تقارير وتحقيقات | 1 04 2025

تشهد أسواق مدينة حماة ازدحامًا مع قدوم عيد الفطر، يترافق مع ضعف القدرة الشرائية للأهالي بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، إذ يعاني نصف سكان سوريا من فقر مدقع، فضلاً عن تأثر العائلات بشكل كبير بارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع قيمة الليرة.
تعول نسبة من العائلات على الحوالات الخارجية كبديل رئيسي لتلبية الاحتياجات، لكن تبقى المحال تعرض الألبسة وحلويات العيد وسط ضعف كبير في القدرة الشرائية، في أول عيد فطر يمر على البلاد بعد سقوط النظام السوري السابق في كانون الأول الفائت 2024.
شراء من البالة
مع اقتراب عيد الفطر، تجد الأسر نفسها أمام ضرورة شراء ملابس جديدة للأطفال، في وقت شهد فيه شهر رمضان ارتفاعًا كبيرًا في المصاريف الأساسية، ما يضع العائلات في مواجهة صعبة مع محدودية الدخل.
غادة العاشق، ربة منزل في الثلاثينيات من عمرها، ترى أن هذه السنة تختلف تمامًا عن السنوات السابقة، إذ لم تستطع شراء ملابس جديدة لأولادها الثلاثة.
وتقول إنها اضطرت لشراء ملابس من البالة بأسعار منخفضة تناسب دخل أسرتها الشهري الذي لا يتجاوز الـ 400 ألف ليرة.
من جانبه، بيّن سمير، أحد أصحاب محال الألبسة، في حديث مع روزنة، أن التسوق أصبح "حكراً على الأغنياء (...) حتى الطبقة المتوسطة التي كانت تحاول تأمين ملابس العيد لأطفالها، تراجعت قدرتها على الشراء بشكل كبير، حيث باتت تقتصر على الضروريات فقط".
وعزا التاجر السبب إلى الانخفاض في سعر الدولار، مع ثبات الأسعار ما جعل القوة الشرائية للناس أضعف من أي وقت مضى.
ووفقاً لبيانات "مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة" مطلع العام الجاري، بلغ وسطي تكاليف معيشة أسرة من خمسة أفراد نحو 14 مليون ونصف المليون ليرة سورية (1200 دولار) شهرياً، في وقت يبلغ متوسط راتب موظف حكومي 400 ألف ليرة سورية.
ورغم صدور قرار منتصف الشهر الجاري، ينص على صرف منحة مالية تعادل راتب شهر واحد للعاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين بمناسبة عيد الفطر، إلا أن الكثيرين لم يحصلوا عليها.
الحوالات الخارجية
في ظل التحديات الاقتصادية المتفاقمة، تنتظر أم أحمد من سكان مدينة حماة، شهريًا الحوالة التي يرسلها ابنها المقيم في ألمانيا، إذ تعتمد عليها بشكل أساسي، "راتبي وراتب زوجي لا يكفيان سوى لعشرة أيام مصروف"، قالت لروزنة.
وتشرح السيدة الخمسينية، صعوبة الواقع المعيشي الذي تواجهه معظم العائلات في المدينة، موضحة أن غياب المدخول المادي الثابت وارتفاع الأسعار الكبير جعلا الأسر تعتمد بشكل شبه كلي على الحوالات المالية التي يرسلها أبناؤها من الخارج.
وترى أنه "بات من النادر العثور على عائلة مكتفية ماديًا دون أن يكون لديها فرد من أقاربها في المهجر، يرسل لها مبلغًا شهريًا للمساهمة في تأمين الاحتياجات الأساسية".
إلى ذلك، أثر انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار الأمريكي على قيمة الحوالة الواردة، كما توضح أم أحمد قائلةً: "قبل سنوات كان مبلغ 200 دولار شهريًا كافيًا لتغطية احتياجات الأسرة طوال الشهر، أما اليوم، بالكاد يكفي لأسبوعين".
وتشكل الحوالات الخارجية مصدراً رئيسياً لدعم ملايين السوريين الذين يواجهون الفقر المدقع، وتعتبر كـ"شريان الحياة والمنقذ الحقيقي لهم" كما وصفتها دراسة سابقة لمركز "حرمون للدراسات المعاصرة" في ظل معاناة أكثر من 90 بالمئة من السوريين من الفقر.
ووفق تقرير لـ"الأمم المتحدة" مطلع العام الجاري، يحتاج نحو 16.7 مليون شخص، ما يزيد عن ثلثي سكان البلاد، إلى أحد أشكال المساعدة الإنسانية، وهناك سبعة ملايين نازح داخلياَ، فيما تستمر معدلات سوء التغذية المزمن في الارتفاع.
وصنف تقرير الأمم المتحدة، سوريا في المرتبة 158 من أصل 160 دولة في "دليل الإسكوا" لتحديات التنمية في العالم لعام 2024، مشيراً إلى مشكلات متجذرة في الحوكمة، والتدهور البيئي، وانتشار الفقر بشكل واسع.
تحرير الأسعار وتعزيز الرقابة
محمد الحلاق، المشرف على مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حماة، أكد أن توجهات وزارة التجارة الحالية تعتمد على سياسة تحرير الأسعار والسوق الحرة، بهدف تعزيز التنافسية بين التجار في الأسواق وتحفيز آليات العرض والطلب.
وأشار الحلاق، في حديثه لـ "روزنة"، إلى أن المديرية كثّفت دوريات الرقابة خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان وقبيل عيد الفطر، خاصة في أسواق الملابس، لضمان التزام التجار بإعلان الأسعار بشكل واضح، وحماية المستهلكين من أي عمليات استغلال.
وأضاف أن المديرية تتابع الأسعار بشكل دوري، وتعمل على رصد أي حالات احتكار أو ارتفاع غير مبرر للأسعار، مع تدخل جهاز الرقابة وحماية المستهلك عند رصد أي مخالفة، عبر اتخاذ العقوبات والإجراءات القانونية اللازمة لضبط الأسواق والحفاظ على حقوق المستهلكين.
حبس السيولة يعيق التعافي
يرى الدكتور إبراهيم قوشجي، أستاذ الاقتصاد في "الجامعة الوطنية الخاصة"، أن سياسة البنك المركزي الحالية المتمثلة في حبس السيولة لفترة زمنية طويلة تفتقر إلى المبررات الاقتصادية.
وأشار الأكاديمي السوري إلى أن مثل هذه الإجراءات تُتخذ عادة لفترات قصيرة ولأهداف محددة، إلا أنها في الحالة السورية أصبحت عاملاً يعيق التعافي الاقتصادي في البلاد.
وأوضح القوشجي لروزنة، أن تقييد سحب الأموال من البنوك أدى إلى زيادة الطلب على الليرة السورية في السوق، ما أسفر عن ارتفاع قيمتها بنسبة 50% مقابل الدولار الأمريكي.
وشدد على أن هذا الارتفاع لا يستند إلى أسس اقتصادية قوية، ما يجعله غير قابل للاستمرار بمجرد إعادة ضخ السيولة في السوق والسماح للمواطنين بالسحب والإيداع دون قيود.
800 مليار خسائر الاقتصاد
خسر الاقتصاد في سوريا 800 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي خلال 14 عاماً من الحرب، وترافق ذلك بتدمير البنية التحتية للخدمات الحيوية الرئيسية بالبلاد، وفق كلام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
ودعا غوتيريس، المجتمع الدولي إلى التحرك عاجلاً للاستثمار في سوريا ودعم تعافيها، من خلال توسيع الدعم الإنساني وإزالة العقوبات والقيود الأخرى المفروضة على اقتصاد البلاد.
وأكد حينها على ضرورة دعم الجهود الدولية المبذولة لضمان انتقال سياسي شامل في سوريا، والعمل على إنشاء مؤسسات تخدم جميع المواطنين وتحميهم.
ووسط وعود بمضاعفة الراتب إلى 400 بالمئة منذ شهرين، ما تزال البلاد تعيش أزمة اقتصادية وسط عملية التأخر في صرف رواتب العاملين، وصرف مئات الموظفين من وظائفهم من قبل حكومة تصريف الأعمال السابقة.
ويرى خبراء اقتصاد، بأنّ البلاد ما تزال تعاني من آثار الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تركت مؤسسات في الدولة عاجزة عن استعادة نشاطها الكامل، وأن تحريك عجلة الاقتصاد والخروج من الركود الحالي لن يكون أمرًا سهلًا أو سريعًا، ما يزيد من من معاناة الأسر.