تقارير وتحقيقات | 26 03 2025

شكّل سقوط النظام السوري السابق فرصة للنازحين للعودة إلى مدنهم وقراهم، إلا أنّ العودة لنازحي حماة وإدلب يرجح أنها غير قريبة، جراء تعرض المدارس في قراهم للتدمير وعمليات الهدم لسلب الحديد على يد النظام السابق، ما أدى لخروجها من العملية التعليمية.
يحاول النازحون من ريف حماة الغربي وريف إدلب الجنوبي، ومنهم محمود الإبراهيم العودة إلى قراهم المدمرة، لكن غياب المدارس يحول دون ذلك وسط مطالبات الأهالي لإعادة إعمار المنشآت التعليمية بأسرع وقت.
ويبلغ عدد المدارس المدمرة حوالي 572 مدرسة في محافظة حماة وحدها، ما يجعل استمرار التعليم في المناطق التي نزح عنها أهاليها على مدار السنوات الماضية، تحديًا كبيرًا، وفق شهادات لعدد من النازحين.
وكشفت منظمة اليونسيف أمس الثلاثاء، في تقرير لها حول واقع حقوق الطفل ومستقبلهم في سوريا، أن أكثر من 40 بالمئة من أصل حوالي 20,000 مدرسة في البلاد لا تزال مغلقة.
لا عودة بدون مدارس
محمود الإبراهيم، خمسيني يقيم في قرية الغدقة بريف معرة النعمان الشرقي، يرى أن عودته إلى بلدته أمر بالغ الصعوبة في الوقت الراهن.
ولم يتخذ الإبراهيم قرار العودة، موضحاً السبب: "عودتي إلى قريتي مستحيلة لأنني ملتزم بوجود أبنائي في المدارس حيث أقيم الآن في كفر تخاريم على الحدود السورية التركية".
وعاد الرجل الخمسيني إلى قريته بغرض الزيارة بعد سقوط النظام، ليجدها بدون المدارس التي سويت بالأرض، أو جرّدت من أسقفها وهياكلها بغرض نهب الحديد منها.
ويطالب محمود بإعادة إعمار البنية التحتية في قريته وكذلك المدارس حتى يتمكن من العودة وإعادة بدء حياته مع أسرته من جديد.
ورصدت لقطات جوية لروزنة، صفوفاً مدرسية بلا أسقف، عملت قوات النظام على هدمها لسحب الحديد منها لبيعه بأسعار زهيدة، المشهد الذي تكرر في قرى وبلدات عدة عاد إليها النازحون والمهجرون في ريفي حماة وإدلب.
اقرأ أيضاً: "النظام عفّش منازلنا وعرّاها".. عن عودة مهجري ريف إدلب وحماة المستحيلة
أطفال بدون تعليم
في حين قرر الإبراهيم عدم العودة إلى قريته، هناك من عاد لكنه حرم أطفاله من التعليم لعدم وجود مدارس في قراهم كما حدث مع منذر.
وقال منذر لروزنة: "لدي ستة أطفال منقطعين عن التعليم منذ عودتي إلى قريتي العمقية في سهل الغاب وذلك بسبب دمار المدارس والقرية نتيجة القصف الذي تعرضت له".
وأضاف، بأنّ أولاده في الصف الأول، والثاني، وطفلة في الصف الثالث، وأخرى في الصف السابع، وجميعهم دون تعليم الآن.
ما حدث مع منذر يكاد ينسحب على جميع السكان الذين عادوا إلى القرية، والتي يبلغ عدد سكانها 1500 عائلة، مقدراً أن ما يقارب 300 عائلة عادت بعد رحلة نزوح طويلة، جميع أطفالها دون تعليم حالياً.
أيضاً، طالب منذر الجهات المعنية أن تسرع في إحداث المدارس أو ترميمها لتلقي الطلاب التعليم.
وحسب يونسيف" يوجد أكثر من 2.4 مليون طفل خارج الفصول الدراسية وأكثر من مليون في خطر ترك الدراسة في سوريا.
المدارس: مقرات عسكرية
في عام 2012 وأثناء دخول قوات النظام السابق إلى بلدات الزيارة بريف حماة الغربي، حوّلت المدارس والمنشآت التعليمية إلى ثكنات عسكرية.
وسيطرت قوات النظام السابق على روضة الأطفال وحولتها كمقر عسكري ثاني، كما استولت على المدرسة الوسطى في البلدة ذاتها وهي المدرسة الإعدادية وحولتها إلى نقطة تمركز لعناصرها.
وخلال تلك المعارك التي دارت دمرت مدارس ريف حماة الغربي بشكل كامل، إلى جانب قيام قوات النظام بسحب حديد المدارس المدمرة وبيعه بأرخص الأثمان.
يشير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" في تقرير له عام 2022 إلى سرقة الحديد من أسقف المنازل في ريف إدلب الجنوبي بعد هدمها من قبل قوات النظام (والميلشيات) المساندة"، بهدف الاستفادة مادياً من ممتلكات النازحين والمهجرين إلى المخيمات.
ما خطة مديرية التربية؟
خالد الفارس المشرف التربوي في منطقة سهل الغاب أوضح لروزنة أن أغلب المدارس التي كانت خارج سيطرة النظام وخاصة في ريف حماة الغربي وجبل شحشبو وريف حماة الشمالي تم ترميمها من قبل تربية حماة الحرة في عام 2017.
وبعد سيطرة النظام على المنطقة قام بتدمير أغلب المدارس وذلك أما بالقصف أو بهدمها وسحب الحديد منها وبقيت هذه المدارس عبارة عن أبنية مدمرة.
من جهته، قال المدير المساعد للتعليم الثانوي طه الجودي لـ "روزنة": "إن عدد المدارس المدمرة على مستوى محافظة حماة بلغ 572 مدرسة وأن عدد الطلاب في هذه المدارس 68320 طالب وإجمالي عدد طلاب المحافظة 380000 طالب وطالبة".
وأوضح أن خطة مديرية التربية والتعليم تتجه نحو وضع الطلاب المتواجدين في القرى المدمرة مدارسها بأقرب مدرسة لسكنهم ريثما تتم عمليات إعادة الصيانة والتأهيل للمدارس.
مؤكداً في حديثه لـ "روزنة" أنّ المدارس بشكل عام بحاجة إلى إعادة تأهيل نظرا لتدميرها بنسب كبيرة.
وأكد مدير الأبنية المدرسية في وزارة التربية بحكومة تصريف الأعمال المهندس محمد الحنون، لوكالة سانا الأسبوع الفائت، أن الوزارة عملت على تقييم احتياجات 1411 مدرسة، حيث بدأت بترميم 260 مدرسة في مختلف المحافظات.
8 آلاف مدرسة مدمرة
وفق الإحصائيات الأولية التي أجرتها وزارة التربية بعد سقوط النظام السابق، بلغ عدد المنشآت التعليمية المدمرة حوالي 8 آلاف، حسب ما نقل موقع "هاشتاغ".
وقسمت إلى ثلاثة أقسام، الأول نحو 500 بناء مدرسي يحتاج إلى إعادة تأهيل بالكامل، والثاني يحتاج إلى صيانة ثقيلة ويبلغ عددها نحو ألفي بناء مدرسي، أما القسم الثالث فهي الأبنية المدرسية التي تحتاج لصيانة ثقيلة ويبلغ عددها نحو ألفين.
وكشف مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة التربية والتعليم السورية، يوسف عنان في تصريحات نقلها "هاشتاغ"، عن خطط بديلة من خلال العمل بالشراكة مع الجهات الفاعلة والمنظمات- على تفعيل مدرسة في كل مركز حضري.
تأتي التوجهات، حسب "عنان" لاستيعاب الأطفال القادمين من المخيمات وبلدان الاغتراب، في مناطق شمالي حماة وجنوبي إدلب وغربي حلب وشرقي اللاذقية، المدمرة والمهجر أهلها منذ أعوام.
سنوات الحرب في سوريا دمرت حيوات أطفال سوريا وهناك حاجة لعمل الجميع بشكل عاجل لضمان استعادة كل طفل لطفولته ووصوله إلى التعليم والعيش في حياة خالية من العنف والخوف، على حد وصف المديرة التنفيذية ليونسيف كاثرين راسل.
وكشف تقرير "يونسيف" أن أكثر من 75 بالمئة من أطفال سوريا البالغ عددهم نحو 10.5 ونصف مليون طفل، ولدوا خلال الحرب في سوريا، ما يعني أنهم عاشوا طفولتهم بأكملها في ظل التهجير والعنف والدمار "أصبح تأمين مستقبلهم أكثر أهمية من أي وقت مضى".