مدونات | 31 03 2025

تنتشر منذ ساعات الصباح الباكر، صور ومقاطع مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي توثق فرحة السوريين والسوريات بعيد الفطر الأول بعد سقوط النظام السابق، لكن ترافقها "غصّة" لدى المغتربين واللاجئين في دول الشتات الباردة.
هناك، في سوريا، ما زالت الشوارع تحتفظ بصوت العيد. وهنا، في أوروبا، العيد مجرد إشعار جديد يصل إلى الهاتف.
هذا النص جاء بعد تفكير وتردد حول كتابة تقرير عن فرحة الأطفال بالعيد، عن الذكريات، عن غلاء الأسعار في سوريا، عن الصلاة في القصر الجمهوري، لكن كتبت السطور التالية كبوح شخصي، ستنشر في قسم المدونات وليس التقارير، فقط لمراوغة القواعد التحريرية لا غير!.
"غصّة".. لكن لماذا؟
نعم، غصّة.. وسجّل الأسباب:
اليوم الاثنين، هو يوم عمل اعتيادي للاجئين السوريين والمغتربين في أوروبا، ففي الوقت الذي بدأت إشعارات الصور والمقاطع المصورة من سوريا تصل عبر مواقع التواصل، كان السوريون في "الشتات" بالحافلات أو السيارات أو على دراجاتهم، يتجهون إلى أعمالهم.
اليوم الاثنين، هو يوم مدرسي اعتيادي لأبناء السوريين في أوروبا، فمع وصول صور أطفال سوريا من المساجد وبزيارة للمقابر قبل التوجه لساحات اللعب أو أخذ العيديات في "الحارة"، كان أطفال السوريين في "الشتات" يجهزون الحقائب ليبدؤوا يوماً روتينياً لا "عيديات" فيه.
اليوم الاثنين، يسأل السوري غالباً نفسه: "لماذا اللباس الجديدة؟ كشفت التمثيلية السنوية بشرائها وارتدائها في البيت؟! كشفت معها أيضاً مسرحية توزيع العيديات؟! ما قيمتها لطفل نام بعين واحدة منتظراً الصباح، يستمتع بحلاقته، يتوقع أرباحه العيدية.. لا شيء!".
بالحديث عن الأطفال السوريين في العيد، شاهدوا الصورة من مراسلنا في القامشلي، دون الحاجة لأي وصف مرفق.
وهذه أيضاً، لاحظ الأناقة والسعادة مع حلاقة العيد وإشارة النصر، ولا تفوّت المصور أو لاعب "الببجي" على يسار الشاشة، وصلتنا كـ"هدية عابرة للقارات" صباحاً من مراسل روزنة في معرة النعمان، في أول عيد لأهلها العائدين، ممن هجرهم الأسد.
على ذكر حلاقة العيد والازدحام و"واسطات" حجز الدور حتى الفجر وتقمص الحلاقين دور "الملوك والأمراء" بعدم الرد على الاتصالات وتأجيل المواعيد وتقديمها وإعطاء مهلة نهائية قبل إغلاق المحال صباح أول أيام العيد.. كل هذا لا وجود له في أوروبا!.
اليوم الاثنين، هو عطلة الحلاقين في أوروبا، وأمس كان أول أيام العيد، وإن كان حلاقك مغاربياً أو تركياً أو سورياً، كان يغط في نوم عميق بعد إرهاق شهر رمضان "إذاً،لا حلاقة عيد في هذه البلاد!".
كاتب التدوينة بحاجة أن يحلق شعر رأسه بأسرع وقت، وأول ما لفت نظره عند وصول صورة بشار الفارس مراسلنا من سلقين، حلاقة هذين الشابين!.
النساء يستعدن أيضاً ليوم عمل طويل، ولا طاقة لهن بعد خمس أو عشر أو ثلاث سنوات لجوء واغتراب، أن يفكرن بتصفيفة شعر وإطلالة خاصة للعيد، فالسؤال المكرر منهن أيضاً: "ألا يكفي الضحك على أنفسنا نحن والرجال بهذه الحركات لأغراض انستغرامية!".
وهذه صورة من "الشهباء"، وابتسامات وفرحة أهل حلب.
ماذا عن احتفال أمس؟
أمس الأحد، قد تكون قد صادفت قارئ هذه السطور صوراً لسوريين في أوروبا احتفالاً بالعيد.
إليك ما لا يخبرك عنه كثر: غالباً، تقتصر على أداء صلاة العيد، وبعد التقاط الصورة وتحميلها في "ستوري انستغرام"، يذهب كل إلى منزله أو نحو اجتماع عائلي "بارد" ينفض باكراً للاستعداد ليوم العمل والدوام غداً (أي اليوم) لمن كان حوله "جالية من عائلة أو اثنتين!".
صحيح أن أمس الأحد، أول أيام عيد الفطر في أوروبا، لكن "فايسبوك" و"انستغرام" السوريين في فرنسا وألمانيا وهولندا والسويد والنمسا وبلجيكا، لم يشهد نشاطاً بكتابة المعايدات. ضبط الغالبية مواعيد منشوراتهم ومباركاتهم وأمانيهم، على توقيت دمشق، صباح اليوم!.
إليك فاصل بصري.. بعدستنا من دمشق.
أعود بك إلى أوروبا: أمس الأحد، بالمناسبة، كان الجو بارداً، والمحلات مغلقة فأنت في حضرة ثاني أيام عطلة الأسبوع، والساحات فارغة إن كنت في بلدة صغيرة أو مدينة ألمانيا وهولندية (ينامون باكراً).
أما ما يصور لك عن تجمعات المحتلفين من جاليات عربية أو تركية أو إفريقية مسلمة، فقسم من السوريين نجح في الانخراط بها، بينما فشل كثر بمجاراة طقوس وثقافات أقرانهم المغتربين القدامى.
استمتع بهذا المقطع المتداول من دمشق.
"عودوا.. لماذا لا تزورون البلاد؟"
سؤال قد يراودك عزيزي القارئ إن كنت في سوريا أو جوارها أو الخليج، لكن هذا العيد الحسرة مضاعفة لدى نسبة واسعة من السوريين في أوروبا. النظام الذي حرموا بسببه العودة، سقط، لكن قوانين اللجوء لا تسمح لهم بزيارة البلاد "وإلّا..!!".
من حصل على الجنسية، فهو بحاجة إلى نحو 700 يورو فقط (إن توفق) لحجز تذاكر طيران للشخص الواحد، وإن كانت زيارة العيد لعائلة فالميزانية تتضاعف وتتضاعف، ومتوسط الرواتب بين 1600 إلى 2000 يورو "فالأمر يحتاج لآلة حاسبة وترتيبات.. حتى العيد القادم!".
أما حاملي بطاقة إقامة اللاجئ ووثيقة سفره، فتواجههم مشكلة المال غالباً ومعضلة منع الدول الأوروبية الحاصلين على حق اللجوء من زيارة بلدانهم الأصل.
مع سقوط النظام أصدرت فرنسا مثلاً تسهيلات للاجئين بمنحهم استثناء لزيارة استكشافية إلى سوريا، لكن حتى مع ميزة كهذه، "الكل ينتظر الكل أن يجرب"، خوفاً من تعقيدات بالمطارات واحتمالية مساءلات عند تجديد الإقامة "يجري الحديث عنها في جروبات الفايس!".
الصور القادمة من سوريا، أصدق "عيدية" للسوريين في الشتات، فالوحيد بعمله أو منزله في أمستردام أو باريس أو برلين أو ستوكهولم "الباردة"، سيحصل على جرعة تخدير من صور الأطفال وكبار السن أو العراضات، وصلاة العيد في جامع الحي إن لم يكن مدمراً طبعاً.
الصورة الأخيرة بعنوان: "بركتنا الذين نشتاق لعناقهم بعد صلاة العيد".
وما بعد الأخيرة، من دمشق أيضاً بعنوان: "بركتنا الذين نشتاق لعناقهم بعد صلاة العيد".
فرحة من كتب النص، كبيرة هذا العام بعد أن تنفست البلاد الحرية وزال استبداد "الأبدية". فرحة صادقة وبعد أن زالت أسباب حرمانه من حقه بزيارة بلده. فرحة لعودة أمل لزيارة من تبقى أو قبر لحبيب، واحتفال كامل الأركان يوماً ما، هناك في شوارعها الحبيبة.
انتهى النص، قد تراه كئيباً وسيلامسك ربما إن كنت مغترباً، والآن، سيتجهز معده لتوظيب أغراضه فالعمل شارف على الانتهاء، وسيسابق الزمن ليصطحب طفله من مدرسته، ويحدثه عن العيد في سوريا، يعده بزيارتها في عيد ما، فحلم العودة، لم يعد مستحيلاً بعد اليوم.