تقارير وتحقيقات | 21 03 2025

احتفالات أكراد سوريا بعيد "نوروز" والذي يعني "اليوم الجديد" بدت هذا العام مختلفة، إذ لم يقتصر الاحتفال على مناطق عفرين والحسكة والقامشلي كما اعتاد السوريون لتضييق أمني ومنع من قوات النظام السابق، بل امتد أمس الخميس إلى قلب دمشق والساحل.
وأضاء المحتفلون والمحتفلات بشعلات عيد النيروز، ساحات في العاصمة للمرة الأولى منذ عقود وعلت الأغاني والرقصات والأهازيج، إضافة لاحتفالات في أرجاء مختلفة بمنطقة الجزيرة وريف حلب وحلب المدينة إضافة لاحتفالية في السويداء بساحة "الكرامة".
في الـ 21 من آذار يحتفل السوريون في مناطق مختلفة بعيد "النوروز" ويعتبر أول يوم في السنة الكردية، يشعلون النيران ويرقصون على الأغاني الشعبية المترافقة مع الزغاريد، مرتدين الألبسة التراثية التي تحمل ألوان الربيع.
شاركت روزنة تقاريراً مصورة حول الاحتفالات التي خرجت في مختلف المناطق السورية مثل دمشق والسويداء وعفرين، إذ تشير النيران إلى الحرية وتعني النور وزوال الظلم والظلام، ويحتفل بالنوروز كذلك شعوب في إيران وأفغانستان والهند، إلا أن له خصوصية كردية.
في دمشق
في حي ركن الدين الدمشقي، أحيا الأكراد عيد نوروز للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، وذلك بعد سقوط النظام السابق أواخر العام الفائت.
سار العشرات وسط الحي رافعين العلم المعروف باسم "علم كردستان" الذي يتوسطه شمس صفراء ترمز إلى النيروز والحرية والنور، والبعض حمل شعلة النار "شعلة كاوا الحداد"، وآخرون هتفوا، وسط إطلاق الألعاب النارية في السماء.
كذلك اجتمع السوريون في المركز الثقافي بمشروع دمر، لمشاهدة العروض المسرحية الغنائية التي أداها شباب وشابات يرتدون الزي التراثي الكردي، وفق موقع "سوريا 24".
وتشير تقارير حقوقية أن النظام السوري السابق اتبع منذ الستينيات سياسات قمعية تجاه الأكراد، حيث نظر إليهم كتهديد محتمل لوحدة الدولة بسبب مطالبهم الثقافية والحقوقية، ومن بين هذه السياسات.
ومن بين سياسات التمييز التي اتبعها لعقود النظام السابق، كان منع الاحتفال بعيد نوروز، باعتباره رمزاً قومياً كردياً يعزز الهوية الكردية، في إطار سياسة قمع الهوية الكردية، لأنها ترى فيها تهديداً لوحدة سوريا العربية، حسب تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش".
ووفق تقرير "هيومن رايتس ووتش" بعنوان "إنكار الوجود: قمع الحقوق السياسية والثقافية للأكراد في سوريا" الصادر في 26 تشرين الثاني 2009، قامت السلطات السورية بقمع الاحتفالات بعيد النيروز على مدى ثلاث سنوات متتالية.
ووثقت المنظمة أن قوات الأمن السورية قمعت ما لا يقل عن 14 تجمعاً سياسياً وثقافياً كردياً عاماً منذ عام 2005، بما في ذلك احتفالات النيروز، وغالباً ما لجأت إلى العنف لتفريق التجمعات.
في عفرين
احتفل السوريون في عفرين بعيد النوروز، أمس الخميس، مرتدين الزي التراثي، وعلى الجبال والمرتفعات وبين الأشجار أشعلوا النيران، وفي الساحات تجمعوا ورقصوا حول شعلة النار.
ورفعوا خلال الاحتفالات العلم الكردي إضافة إلى علم الثورة السورية.
عودة النيروز إلى الساحل
الساحل السوري الذي شهد مؤخراً أحداثاً عنيفة، أشعل سوريون في بعض ساحاته شعلة النوروز احتفالاً بالعيد، وبخاصة في رأس العين بجبلة.
البعض أشار على وسائل التواصل إلى أنّ عيد النوروز عند "العلوية" يسمى بـ"العيد الرابع" أو "النيروز" وأيضاً يحتفلون به.
وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تبادل السوريون بكافة أشكالهم وأديانهم وأطيافهم التهاني بمناسبة "عيد نوروز" وتمنوا السلام للجميع.
ووجهت صفحات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رسائل جاء في واحدة منها: "نوروز ليس مجرد عيد للكرد، بل هو عيد لكل من يؤمن بالحرية. وجودكم اليوم معنا هو رسالة حب ووحدة، رسالة تقول إننا سنبقى معاً، نفرح معاً، نحزن معاً، وننتصر معاً".
في القامشلي
بدأت تحضيرات عيد النوروز في القامشلي وشمال شرقي سوريا قبل أسبوع، من خلال إيقاد شعلة النوروز في الساحات، إذ خرج أمس ، آلاف السوريين إلى الشوارع وأشعلوا شعلة النوروز، مرتدين الزي الفلكلوري الكردي، مع الأهازيج والأغاني، وفق مراسل روزنة.
أما الفرق الفلكلورية بدأت للتحضير لعيد النوروز قبل شهرين من موعده.
ويشارك الفنان السوري سميح شقير، المشهور بأغانيه الثورية، احتفالات النوروز في القامشلي اليوم الجمعة.
وانتقد ناشطون سوريون عبر مواقع التواصل عدم رفع العلم السوري (علم الثورة) في احتفالات القامشلي، بينما رفعت رايات أخرى وصور لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان.
وسبق أن شهدت القامشلي احتجاجات كردية واسعة قبيل احتفالات النوروز عام 2004 بعد إطلاق قوات النظام النار على مشجعي كرة قدم أكراد تورطوا في شجار مع المشجعين العرب لفريق منافس.
وأدت الاحتجاجات لمواجهات دامية وسقوط قتلى واعتقالات جماعية، وفق "هيومن رايتس ووتش"، وفي عام 2008 أطلقت قوات النظام النار على المشاركين في احتفالات النوروز في القامشلي ما أدى إلى مقتل عدة أشخاص.
اعتداء في الرقة واتهامات بـ"الاستفزاز"
قال ناشطون والقائمون على شبكة "الرقة تذبح بصمت" أن رجلاً تعرض لاعتداء وصف بـ"الوحشي" من مجموعة تتبع لـ"الشبيبة الثورية ونازحين من منطقة الشهباء"، إثر احتجاجه على تطاير المياه عليه عند مرور سياراتهم المسرعة في الاحتفالات بالأجواء الماطرة.
وقالت "الشبكة" عناصر "الشبيبة الثورية" المتهمة بارتكاب انتهاكات على مدار السنوات الماضية، إن المجموعة انهالت بالضرب على الرجل الذي كان رفقة زوجته، موجهين له عبارات وصفت بـ"العنصرية بحق العرب"، وفق "الرقة تذبح بصمت".
كذلك، رفعت "الإدارة الذاتية" و"قوات سوريا الديمقراطية" صوراً قائد "حزب العمال الكردستاني" في احتفالين بمدينتي الرقة والطبقة صباح اليوم الجمعة، مع عبارة "الحرية الجسدية للقائد آبو (لقب أوجلان) ضمان المجتمع المدني.
واعتبر ناشطون محليون ذلك استفزازاً جديداً لأهالي الرقة في "تقويض أي فرصة للتفاهم أو الاتفاق بين “قسد” ودمشق، وسط صمت لافت من السلطات السورية تجاه هذه التجاوزات، حسب ما نقلته شبكة "الرقة تذبح بصمت".
في السويداء.. احتفال بالتنوع
كذلك احتفل السوريون في ساحة الكرامة بمدينة السويداء بعيد النوروز، واصفين إياه بأنه "عيد ثوري بامتياز" خلال تقرير مصور لروزنة.
وجدّد خلال الاحتفال السوريون رفضهم في أن تكون سوريا لون واحد، مؤكدين أنها لن تكون سوى دولة ديمقراطية غنية بتنوعها.
طقوس النوروز.. أيقونة للأمل والفرح
ترتدي العائلات الكردية في النوروز الزي التقليدي المزركش بالألوان الفاتحة، كما أن مظاهر الاستعداد لاحتفالات "نوروز" تشمل ترتيب السيدات لمنازلهن أو تغيير أثاثها قبل بضعة أيام من حلول المناسبة التي تعتبر الأهم بالنسبة للأكراد السوريين.
كما يتم الاستعداد له من خلال تزيين كل من النساء، والرجال، والصغار باللباس الكردي التقليدي، ثمّ الخروج به من المنازل إلى الطبيعة، وطهي الأطباق التقليدية، بالإضافة للتراشق بالماء، كرمز للتطهير.
تبدأ مظاهر الاحتفال بالنوروز منذ ليلة العشرين من آذار تسمى "ليلة نوروز" وهي تذكر بتلك الثورة التي قادها كاوا الحداد، وفيها يتم إشعال النار على قمم الجبال وفي الروابي والأماكن العامة.
وتعتبر أهازيج الفرق والدبكات الكردية من أهم مظاهر الاحتفال بالمناسبة، حيث ينظم مهرجان غنائي شعبي تتخلله مقاطع شعرية تتحدث عن الثورات ضد الطغاة وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل.
كما تستمر الاحتفالات حتى صبيحة اليوم التالي، حيث يتوجه الناس إلى البرية لمعانقة الطبيعة، ويقيمون حلقات رقص تتشابك فيها الأيدي، وتعد لهذه الرحلات وجبات طعام تقليدية.
قد يهمك: احتفالات أهالي مدينة القامشلي بعيد النوروز
شعوب أخرى تحتفل بـ"النوروز"
تحتفل الكثير من شعوب الأرض بعيد "النوروز" او بداية الاعتدال الربيعي في الـ 21 من آذار، و تبدأ جذور هذا الاحتفال عند الأكراد من أسطورة كاوا الحداد الكردي الذي قطع رأس الملك "ضحاك" و الذي كان يعرف بقتله خيرة شباب الأكراد، وذلك بحسب ما تقول الأسطورة.
وفي يوم مقتله أشعل كاوا الذي قضى عليه، النيران فوق قصره، ليعلن انتهاء الظلم، و ليتخذ الأكراد هذا اليوم بداية للتقويم الكردي.
لدى الأكراد اختلاف جذري في معاني "نوروز" عن بقية الشعوب المحتفلة به، فمع تواجد الربيع والأزهار في احتفالات الجميع إلا أن الأكراد يعتبرونه عيداً قومياً، بحسب علي ميراني، الحائز على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث.
وفي عام 2009 سُجل عيد النوروز على القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وفي 2010 أعلنت الامم المتحدة يوم 21 آذار يوماً دولياً للنوروز بقرارها رقم 253-64 بعد أن تقدمت عدة دول بهذا الطلب.