تقارير وتحقيقات | 29 04 2025

قتل وأصيب أشخاص، صباح اليوم الثلاثاء، في مدينة جرمانا بريف دمشق، نتيجة اشتباكات بين مسلحين اقتحموا أحياء المدينة وآخرين من أبنائها، إثر انتشار تسجيل صوتي نسب لشخص من طائفة الموحدين الدروز، تضمن إساءة للنبي محمد، ما أثار احتقاناً شعبياً وحملات تحريض طائفية في محافظات عدة.
أهالي مدينة جرمانا (التي تضم مكونات سورية مختلفة بما في ذلك الدروز والمسيحيون) وسوريون أعربوا عن رفضهم التام لخطاب الكراهية والتحريض الطائفي، مؤكدين أن ما يحدث لا يخدم وحدة المجتمع السوري، بل يهدد استقراره وسلمه الأهلي.
وشهدت مدن دمشق وحماة وحمص، مظاهرات أمس، تحت شعار التنديد بالإساءة للنبي محمد، تضمنت بعضها تهديدات بـ"اجتياح السويداء" وأخرى تخللها هتافات ذات طابع طائفي ضد طائفة الموحدين الدروز.
وزارة الداخلية: نلاحق المتورطين
المكتب الإعلامي في وزارة الداخلية، قال في بيان، إن مدينة جرمانا شهدت اشتباكات متقطعة بين مجموعات لمسلحين، بعضهم من المنطقة وبعضهم من خارجها، أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى، بينهم عناصر من قوى الأمن في المنطقة، وذلك على خلفية انتشار مقطع صوتي يتضمن إساءة للنبي محمد، تلاه تحريض وخطاب كراهية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف البيان، "على إثر ذلك، توجهت وحدات من قوى الأمن العام مدعومة بقوات من وزارة الدفاع لفض الاشتباك وحماية الأهالي والحفاظ على السلم المجتمعي. كما تم فرض طوق أمني حول المنطقة لمنع تكرار أي حوادث مشابهة".
وأكد البيان على ملاحقة المتورطين لمحاسبتهم وفق القانون، مع استمرار التحقيقات لكشف هوية صاحب المقطع الصوتي "نؤكد أننا لن نتساهل في تقديم كل من ساهم في إثارة الفوضى وتقويض الاستقرار إلى العدالة".
وفق "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، استخدمت خلال الاشتباكات أسلحة خفيفة ومتوسطة، تزامناً مع دخول أرتال عسكرية انتشرت من جهة حي النسيم وقصفت بعض الأحياء، ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 6 آخرين، بينهم عنصر من الجيش السوري.
ولم يحدد المرصد نوع القصف، فيما أشارت شبكات إعلامية محلية أن جرمانا استهدفت بقذائف هاون دون تحديد مصدرها.
وأشار المرصد إلى أنّ حالة من الاحتقان الشعبي وحملة تحريض طائفي عارمة شهدتها الشوارع في عدة محافظات سورية وفي المدينتين الجامعيتين بحلب وحمص ضد أبناء الموحدين الدروز، بعد انتشار التسجيل الصوتي.
شهادات أهلية
مصادر أهلية (5 أشخاص) قالت لروزنة إنّ مسلحين هاجموا جرمانا ليلاً عقب موجة من التحريض، وإن اللجان الأهلية التي تحرس الحواجز تصدت للهجوم. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 7 من هذه اللجان واثنين من عناصر الأمن العام، وسط استهداف مباشر لمنازل المدنيين.
ووفق المصادر، إن وجهاء مدينة جرمانا نفوا معرفتهم بصاحب التسجيل الصوتي وكيف انتشر، في وقت أعلنت وزارة الداخلية عن متابعتها للأمر لمعرفة صاحب التسجيل الصوتي، وحذّرت من أي تصرفات أمنية تخل بالأمن العام.
أحد الأهالي في جرمانا يصف ما حدث
في غضون ذلك، اعتبرت مشيخة العقل والهيئة الروحية للدروز التسجيل الصوتي "مشروع فتنة"، ودعت في بيان رسمي إلى تهدئة الأوضاع وفتح تحقيق شفاف. كما أدانت الهجوم المسلح على المدينة، محمّلة الجهات الرسمية المسؤولية الكاملة.
استنكار وتحميل السلطات للمسؤولية
الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في جرمانا، استنكرت في بيانها اليوم الثلاثاء، أي تعرض بالإساءة للنبي محمد واعتبرت ما تم تلفيقه مع مقطع صوتي "مشروع فتنة وزرع للانقسام بين السوريين".
كذلك أدان البيان "الهجوم المسلح غير المبرر على جرمانا والذي استخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة، واستهدف خلاله المدنيون بغير وجه حق"، موضحاً انّ معظم من قتلوا وأصيبوا هم من أبناء المدينة، ومن منتسبي جهاز الأمن العام وكانوا في مواقع عملهم.
ودعا البيان الأجهزة الأمنية للتحرك العاجل لوقف الاعتداء وضمان عدم تكراره. إضافة لخروج الجهات الرسمية للرأي العام وتوضيح ملابسات ما جرى وكشف كامل الحقائق وإيقاف حملات التحريض والتخوين، محمّلاً السلطات المسؤولية الكاملة عما حدث وعن أي تطورات لاحقة أو تفاقم للأزمة.
أهالي جرمانا: دعوة لفتح تحقيق رسمي
أصدر أهالي مدينة جرمانا بياناً، أدانوا فيه ما حدث بسبب "التحريض الطائفي" محذّرين من "الانجرار خلف دعوات الفتنة التي لا تخدم وحدة سوريا"، ووثقوا مقتل 6 شباب، دون تحديد هويتهم.
وجاء في البيان: "دماء أبنائنا لن تكون وقوداً لحرب طائفية يريدها المجرمون، لن نستباح ولن نسمح باستباحة أحد، فكرامة الإنسان واحدة، ودماء الأبرياء أمانة في أعناقنا جميعاً".
ودعا الأهالي الجهات الرسمية "لتحمل مسؤولياتها بفتح تحقيق فوري وشفاف، ومحاسبة كل من شارك وحرض وخطط لهذه الجريمة".
وفي الأثناء دارت اشتباكات في مدينة صحنايا بريف دمشق، ليلة الإثنين - الثلاثاء، وبحسب "السويداء 24" إن مجموعة مسلحة هاجمت حاجزاً مشتركاً لعناصر الأمن العام والفصائل المحلية عند أحد مداخل البلدة، ما أسفر عن إصابة أربعة من عناصر الحاجز الذين ردوا أيضاً على مصادر إطلاق النار.
مخاوف المدنيين
ويتخوف المدنيون من الخروج من منازلهم في جرمانا، لئلا يتعرضوا لأي هجوم، وبخاصة من الفصائل الأجنبية المتطرفة :"نخاف من أن تتوسع الأحداث ويحصل كما حصل في الساحل السوري، نطالب بتدخل حكومي لحمايتنا" وفق عدة مصادر أهلية لروزنة.
وتضيف المصادر: "أصوات الرصاص لم تتوقف إلى الآن والقذائف تستهدف المدينة، نعيش في حالة رعب ولا نستطيع الخروج من منازلنا".
كذلك يرفض أصحاب المحال التجارية في جرمانا فتح محالهم التجارية، بعد الأحداث، وفق ذات المصادر.
إحدى السيدات قالت لروزنة: "الفصائل التي أعلنت الجهاد نصرة للنبي محمد، طوّقوا مداخل جرمانا، مستخدمين الأسلحة الثقيلة، لم نستطع النوم حتى الثامنة صباحاً بسبب أصوات الرصاص، وفي التاسعة سمعنا أصواتاً تشبه أصوات الانفجار، طريق جرمانا حوله قناصين لا نستطيع التحرك حتى لو أردنا".
طلاب خائفون
مصادر أهلية في جرمانا أوضحت لروزنة أنه بعد الأحداث الأخيرة، طلاب الجامعات لزموا أماكنهم خوفاً على حياتهم، كذلك طلاب المدارس لم يذهبوا إلى مدارسهم، لافتة: "هناك طلاب دروز وصلوا من اللاذقية إلى جرمانا، وذهبوا إلى المجلس المحلي في المدينة طلباً لحمايتهم".
وبعد الأحداث الأخيرة وُجهت دعوة لطلاب السويداء عبر مجموعات خاصة عبر واتس للعودة إلى محافظتهم، من مختلف المدن الجامعية التي يتواجدون فيها حفاظاً على أرواحهم.
أحد طلاب السويداء في جامعة حمص، قال لروزنة، إن التوتر الحاصل سوف ينعكس على تعليم الطلاب هذا العام: "لا أحد يأمن على سلامته في السكن الجامعي بحمص، ومن الصعب أن يأتي الطالب ويذهب من السويداء إلى حمص يومياً، لذلك اتخذ البعض قراراً بالعودة إلى السويداء وعدم إكمال الفصل الثاني".
وطالب بحماية الطلاب الدروز وغيرهم من خلال "منع الخطاب الطائفي وإبعاد كل المظاهر الدينية عن السكن الجامعي، والعمل على إنشاء لجان خاصة مهمتها حماية طلاب السكن الجامعي".
مشرف منظمة طلابية في السويداء قال لروزنة: "إن معظم الطلاب حجزوا للعودة إلى السويداء وبخاصة من وجدوا في دمشق، خرجوا صباحاً ولا زالوا على الطريق".
ويضيف: "الطلاب يعانون من حالة نفسية سيئة ولا يعرفون ما مصيرهم بعد الأحداث الأخيرة".
طالب آخر يقول لروزنة: "رحنا ضحية، و راحت علينا السنة، كنت سأترفع على كلية طب الأسنان من معهد التعويضات، لكن ذهب الحلم مع الأحداث الأخيرة وذهب تعبي معه، حالي حال كل الطلاب".
وانتشر أمس الإثنين، تسجيل مصور لشخص حوله العديد من الأشخاص، قال فيه إن أي إساءة للنبي محمد من أي طائفة، ستنال جزاءها من خلال "الهجوم عليها بالرصاص.. ومن يدافع عن سلطان باشا الأطرش ليأتي (...) تسفك دماؤنا نصرة لرسول الله".
بالمقابل، أشاد سوريون بمقطع مصور يظهر رجلاً يرجح أنه من إداريي المدينة الجامعية في حمص، يخاطب طلبة عن خطورة التجييش الطائفي وعدم استخدام عبارات شتم بحق "رموز الآخرين"، مؤكداً: "نحن هنا جامعة، ممنوع أي عبارات طائفية، لا نريد هنا صراعات أو نزاعات مشاحنات وشجارات".
"المرصد السوري" قال، أمس الإثنين، إنّ طلاباً جامعياً في حمص تعرّض لطلق ناري أثناء خلاف نشب بين مجموعة من الطلاب وآخرين من محافظة السويداء.
واقتحمت مجموعة من الطلاب غرف إقامة يسكنها طلاب من السويداء، على خلفية انتشار التسجيل الصوتي مما أدى إلى حالة من الهيجان الطائفي بشكل متزامن في السكن الجامعي بدمشق وحمص ضد طلاب محافظة السويداء، وفق "المرصد السوري".
وعقب الحادثة، تدخلت قوى الأمن الداخلي لفض التجمعات واحتواء التوتر في محيط السكن الجامعي، وحماية طلاب السويداء، في ظل استمرار الهتافات الطائفية، وفق "المرصد السوري".
وزارة الداخلية شددت أنّ "الدولة قائمة بدورها الكامل في حماية المقدسات ومحاسبة المسيئين إليها بكل حزم ومسؤولية" وحذّرت من أن "أي تجاوز للقانون سيقابل بإجراءات صارمة لضمان حفظ الأمن والاستقرار".
يوسف جربوع: "ما يحدث فتنة"
شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، يوسف جربوع، وجه رسالة إلى السوريين أكد خلالها على أهمية الحفاظ على السلم الأهلي، مؤكداً أن ما يحدث ليس سوى "فتنة" لتقسيم المجتمع السوري ولإثارة الاقتتال الداخلي.
ودعا جربوع السوريني للتروي وتحكيم العقل، مشدداص أنهم يرفضون "الإساءة للنبي محمد" بشكل كامل، وطالب بمحاسبة الفاعل.
كذلك أصدرت مشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز بياناً حمل توقيع شيخي العقل سماحة الشيخ يوسف جربوع وسماحة الشيخ حمود الحناوي حول الأحداث الأخيرة.
وجاء في البيان" "إن مشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز تؤكد أن موقفها الوطني والديني عبر التاريخ لم يكن يوماً إلا جنباً إلى جنب مع أبناء الوطن الواحد، وشعارها الدين لله والوطن للجميع".
وأضاف البيان: " أن الأصوات النشاز التي ظهرت للمساس بالرسول الأكرم مأجورة من أعداء الوطن والدين بغية التقسيم والتجزئة والتشرذم وتفكيك البنية الوطنية السورية الواحدة".
وشدد البيان أنّ "كل من يصرح ويطال الرموز الدينية يتحمل العقوبة المجزية ويمثل نفسه ولا يمكن أن يمثل رأي الجماعة من أبناء الطائفة"
ودعا البيان إلى تحكيم العقل لجمع الشمل وعدم الاقتسام، معتبراً ما يحدث "فتنة كبرى".
ونفى الشيخ مروان كيوان، علاقته بالتسجيل الصوتي المسرب، بعد اتهامات وجهت ضده، وقال في تسجيل مصور: "أنا لم أتكلم هذا ومن فعل ذلك يريد الفتنة بين جميع مكونات الشعب السوري، هذا صوتي فليقارنوا بين صوتي وبين من فبرك هذا الصوت الكاذب".
كذلك صدر بيان من آل كيوان بجبل العرب على لسان الشيخ محمد كيوان، تضمن رسالة موجهة للسوريين، قائلاً إن "الكلام المسيء لا يُشترى من مؤمن ولا من عاقل يُباع، ومن تطاول بالذم والشتيمة فإنما يطعن نفسه بخنجره المسموم".
كثير من السوريين عبروا أيضاً عن رفضهم لما يحدث من خطاب كراهية ضد الدروز والمكونات السورية الأخرى، مستنكرين ما حدث في جرمانا، ودعوا إلى نبذ خطاب الكراهية.
رنا سيدة سورية دعت عبر فيسبوك إلى "تجريم الخطاب الطائفي" وقالت إنه "الخطاب السائد منذ لحظة سقوط النظام السابق حتى اليوم".
ودعا ناصر إلى محاسبة مثيري الشغب والفتن والمحرضين ليكونوا عبرة لمن يحاول المساس بأمن الدولة والسوريين قائلاً: "نحن نحتاج إلى ضبط الأمور على الارض وتخفيف الاحتقان".