"التاريخي" برفع العقوبات الأمريكية بشكل كلي عن سوريا، ما اعتبر وفق محللين تحولاً "مفاجئاً" في تعاطي تعامل الولايات المتحدة مع الملف السوري منذ سقوط النظام، وصولاً لتصريح المبعوث "باراك" حول تفضيل "ضمهم وليس إقصائهم".
أين قاتل الأجانب في سوريا؟
ويبقى ملف الأجانب الذي شاركوا في الحرب خلال السنوات الماضية، ملفاً شائكاً ومعقداً وفق محللين، خاصة مع قتال مقاتلين أجانب من مختلف الدول إلى جانب مختلف القوى قبل سقوط النظام.
وتشير تقارير إلى وجود عناصر عراقيين وأفغانيين وإيرانيين ومن جنسيات أخرى قاتلوا إلى جانب النظام السابق، كما انخرط عناصر أجانب من مختلف أنحاء العالم انضموا إلى صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" يحتجز الآلاف منهم إلى الآن في سجون بالحسكة تحت إدارة التحالف الدولي.
وجاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية قبل أسابيع إن ما بين 2000 و3100 أجنبي، ونحو 2000 سوري لم تتم محاكمتهم بعد، يتواجدون في مراكز الاحتجاز بمناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، ينحدرون مع الآلاف من النساء والأطفال في مخيمي الهول وروج، من نحو 60 دولة.
كذلك، قاتل مقاتلون إلى جانب وضمن "جبهة النصرة" سابقاً ثم "جبهة فتح الشام" ولاحقاً "هيئة تحرير الشام"، ينحدر نسبة واسعة منهم من الإيغور الصينيين والشيشان والأوزبك وجنسيات عربية وأوروبية بأعداد أقل، كما قاتل مقاتلون ضمن "قوات سوريا الديمقراطية" ينحدر غالبيتهم من تركيا.
ماذا نعرف عن المقاتلين الإيغور؟
تأسس الحزب الإسلامي التركستاني من الأيغور المسلمين في الصين؛ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وتركز مقاتلون يتبعون له في ريفي إدلب واللاذقية بعد 2012، وشاركوا في معارك عدة ضد قوات النظام السابق بتنسيق وتحالف مع "هيئة تحرير الشام".
دعم "الحزب الإسلامي التركستاني في بلاد الشام" (تسمية لفرعه في سوريا) "هيئة تحرير الشام" وأعلن عدة مرات أنه لا يقاتل إلا النظام ولن يشارك في الاقتتالات "على أرض الشام" بين الفصائل الإسلامية أو تلك التابعة لفصائل المعارضة شمالي غربي سوريا.
وفي نهاية 2020 رفعت الوكالة الفيدرالية الأمريكية، "حزب تركستان الشرقية الإسلامي" المعروف أيضاً بعدة أسماء منها "حركة تركستان الشرقية الإسلامية" (الفرع الأم للحزب التركستاني في سوريا) من قائمة الإرهاب المحظورة لدى الولايات المتحدة.
يتداول ناشطون محليون إن مقاتلي "الإيغور" يعرفون بانعزالتيهم وشراستهم بالقتال، وكان لهم دوراً في معارك جسر الشغور ومطار أبو الظهور، فيما تغيب التقديرات الرسمية لأعدادهم، وتقدرها تقارير صحافية بنحو 3500 مقاتل ومئات العائلات، إضافة لمقتل المئات منهم خلال المعارك ضد النظام السابق.
دمج أم تجنيس؟
تحدثت المصادر العسكرية الثلاث لرويترز، عن "دمج" و"ضم" المقاتلين الأجانب إلى الجيش السوري الجديد، لكنها لم تشر إلى منحهم الجنسية السورية.
بالمقابل، صرح مسؤول عسكري لصحيفة "ذا ناشيونال" إن معظم المقاتلين الأجانب، بما فيهم الإيغور، سيمنحون الجنسية السورية بحلول العام الجاري، مقدراً عدد من "دمجوا" بنحو 3500 مقاتل أيضاً.
وسبق أن صرح رئيس سوريا أحمد الشرع خلال مؤتمر صحافي من قصر الإليزيه في باريس، أن تجنيس المقاتلين الأجانب "محله الدستور السوري عندما يصاغ، سيعرف من هو السوري وكيف يحصل على الجنسية"، مؤكداً أن المقاتل الأجنبي الذي ينطبق عليه ما يأتي بالدستور، سيكون من المجنسين.
وأوضح "الشرع" حينها، أن كثير من المقاتلين الأجانب تجوزوا من سوريات وأنجبوا أطفالاً "كثر"، معتبراً أن "حل الموضوع (التجنيس) يجب أن يكون بطريقة لائقة ومناسبة ومشرفة لمن ساعد ووقف إلى جانب الشعب السوري".
ولم يصدر أي بيان من وزارة الدفاع أو الحكومة السورية الانتقالية، حول خطة دمج المقاتلين الأجانب وتفاصيلها حتى ساعة نشر المادة، وإن كانت تشمل التجنيس أو الانخراط ككتلة واحدة في الجيش السوري الجديد وأماكن تمركزها، وسط استمرار الجدل عبر مواقع التواصل بين السوريين حول القضية.