تقارير وتحقيقات | 17 04 2025
روزنة
كشف اليوم الخميس تحقيق صحفي لوكالة رويترز بعنوان "عملية الأسد: المهمة الجوية لتهريب مقتنيات الطاغية السوري"، معلومات حول استخدام طائرة خاصة لنقل أموال ومقتنيات ووثائق إلى أبوظبي، في الأيام الأخيرة قبل سقوط النظام السابق.
تنقل روزنة تلخيصاً محرراً بالعربية للتحقيق الذي نشر باللغة الإنكليزية، وأعده لـ"رويترز" كل من فراس دالاتي وجوانا بلوسينسكا ورياد ليفينسون ومها الدهان، وما كشفه عن حمولة الطائرة وحركتها وما نقلته من مقتنيات بينها وثائق لـ"خريطة إمبراطورية الأسد التجارية".
يسار ابراهيم.. رتب كل شيء!
رتب يسار إبراهيم كبير المستشارين الاقتصاديين لرئيس النظام المخلوع بشار الأسد، استئجار الطائرة الخاصة في الأيام الأخيرة قبل سقوط النظام في 8 كانون الثاني العام الفائت، لتهريب أموال ومقتنيات ووثائق سرية وعدد من الأشخاص "بينهم مراهقون".
حسب أكثر من اثني عشر مصدر لرويترز، نقلت الطائرة إلى أبو ظبي الإماراتية إضافة إلى حمولة المقتنيات، عدداً من أقارب الأسد ومساعديه وموظفي القصر الجمهوري، عبر أربع رحلات خلال 48 ساعة فقط.
كانت الطائرة تحمل حقائب سوداء بدون علامات نقدية، تحتوى على ما لا يقل من نصف مليون دولار، إضافة إلى وثائق وأجهزة كومبيوتر محمولة وأقراص صلبة تحتوي على معلومات استخباراتية رئيسية حول "الجروب" (المجموعة).
ويقول التحقيق إن "الجروب" هو الاسم الرمزي الذي استخدمه شركاء الأسد وابراهيم، لشبكة معقدة من الكيانات التي تغطي قطاعات الاتصالات والبنوك والعقارات والطاقة وغيرها، حسب مصدر مطلع على "شبكة الأسد" وضابط سابق في المخابرات الجوية، ومحادثة عبر تطبيق "واتس أب".
يسار إبراهيم الذي أدار المكتب الاقتصادي والمالي للرئاسة، لعب دوراً محورياً في إنشاء شبكة من الكيانات التي استخدمها الأسد للسيطرة على قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري، وغالباً ما كانت بمثابة واجهة لبشار، وفقاً لتقارير العقوبات الأمريكية، وإلى خبراء في الاقتصاد السوري ومصدر داخل شبكة أعمال الأسد، حسب الوكالة.
"لم ترَ هذه الطائرة"
في السادس من كانون الأول الفائت (قبل سقوط النظام بيومين) حشد أكثر من 12 موظفاً بزي المخابرات الجوية المموه لحراسة قاعة الاحتفالات وقسم كبار الشخصيات في مطار دمشق الدولي، مع وصول الطائرة الخاصة طراز إمبراير ذات الثلاثة عشر مقعداً.
قال ضابط سابق في المخابرات ومسؤول كبير في المطار، كانا في الموقع، إن سيارات تابعة للحرس الجمهوري المكلف بحماية بشار الأسد والقصر الجمهوري، اقتربت من المنطقة، بينما قال ثلاثة أشخاص كانوا في الموقع إنها سيارات مدنية بنوافذ مظللة.
وأبلغ رئيس أمن المطار العميد غدير علي الموظفين أن عناصر المخابرات الجوية سيتعاملون مع الطائرة، حسب ما نقل محمد قيروط رئيس العمليات البرية في الخطوط الجوية السورية، الذي تذكر قول "علي" له: "هذه الطائرة قادمة للهبوط وسنتعامل معها. لم ترَ هذه الطائرة".
وقال ثلاثة مسؤولين في المطار وضابط المخابرات السابق إن العميد "علي"، الضابط الكبير في المخابرات الجوية، كان يتلقى الأوامر مباشرة من القصر الرئاسي، ولم تتمكن رويترز من الوصول له للتعليق.
عضو كبير سابق في الحرس الجمهوري قال للوكالة إن تورط الحرس الجمهوري يعني أن "بشار هو من أصدر الأوامر" المتعلقة بالعملية، مضيفاً أن الحرس لم يكن يخضع إلا لقائده اللواء طلال مخلوف ابن عم الأسد، أو الأسد نفسه.
ولم تتمكن رويترز من تحديد ما إذا كان الأسد قد أدار عملية الهروب بشكل مُستقل. وقالت عدة مصادر مطلعة مباشرة على العملية إنها لم تكن لتحدث لولا مباركته.
الساعات الأخيرة
الطائرة كانت تتجه إلى مطار البطين للطيران الخاص في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، المعروف بخصوصيته الصارمة ويستخدمه كبار الشخصيات، وغادرت في البداية يوم 6 كانون الأول وهبطت دمشق عند الساعة 12 ظهراً، وغادرت إلى "البطين" لتعود إلى دمشق بعد العاشرة مساءاً بقليل.
وفي كل مرة هبطت فيها، "كانت السيارات تسرع نحو الطائرة، وتبقى لفترة قصيرة ثم تغادر قبل إقلاعها مباشرة"، وفقًا لأحد المصادر الخمسة العاملة في المطار، وفق التحقيق.
رئيس أمن المطار العميد غدير علي أبلغ موظفي المخابرات الجوية أن أفراداً من القصر الرئاسي وأقارب بشار الأسد -بمن فيهم مراهقون- كان من المقرر أن يستقلوا أو رحلتين غادرتا العاصمة دمشق في 6 كانون الأول.
الرحلتان حملتا نقود أيضاً، حسب ضابط مخابرات سابق كان في الموقع، ولم تتمكن رويترز من الاطلاع على قائمة ركاب الرحلات الأربع للتأكد من ركاب الطائرة أو حمولتها.
وأضاف المصدر نفسه أن الرحلة الثانية من دمشق نقلت أيضًا لوحات وبعض المنحوتات الصغيرة.
من تحقيق "عملية الأسد: المهمة الجوية لتهريب مقتنيات الطاغية السوري" - وكالة رويترز (اقتصاص وتعديل قياس/روزنة)
معلومات "شبكة الأسد"
في 7 كانون الأول، عادت الطائرة إلى دمشق حوالي الساعة الرابعة مساءً، وغادرت إلى البطين للمرة الثالثة بعد أكثر من ساعة، وهذه المرة محملة بأكياس نقود، بالإضافة إلى أقراص صلبة وأجهزة إلكترونية تحتوي على معلومات حول شبكة الأسد التجارية.
المعلومات حول هذه الرحلة، قالها لرويترز ضابط المخابرات ومصدر داخل "شبكة الأسد التجارية".
وقال المصدر إن المعلومات المخزنة تضمنت سجلات مالية، ومحاضر اجتماعات، وملكية شركات، وعقارات، وشراكات، بالإضافة إلى تفاصيل التحويلات النقدية والشركات والحسابات الخارجية.
وقال ضابط المخابرات السابق إن هذه المرة، اقتربت سيارات تابعة لسفارة الإمارات العربية المتحدة في دمشق من منطقة مطار كبار الشخصيات قبل إقلاع الطائرة، مما يشير إلى أن الإمارات العربية المتحدة كانت على علم بالعملية.
تحويلة إلى قاعدة روسية
في وقت مبكر من يوم 8 كانون الأول، وصل مقاتلو المعارضة إلى دمشق، مما دفع الأسد إلى الفرار إلى معقله الساحلي في اللاذقية، بالتنسيق مع القوات الروسية. توقف مطار دمشق عن العمل.
بعد منتصف ليل 8 كانون الأول بقليل، ومع وصول مقاتلي "إدارة العمليات العسكرية" إلى دمشق، غادرت الطائرة مطار البطين للمرة الأخيرة. بعد مرورها فوق مدينة حمص، حوالي الساعة الثالثة صباحًا بالتوقيت المحلي.
اختفت الطائرة عن نطاق رصد الرحلات الجوية لمدة ست ساعات تقريبًا قبل أن تعود للظهور فوق حمص، متجهة عائدة إلى أبوظبي، وفقًا لبيانات Flightradar24، وخلال تلك الفترة، هبطت في قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية، وفقًا لضابط المخابرات السابق.
التقطت شركة Planet Labs صورة بالأقمار الصناعية الساعة 9:11 صباحًا للطائرة على المدرج في حميميم.
تمكنت رويترز من تأكيد أن طائرة إمبراير التي ظهرت في الصورة هي C5-SKY (الطائرة ذاتها) بناءً على حجمها وشكلها وبيانات تتبع الرحلات الجوية. كانت الطائرة هي الطائرة الخاصة الوحيدة التي حلقت من وإلى سوريا بين 6 و8 ديسمبر، وفقًا لبيانات تتبع الرحلات الجوية.
كان على متن الرحلة من حميميم أحمد خليل خليل، وهو شريك مقرب من يسار إبراهيم ونشط داخل شبكة الأسد، وفقًا لضابط المخابرات الجوية والمصدر داخل "إمبراطورية الأسد التجارية" ومحادثة واتساب.
وصل "خليل" الخاضع لعوبات غربية لتشغيله وسيطرته على عدد من الشركات في سوريا، إلى القاعدة الروسية في سيارة مصفحة تابعة للسفارة الإماراتية وكان يحمل 500 ألف دولار نقدًا، وفقًا للشخص الموجود داخل "شبكة الأسد" ورسائل "واتساب".
قال أحد المقربين من بشار الأسد أن يسار إبراهيم وصل إلى أبو ظبي في 11 كانون الأول (بعد 3 أيام من سقوط النظام)، كما أشار مع مسؤول سابق في هيئة النقل الجوي السورية أن طائرة إمبراير كانت تعمل بموجب "عقد إيجار غير شامل للخدمة".
العقد، يوفر بموجبه المالك الطائرة المسجلة في غامبيا حسب الوكالة، ولكن لا يوفر طاقمًا أو طيارًا أو صيانة أو عمليات أرضية أو تأمينًا، ولم تتمكن رويترز من تحديد هوية مشغل الرحلات الجوية.
"الطائرة اللبنانية"
استأجر يسار إبراهيم الطائرة من رجل الأعمال اللبناني محمد وهبي، وفقًا لأحد أفراد نخبة رجال الأعمال السوريين والمصدر المطلع داخل شبكة الأسد. وفي محادثة واتساب، وصف أحد مساعدي إبراهيم الطائرة بأنها "الطائرة اللبنانية".
تُظهر سجلات تتبع الرحلات الجوية أنه في الأشهر التي سبقت سقوط الأسد، طارت الطائرة إلى روسيا، ولم تتمكن رويترز من الوصول إلى جهة الاتصال المسجلة لشركة فلاينج إيرلاين في غامبيا.
وفقًا للسجلات الغامبية، يمتلك المواطن اللبناني أسامة وهبي 30% من أسهم الشركة، بينما يمتلك المواطن العراقي صفاء أحمد صالح 70% منها.
تُظهر مواقع التواصل الاجتماعي أن لمحمد وهبي ابنًا يُدعى أسامة، ويعمل أيضًا في قطاع الطيران. لم تتمكن رويترز من تأكيد ما إذا كان هو نفس الرجل المسجل في السجل الغامبي.
وعند اتصال رويترز به، نفى محمد وهبي أي علاقة له برحلات C5-SKY من وإلى سوريا، وقال لرويترز إنه لا يملك الطائرة، ولكنه يستأجرها "أحيانًا" من وسيط، رفض الكشف عن اسمه. ولم يُجب على أسئلة حول ما إذا كان ابنه متورطًا.
ولم يُجب أسامة وهبي على طلب للتعليق، كما لم تتمكن رويترز من تحديد مكان صفاء أحمد صالح.
إدارة "الشرع" عازمة على استعادة الأموال
صرح مسؤول كبير لرويترز بأن الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع عازمة على استعادة الأموال العامة التي نقلت إلى الخارج في الفترة التي سبقت سقوط الأسد، ذلك لدعم الاقتصاد السوري في ظل العقوبات ونقص العملة.
وأكد المسؤول لرويترز أن الأموال هربت خارج البلاد قبل الإطاحة بالحاكم السابق، دون تفصيل كيفية ذلك، مُضيفًا أن السلطات لا تزال تُحدّد وجهة الأموال.
وعندما سُئل رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع عن الطائرة في مقابلة مع رويترز، رفض التعليق.
