تقارير وتحقيقات | 12 04 2025

أصدرت وزارة المالية لدى الحكومة السورية الانتقالية، تعميماً يقضي بإيداع كافة الرواتب والأجور للعاملين في القطاع العام في حساب "شام كاش" ليصبح بذلك وسيلة رسمية لقبض الرواتب اعتباراً من الشهر المقبل.
وترافق هذا التوجه مع إعلان شركتي "الهرم" و"الفؤاد" للحوالات المالية عن بدء التعاون مع تطبيق "شام كاش" لتسهيل عملية سحب الرواتب.
ورغم الهدف المعلن للتطبيق في تسريع الدفع الإلكتروني وتعزيز الشفافية، فقد واجه هذا القرار ردود أفعال متباينة من قبل الموظفين.
وتمثلت المخاوف الرئيسية بشأن تطبيق "شام كاش" في القلق من ضعف الأمان الرقمي، خاصة مع تحميله من روابط خارجية غير رسمية، مما قد يعرض البيانات الشخصية للمخاطر. كما يثير القرار تساؤلات حول قدرة شركتي الصرافة على تغطية احتياجات الموظفين في مناطق ذات بنية تحتية ضعيفة، فضلاً عن القلق من فرض عمولات إضافية قد تثقل كاهل الموظفين.
تعميم وزارة المالية
ووفق التعميم الموقع باسم وزير المالية محمد يسر برنية، إن أوامر صرف الرواتب الواجب رفعها من قبل محاسبي الإدارة والمدراء الماليين في حساب "شام كاش" المفتوح لدى "مصرف سورية المركزي" يجب أن تكون مرفقة بملف "إكسل" يتضمن الاسم الكامل للعامل ورقم الحساب والمبلغ الصافي وفق النموذج المعتمد قبل تاريخ 20 نيسان الجاري، بحسب وكالة "سانا".
وبعد نحو شهر من سقوط النظام السوري، أصدرت حكومة تصريف الأعمال تعليمات لموظفي القطاع العام بفتح حسابات على تطبيق "شام كاش"، الذي سيُستخدم لصرف الرواتب. التطبيق كان مستخدماً سابقاً في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" عبر "حكومة الإنقاذ" ومرتبطاً بـ"بنك شام" (الذي كان يُعرف سابقاً بشركة "الوسيط" للصرافة).
رفع قوائم حسابات "شام كاش"
معاون وزير المالية لشؤون الموازنة والسياسة المالية، صالح العبد، قال لوكالة "سانا" في خبر نشرته أمس الجمعة، إن الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية رفعت القوائم التي تتضمن حسابات "شام كاش" للموظفين بعد أن قدم العاملون بيانات حساباتهم إلى المديرين الفرعيين في مؤسساتهم.
أما الذين لم يتمكنوا من فتح حساب على "شام كاش" أو تنزيل التطبيق لأسباب مثل كبر السن أو عدم امتلاك هواتف ذكية، أو عدم إلمام باستخدام التطبيقات، فإن رواتبهم ستصرف مباشرة عبر محاسبي الإدارة في الجهات التي يعملون بها، بعد تحويل قيمة الرواتب من حسابات "شام كاش" إلى محاسبي الإدارة المعنيين.
ووفق معاون الوزير، تأتي تلك الخطوة في سياق تسريع عملية الدفع الإلكتروني وتعزيز مبدأ الشفافية وتسهيل صرف المستحقات المالية للعاملين في القطاع العام.
كيفية استلام الراتب؟
وفق صفحة "شام كاش" على فيسبوك، يتم استلام الراتب الشهري المودع في حساب "شام كاش" عن طريق شركتي الهرم والفؤاد ابتداء من أيار المقبل.
وسيكون هناك عمولة مقتطعة من الراتب، أي حوالي 2500 ليرة سورية لكل 500 ألف ليرة سورية.
وقبل أيام أعلنت شركة "الهرم" للحوالات المالية أنها ستتعاون مع تطبيق "شام كاش" ليتمكن الموظفون من سحب رصيدهم الموجود ضمن التطبيق من خلال مراكز "هرم بيراميد". وبإمكان الشخص استلام رصيده بالدولار أو الليرة السورية.
كما أعلنت شركة "الفؤاد" للحوالات المالية قبل أيام عن إمكانية سحب الرصيد المودع في "شام كاش" عبر أي مركز من مراكز "الفؤاد".
اقرأ أيضاً: "شام كاش".. حل مالي للسوريين أم تهديد لأمنهم الرقمي؟
مخاوف وانتقادات
ورغم إعلان شركتي "الهرم" و"الفؤاد" عن بدء التعاون مع تطبيق "شام كاش" لتسهيل صرف رواتب الموظفين الحكوميين ابتداء من أيار المقبل، إلا أن هذه الخطوة أثارت موجة من المخاوف والانتقادات بين الموظفين في عدة مناطق سورية.
في الحسكة، يعبّر شكري، موظف حكومي، لروزنة عن قلقه من قدرة الشركتين على تغطية الأعداد الكبيرة من الموظفين قائلاً: "عندنا في شمال شرق سوريا الإنترنت ضعيف جداً، والاستخدام العام للتكنولوجيا محدود، فكيف سيتمكن الناس من التعامل مع التطبيق؟".
ويتابع: "والأصعب، هل فعلاً شركتا الفؤاد والهرم قادرتان على صرف الرواتب لعشرات الآلاف من الموظفين بشكل منتظم؟".
أما في حلب، فتبدو هيفاء، وهي معلمة، أكثر تحفظاً، وتقول لروزنة: "نحن أساساً نستلم الرواتب من المعتمدين التابعين لدوائر الحاسوب. أما أن تُنقل الرواتب إلى الهرم والفؤاد مقابل عمولة، فهذا مرفوض تماماً بالنسبة لي ولزملائي. وقد يأخذ وقتاً أطول من المعتاد، حتى البارحة هناك كثيرون لا يزالون يستلمون رواتبهم عن شهر آذار".
وتضيف: "لا أرغب أنا وأصدقائي باستخدام تطبيق شام كاش، خاصة مع بقاء الراتب على حاله رغم كل الوعود بزيادته".
ويبلغ متوسط الرواتب الحكومية 400 ألف ليرة سورية (33 دولاراً) وفق سعر "مصرف سورية المركزي"، إذ يبلغ سعر صرف الدولار 12 ألف ليرة سورية. في ظل وعود سابقة من الإدارة السورية برفع الرواتب إلى 400 بالمئة، في وقت يعاني فيه أكثر من 90 بالمئة من السوريين من الفقر.
ورغم التصريحات الرسمية التي تؤكد ضرورة استخدام التطبيق، أثار هذا التوجيه موجة من الجدل والمخاوف، خاصة في ظل غياب التطبيق عن المتاجر الرسمية مثل "غوغل بلاي" و"آبل ستور"، ما جعل البعض يشعر بعدم الأمان على بياناته الشخصية.
يوضح وليد، وهو معلم في منبج شرقي حلب، أن بعض الموظفين بدؤوا بتقديم بياناتهم لربطها بالتطبيق، وسط حالة من الترقب والحذر: "في منبج طلبوا منا أرقام حسابات شام كاش، ويبدو أن القرار سيشمل الجميع لاحقاً. الناس تخشى من اختراق الحسابات".
ويضيف: "على الجانب الآخر، لا يمكن إنكار أن استلام الراتب محلياً سيريحنا من أعباء السفر إلى حلب أو اللجوء للوسطاء والسماسرة، حين كان الموظفون سابقاً يسافرون إلى مدينة حلب لاستلام الراتب وقد يضطرون للمبيت في فندق لليلة من أجل ذلك".
من جهتها هدى، إحدى المعلمات في السويداء، تعتقد أن استلام الراتب سيكون بشكل أصعب مما كان عليه سابقاً ولا سيما أنه تم تحديد شركتي الهرم والفؤاد فقط لاستلام الرواتب، وتساءلت: ما مدى قدرة الشركتين على التطور والتوسع بما يخدم آلاف الموظفين؟
وتتابع: "اليوم نستلم رواتبنا من المصرف العقاري، هناك 6 صرافات، ورغم ذلك أعداد المنتظرين لاستلام الرواتب هائلة لكون قطاع التربية ضمن أحد القطاعات التي تضم أعداداً كبيرة من الموظفين".
ولم تقتصر الانتقادات على الشهادات الميدانية، بل امتدت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عبّر عدد من السوريين عن رفضهم أو تخوفهم من آلية صرف الرواتب الجديدة عبر "شام كاش".
إسماعيل الشحادة كتب في تعليق على "فيسبوك": "هل تستطيع مكاتب الصرافة فعلاً تسليم الرواتب في الوقت المناسب وبطريقة ميسّرة؟ هذه المكاتب تعاني أصلاً من ازدحام شديد، ولا تغطي كل المناطق، خاصة القرى النائية، مما يعني تكبّد الموظفين تكاليف إضافية للنقل".
ويتابع: "وفوق ذلك، هل لدى كل موظف القدرة على دفع ثمن باقة إنترنت ليتمكن من مراقبة حسابه وتحويل الأموال؟ هناك أيضاً خطر القرصنة، وقد يستيقظ الموظف ليجد أن رصيده قد سُحب دون علمه!"
من جانبها، تساءلت الأكاديمية والباحثة الاقتصادية رشا سيروب عن الإصرار على تحويل الرواتب إلى تطبيق "شام كاش"، مشيرة إلى أن ما يجري يُعد استثناء عن القاعدة المتبعة عالمياً في توطين الرواتب عبر المصارف.
وتساءلت سيروب عن الضامن الحقيقي للتطبيق، خصوصاً مع إعلان "بنك الشام" كجهة ضامنة رغم أنه غير مدرج ضمن قائمة المصارف الخاضعة لإشراف مصرف سوريا المركزي، وفق قولها.
ومن المصارف الخاضعة لإشراف مصرف سورية المركزي: "المصرف التجاري السوري" و"مصرف التسليف الشعبي" و"مصرف التوفير" و"المصرف الزراعي التعاوني" و"المصرف الصناعي" و"المصرف العقاري".
كما انتقدت اقتصار التوزيع على شركتي صرافة (الهرم والفؤاد)، مما قد يزيد الازدحام بدلاً من تخفيفه، متسائلة إن كان هذا التوجه يمنح شركات الصرافة دوراً يتجاوز ما ينص عليه القانون، على حساب المصارف العامة؟
وحذّرت سيروب من احتمال تحول الأمر إلى إثراء غير مشروع لصالح عدد محدود من الأفراد، خاصة في ظل اقتطاع عمولات قد تصل إلى مليارات الليرات شهرياً.
واختتمت منشورها بمطالبة وزارتي المالية والمصرف المركزي بتوضيحات رسمية، مؤكدة أن الشفافية في مثل هذه الملفات تمثل حجر أساس في عمل أي حكومة.
تجارب سابقة
وبدأ استخدام تطبيق "شام كاش" في إدلب منذ تموز 2024، لتسهيل تسليم الرواتب، ثم توسع استخدامه ليشمل معاملات مالية متنوعة.
تقول ياسمين، شابة من إدلب، لروزنة إنها تستخدمه لتحويل الأموال بسهولة، بينما يشير مهند إلى اعتماده على التطبيق لدفع فواتير الكهرباء وأقساط الجامعة، وسحب الراتب من مكاتب الصرافة أو فروع "بنك شام". ويؤكد مهند أن التطبيق يوفر الوقت والجهد، خاصة في الخدمات الأساسية، ويُستخدم أيضاً للدفع في بعض المحال التجارية، دون أن يواجه حتى الآن أي مشكلات أمنية.
ما هو تطبيق "شام كاش"؟
وفقاً للموقع الرسمي للتطبيق، التطبيق متاح لجميع أنواع الهواتف المحمولة ويسعى لـ"توفير منصة موثوقة وآمنة تتيح للمستخدمين إجراء المعاملات المالية بسهولة ومرونة، لتمكين الأفراد من إدارة شؤونهم المالية بكفاءة وشفافية".
ونشر الموقع الرسمي الشروط والأحكام التي يجب على المستخدم الموافقة عليها للبدء باستخدام التطبيق، مؤكداً أنها ملزمة قانونياً بين "بنك شام" والمستخدم، دون الحديث عن حقوق المستخدم أو الخصوصية أوحماية البيانات.
ما شروط استخدام التطبيق؟
وجاء في الشروط بأن المستخدم "يتحمل كامل المسؤولية عن صحة بيانات حسابه وعن حماية بيانات الدخول"، وأخلى المعنيون بالتطبيق مسؤوليتهم عن أي أخطاء نتيجة سوء استخدام التطبيق.
وشدد المعنيون بأن المستخدم يعتبر مسؤولاً مسؤولية تامة عن كافة العمليات والتحويلات التي تتم في الحساب، كما أنهم غير مسؤولين عن أي عملية احتيال يتعرّض لها المستخدم نتيجة استخدام نسخة مزورة.
وتخوّف سوريون من إغلاق المنصة بعد وصول الرواتب، فيما أوضح المعنيون على التطبيق بأنّ "بنك الشام" هو الضامن.
وكانت "هيئة تحرير الشام" حولت عام 2018 شركة "الوسيط" للحوالات المالية إلى بنك مالي باسم "بنك الشام" في مدينة إدلب لتوفير الخدمات المصرفية في المنطقة، بما في ذلك تحويل الأموال وصرف الرواتب والتمويلات الصغيرة.
وحاول القائمون على التطبيق طمأنة المستخدمين بأن هناك عدد من المبرمجين القائمين على حماية البرنامج من أي عملية اختراق للمنصة.
تحذيرات من الخبراء
يحذر خبراء الأمن الرقمي من تحميل تطبيق "شام كاش" من خارج المتاجر الرسمية، ما يجعله عرضة للثغرات والاختراقات.
الخبير مازن نصر خلال حديثه مع روزنة يشير إلى غياب جهة ضامنة لأمن البيانات، وافتقار التطبيق إلى آليات حماية ومعايير واضحة، إضافة لغياب الشفافية حول الجهة المطوّرة.
من جهته، يؤكد الخبير التقني مهران عيون، لروزنة، أن التطبيق يفتقر لوثائق قانونية أساسية مثل سياسات الخصوصية وحقوق المستخدمين، ولا يتضمن تفاصيل عن إجراءات الأمان أو الجهات الرقابية عليه.
وينصح الخبراء باستخدام هاتف خالٍ من البيانات الشخصية لتحميل التطبيق، والحد من الأذونات الممنوحة، مع سحب الراتب فور وروده وتجنّب إدخال معلومات حساسة. كما يُوصى بالحذر من الروابط المشبوهة، واستخدام كلمات مرور قوية، وتجنّب شبكات Wi-Fi العامة.