تقارير وتحقيقات | 22 05 2025

نعى الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، اليوم الخميس، عناصر في فرق "إزالة مخلفات الحرب" قتلوا بانفجار لغم في ريف حماة الشمالي، بالتزامن مع مقتل وإصابة عناصر في "الأمن العام" بالسويداء للسبب ذاته.
وقال الدفاع المدني إن المتطوعين الثلاثة قضوا خلال عملهم الإنساني، إثر انفجار لغم أرضي موجه لاسلكياً عن بعد، على سكة القطار محيط قرية كراح شمالي شرقي حماة، أثناء عملهم على تفقد المكان بعد بلاغ وصل من الجهات المحلية عن جسم غريب مزروع على السكة.
وفي السويداء، قتل عنصران وأصيب آخرون من "الأمن العام" نتيجة انفجار لغم بآلية لهم قرب تلول الصفا في بادية السويداء، خلال تمشيطهم في منطقة سبق أن شهدت معارك بين تنظيم "الدولة الإسلامية" وقوات النظام السابق، تنتشر بها ألغام ومخلفات حرب، وفق شبكة "السويداء 24".
شرقاً، وصلت أربع كاسحات ألغام تابعة لوزارة الدفاع السورية إلى محافظة دير الزور، لتباشر عملها بإزالة الألغام المنتشرة بكثرة في المحافظة والبادية القريبة منها، تتهم المجموعات التابعة لإيران سابقاً بزراعة نسبة واسعة منها.
وفي الفترة ما بين سقوط النظام في الثامن من كانون الأول حتى بداية شهر آذار، قتل وجرح نحو 500 شخص في سوريا نتيجة 250 حادثة انفجار ذخائر غير منفجرة، حسب تصريح رئيس برنامج دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (أونماس) في سوريا، جوزيف ماكارتن.
وأضاف ماكارتن في مقابلة بداية آذار الماضي مع موقع الأمم المتحدة: "تعمل أونماس مع أكثر من 160 منظمة غير حكومية وطنية ودولية لتقديم رسائل التوعية بالمخاطر إلى كل فئة سكانية داخل سوريا".
وأشار إلى أن "أونماس" تشجع "مزيدا من الشركاء في مجال العمل الإنساني لإزالة الألغام على القدوم إلى سوريا لبدء العمليات. وسنحاول (أونماس) أيضا بناء قدرة سوريا على العمل الإنساني لإزالة الألغام لأن هذا الإرث من الذخائر غير المنفجرة سيبقى مع الشعب السوري لسنوات عديدة قادمة".
وأجرت فرق إزالة مخلفات الحرب في "الخوذ البيضاء" بين تشرين الثاني 2024 حتى نيسان 2025، أكثر من 1450 عملية إزالة، تخلصت خلالها من 2059 ذخيرة غير منفجرة، كما نفذت تنفيذ أكثر من 370 عملية مسح غير تقني، وحددت 453 منطقة ملوثة بمخلفات الحرب، مع نحو 690 جلسة توعية لقرابة 15 ألف مستفيد.
ويصف الدفاع المدني إزالة الألغام بأنها "الحرب التي لم تنته"، مشيراً في تقرير له إلى انتشار الذخائر غير المنفجرة في عموم الأراضي السورية "التي باتت ساحة حرب لتجريب واختبار الأسلحة الروسية، فحجم الترسانة العسكرية الهائل التي تم قصف المدنيين فيها، كبير جداً".
وأضاف: "ولا يقتصر خطر مخلفات الحرب بما تخلفه من ضحايا فقط، فلها آثار آخرى إذ تمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وتشكل خطر على حياتهم ، وتمنع الصناعيين من العمل في بعض الورشات التي طالها القصف، كما تؤثر تلك المخلفات على عودة السكان لمنازلهم".
وتُصنّف الأراضي السورية إلى ثلاث درجات من التلوث، أخطرها المناطق التي كانت خطوط تماس، مثل سهل الغاب، الكبينة، ريفي إدلب وحماة، ومناطق في دير الزور وحمص والغوطة الشرقية، حيث تنتشر العبوات الناسفة والأسلحة المرتجلة والألغام، بحسب "الدفاع المدني".
وسبق أن نشرت روزنة تحقيقاً بعنوان: "الأرض المسمومة في سوريا كيف أدت سنوات الصراع إلى تلويث وتدمير الأراضي السورية؟"، عن آثار المعارك والحرب على النظام البيئي والسكاني في البلاد.
خريطة للمناطق الملوثة بالذخائر غير المنفجرة من 26 تشرين الثاني 2024 حتى 1 آذار 2025 - موقع الدفاع المدني السوري الإلكتروني
لمخلفات الحرب نوعان أساسيان، الذخائر غير المنفجرة ومخلفات القصف، والألغام. النوع الأول يختص به الدفاع المدني مثل القنابل العنقودية والصواريخ غير المنفجرة، أما الألغام يعمل فقط على مسحها وتحديدها والتوعية حولها.
يقول المكتب الإعلامي للدفاع المدني في تصريح قبل أسابيع لروزنة: "التعامل مع الذخائر شيء مختلف عن التعامل مع الألغام والمخلفات الارتجالية".
ويواجه الدفاع المدني تحديات كبيرة في عمله، أبرزها الانتشار الواسع والمتنوع لمخلفات الحرب في سوريا نتيجة 14 عاماً من النزاع واستخدام مختلف أنواع الأسلحة، بما فيها القنابل العنقودية المحرمة دولياً. ووفق "الأمم المتحدة" نحو 40 بالمئة من هذه القنابل لا تنفجر فوراً، مما يحولها إلى قنابل موقوتة تهدد المدنيين لاحقاً.
وأشار المكتب الإعلامي إلى أن "الأراضي الأقل تلوثاً تلك التي تعرضت للقصف والتي كان فيها معارك وهو ما ينطبق على جزء كبير من الأراضي السورية، أما المنطقة الثالثة فهي التي لم تشهد مخلفات حرب، إذ يمكن لمخلفات الحرب أن تنتقل بوسائل مختلفة مثل السيول "لا يوجد منطقة سورية آمنة من مخلفات الحرب".
ومن التحديات التي تواجه فرق الدفاع المدني، محدودية الموارد والتجهيزات، إذ يوضح المكتب الإعلامي، أن فرق الدفاع المدني كانت تعمل في محافظتين فقط ما بين 2020 و2024، أما اليوم بعد سقوط النظام توزعت تلك الفرق على 11 محافظة.
يضم الدفاع المدني حالياً 6 فرق إزالة و6 فرق توعية ومسح، ويخطط للوصول مستقبلاً إلى 11 فريق إزالة، مع برامج تدريب نوعية لرفع الجاهزية والاستجابة.
وأوضح المكتب الإعلامي لـ"الخوذ البيضاء"أن أبرز الصعوبات التي تواجههم حالياً ولا سيما بعد سقوط النظام السابق، هو عودة السوريين لمناطقهم بشكل غير حذر، ما سبب بفقدان العديد لأرواحهم، موضحاً أنّ فرق الدفاع المدني تعمل وفق خطط منهجية مدروسة، تضمن حماية الأرواح، وليس بإمكانهم التعامل وفق الاستجابة الطارئة.
وتابع: "بشكل يومي ومنذ سنوات يحذّر الدفاع المدني الأهالي من مخلفات الحرب وآثارها، لكن لا سلطة لديه لمنع الأهالي من دخول مناطقهم، ولا سيما مناطق خطوط التماس التي تعتبر شديدة الخطورة (...) الرغبة الشديدة بالعودة بعد سنوات من التهجير كان ثمنه غال جديد بفقدان بعض الأرواح، والملام الأول والأخير وهو النظام السوري السابق".
في عام 2024 قامت فرق إزالة الذخائر التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر بمسح مليون و815 ألف متراً مربعاً في حلب وريف دمشق، وتطهير 737 ألف متراً مربعاً وتدمير 559 جسماً متفجراً بأمان، وهو ما ساعد أكثر من 93 ألف شخص، بينهم عائدون، في الوصول إلى منازلهم وسبل عيشهم، وفق "الصليب الأحمر".
بحسب "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" تتعرض أعداد هائلة من المدنيين كل سنة للقتل أو الإصابة بسبب "مخلفات الحرب القابلة للانفجار". وهذه المخلفات هي الأسلحة غير المنفجرة التي تتخلف بعد نـزاع مسلح، مثل القذائف والقنابل اليدوية والقنابل.
واعتمد المجتمع الدولي عام 2003 معاهدة للحد من المعاناة الإنسانية الناجمة عن مخلفات الحرب القابلة للانفجار، ودعا كل طرف من أطراف النزاع لإزالة مخلفات الحرب القابلة للانفجار من الأراضي الخاضعة لسيطرته بعد توقف الأعمال العدائية.
في شتى أنحاء العالم هناك الملايين من مخلفات الحرب القابلة للانفجار في نحو 80 بلداً. بعض البلدان بقيت تواجه تلك المشكلة منذ عقود مثل بولندا التي أزالت نحو 100 مليون جسم متفجر متبقية من الحربين العالميتين.
وفي اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن "أكثر من 100 مليون شخص حول العالم يواجهون خطر الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب والأجهزة المتفجرة يدوية الصنع، في أفغانستان وميانمار والسودان وأوكرانيا وسوريا، والأرض الفلسطينية المحتلة وغيرها".