"الاتفاق السوري التاريخي".. قراءة في انعكاساته السياسية والاقتصادية

تقارير وتحقيقات | 11 03 2025

إيمان حمراوي

وقّع رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، مع قائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، اتفاقاً وصف بالتاريخي في قصر الشعب، ينص على إدماج المؤسسات المدنية والعسكرية في مناطق سيطرة الأخيرة ضمن مؤسسات الدولة السورية.

وظهر "الشرع" مع "عبدي "وهما يتصافحان في دمشق، بعد توقيع الاتفاق الذي نص على بنود متعلة بحقوق الأكراد دستورياً وضمان حقوق السوريين بالمشاركة السياسية وإدارة الدولة لحقول النفط والغاز والمعابر، وفق ما أعلنت "رئاسة الجمهورية العربية السورية".

وسبق أن صرّح "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) لروزنة، شهر شباط الماضي، أنه اتفق مع "الإدارة الذاتية" و "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، على دمج الأخيرة في الجيش السوري، مع استمرار النقاش حول آليات التنفيذ.

وبعد إعلان الاتفاق بدأت التساؤلات والتكهنات حول تأثير اندماج تلك المؤسسات في شمال شرقي سوريا مع الدولة السورية على الواقع الاقتصادي المحلي والسياسي والأمني والعسكري.

في السطور التالية أجابت روزنة على بعض التساؤلات وفق رؤية تحليلة وقراءات محللين سياسي واقتصادي حول تأثير الاتفاق على أرض الواقع بمختلف المجالات.

"الاتفاق يحقن الدماء"

يرى الكاتب والمحلل السياسي، فراس علاوي، أن الاتفاق يحمل ثلاثة جوانب إيجابية من النواحي الأمنية والاقتصادية والسياسية، معتبراً أن لا داعي للتخوّف من الاتفاق، لأنه "سوري - سوري"، ما يعني أنه جاء لحقن الدماء وإيقاف الحرب، وفق تعبيره.

وأضاف الكاتب السوري لروزنة، أن الاتفاق يمنح حكومة تصريف الأعمال دفعة قوية لاستكمال المرحلة الانتقالية، مما يسرّع من حل الملفات العالقة التي تعترض تشكيل الحكومة الانتقالية.

كذلك، يساعد الاتفاق على تمهيد الطريق نحو إنجاز خطوات مهمة مثل صياغة الدستور وإجراء الانتخابات، كما يعزز من شرعية الحكومة السورية دولياً لترسيخه سيطرتها على الجغرافيا السورية، حسب "علاوي".

وأوضح أيضاً أن الاتفاق يعتبر خطوة مهمة نحو استقرار سوريا، إذ يُنهي حالة الاحتقان ويتيح عودة المهجّرين إلى مناطقهم، مثل الرقة والحسكة ودير الزور، مما يعزز شرعية الحكومة السورية.

ويسهم الاتفاق الموقع بين "الشرع" و"عبدي" في تسريع العملية الانتقالية من خلال تشكيل الحكومة الانتقالية، وتفعيل اللجنة الدستورية، ووضع قانون الانتخابات والأحزاب، حسب قراءة الكاتب.

ورأى فراس علاوي أن إعادة الأهالي إلى الحياة العامة وتنشيط الحركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ستكون من أبرز نتائج الاتفاق، مضيفاً: "إبعاد شبح الاشتباكات الأهلية وبداية عقد اجتماعي جديد يُعتبران عنصرين أساسيين في تحقيق الاستقرار".

"مسد" لروزنة: اتفقنا على دمج "قسد" ضمن الجيش ونناقش آلية التنفيذ

"مسد" لروزنة: اتفقنا على دمج "قسد" ضمن الجيش ونناقش آلية التنفيذ


نتائج اقتصادية ملموسة قريباً!

اقتصادياً، يعتقد الأكاديمي والباحث السوري عبد المنعم حلبي، الحاصل على دكتوراه في الاقتصاد والعلاقات الدولية، أن الاتفاق سيؤدي إلى نتائج سياسية واقتصادية ستظهر خلال الأسابيع المقبلة.

ويشير "الحلبي" خلال حديثه مع روزنة إلى أنه في حال الالتزام بالاتفاق، فمن المتوقع أن يزداد حجم الموارد المالية لصالح الخزينة العامة، إضافة إلى تحسين توافر المشتقات النفطية من خلال زيادة إمدادات النفط الخام يومياً إلى مصفاتي حمص وبانياس.

وهذا يؤدي، حسب الأكاديمي والباحث، إلى رفع رفع الإنتاج الوطني من الوقود ويوفر السيولة من القطع الأجنبي، كما أن تشغيل آبار الغاز، مثل حقل كونيكو وغيره، سيسهم في تحسين القدرات الكهربائية في البلاد.

الأمم المتحدة تحذّر.. لا تعافٍ اقتصادي في سوريا قبل عام 2080

الأمم المتحدة تحذّر.. لا تعافٍ اقتصادي في سوريا قبل عام 2080

أما على المدى المتوسط والطويل، إن تأثيرات الاتفاق على القطاع الصناعي ستكون كبيرة، خاصة في الصناعات التحويلية مثل الصناعات الغذائية والنسيجية، يقول الحلبي: "كل ذلك يعني أننا أمام فرصة لاستعادة عجلة النمو الاقتصادي من جديد في المدى القريب".

وبرأي الحلبي أن الجزيرة السورية ستتأثر بشكل إيجابي أيضاً من الاتفاق، لأن "جزءاً كبيراً من الموارد النفطية كان يذهب للتصدير دون أن ينعكس ذلك على تحسين الخدمات العامة"، وتحسين الإنتاج الزراعي، وفق قوله.

وشدد تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في شباط الماضي، على أهمية تسريع التعافي الاقتصادي الذي يعتبر أمراً بالغ الأهمية لعكس تدهور سوريا واستعادة الاستقرار بعد 14 عاماً من الحرب التي تسببت في خسارة نحو 800 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي.

ويعيش نصف سكان سوريا في فقر مدقع، في وقت لا تزال تشهد الليرة السورية تدهوراً مستمراً، وفق تقرير للأمم المتحدة قبل أسابيع، جاء فيه أنّ الليرة السورية فقدت عام 2023 حوالي ثلثي قيمتها، ما رفع معدل التضخم الاستهلاكي إلى 40 بالمئة خلال عام 2024.

من جهته يقول فراس شعبو، الخبير الاقتصادي، في حديثه لروزنة إن الاتفاق الجديد وما سينتج عنه يعد خطوة إيجابية جداً تسهم في تحسين الاقتصاد السوري وتنمية موارده المفقودة، حيث أن ثلث المساحة السورية، بما في ذلك الموارد الطبيعية مثل المياه، القمح، والنفط، تتركز في مناطق "قسد"، مما يجعل هذه المناطق نقطة حيوية لدعم الاقتصاد السوري.

وأضاف شعبو أن هذا الاتفاق قد يسرع عملية إعادة الإعمار وتحسن الوضع الاقتصادي بشكل عام، ولكن بشرط استخدام الموارد بشكل جيد واستثمار هذه الفرصة بشكل فعال، إلى جانب تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، في ظل وجود تحديات كبيرة، منها العقوبات المفروضة على البلاد.

من ناحية أخرى، بين شعبو أن دخول الموارد إلى الدولة، وفقاً للإحصائيات السابقة، قد يساعد في تحسين القدرة الإنتاجية، وتخفيض تكاليف الإنتاج، وتحسين قطاع الكهرباء، الذي يعد أساسياً لكل النشاطات الاقتصادية. كما أن ذلك سيساهم في خفض أسعار الطاقة.

عسكرياً… ماذا عن الانسحاب الأميركي؟

في كانون الأول الفائت، أعلن "البنتاغون" عن وجود نحو ألفي جندي في سوريا.

يرى الخبير العسكري العقيد أديب عليوي أن التواجد العسكري الأمريكي في سوريا لن يستمر طويلاً،  وبخاصة بعد وصول المندوب الأمريكي سكوت بولز إلى مناطق "قسد" قبل أيام، وباعتقاده بأنه هو من أبلغ قادتها بوجوب حل "وحدات حماية الشعب" الكردية والفصائل المرتبطة بها، والاندماج في وزارة الدفاع والحكومة الجديدة.

ويضيف: إنه بعد إبلاغ المندوب الأمريكي لـ "قسد" بموعد الانسحاب، أصبح من الضروري لهذه القوات الاندماج مع القوات النظامية السورية، خصوصاً بعد التنسيق الذي جرى بين القائد العام لقسد مظلوم عبدي وأحمد الشرع خلال الفترة الماضية، وفق رأيه.

ويعتقد عليوي أن الولايات المتحدة ستبقى فقط في قاعدة التنف. ويختتم بالقول إن هذا الاتفاق سيعود بالنفع على جميع الأطراف، بما في ذلك السوريين بمختلف طوائفهم وأديانهم، ليشكل خطوة نحو بناء سوريا الحديثة، حيث يتوحد الجميع في سبيل مستقبل أفضل للبلاد.

وكان مبعوث الولايات المتحدة الأميركية لشمال شرقي سوريا، سكوت بولز، عقد اجتماعاً الأحد الفائت في قاعدة "التحالف" بمحافظة الحسكة، مع وفد من "الحركة الكردستانية المستقلة"، وبحث معه مواقف الأحزاب الكردية من الحوار مع دمشق. كما أكد على بقاء القوات الأميركية في سوريا لمحاربة الإرهاب وتعقب خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) النشطة في مناطق متفرقة شرقي سوريا، وفق "الشرق الأوسط".

ومطلع شباط الفائت، نقلت قناة "أن بي سي نيوز" عن مسؤولين أمريكيين أن وزارة الدفاع تعمل على وضع خطط لانسحاب كل القوات الأمريكية من سوريا، وأوضحت أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ومسؤولين مقربين منه أعربوا عن اهتمامهم بسحب القوات الأمريكية من سوريا، وهذا ما دفع "البنتاغون" لوضع خطط للانسحاب خلال الأشهر الثلاثة القريبة.

توقيت حساس وتأثيرات محتملة

تقول وكالة "رويترز"، إن "الاتفاق جاء في لحظة حرجة، حيث يواجه الشرع تداعيات عمليات قتل جماعي وانتهاكات استهدفت أفراداً من الأقليات في الساحل السوري، قال عنها أمس الإثنين، إنها تهدّد جهوده لتوحيد سوريا بعد 14 عاماً من الصراع".

أبرز بنود الاتفاق نصت على: "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز" و "وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية".

رغم التفاؤل بالاتفاق، فإن بعض الأطراف غير المستفيدة من استقرار سوريا، مثل إيران بدرجة أكبر وروسيا بدرجة أقل، قد تعارض تنفيذه، لكن الكاتب فراس علاوي يرى أن هذه المعارضة لن تكون ذات تأثير طالما أن هناك موافقة أميركية ودعماً دولياً.

وأبدت العديد من الدول الأوربية والعربية تأييدها للاتفاق واصفة إياه بـ"التاريخي"، بما في ذلك دول الخليج وألمانيا وغيرهم.

اشتباكات في محيط "سد تشرين" بين "الوطني" و"قسد" وارتفاع أعداد القتلى

اشتباكات في محيط "سد تشرين" بين "الوطني" و"قسد" وارتفاع أعداد القتلى

وحول الناحية الأمنية، أوضح "علاوي" لروزنة أنّ الاتفاق "يسهم في تخفيف حدة الاحتقان ويقلل احتمالية الصدام المباشر، مما يبعد شبح الحرب الأهلية عن سوريا، وبالتالي ابتعاد فرضية تقسيم سوريا".

أيضاً، يساهم الاتفاق في تعزيز الاستقرار الأمني عبر تقليل الضغط على قوات الحكومة السورية، وبخاصة أجهزة الأمن العام، التي كانت تواجه تحديات متعددة، مما يتيح لها التفرغ لمعالجة البؤر الأمنية المشتعلة حالياً، وفق المحلل فراس علاوي.

فيما يخص ملف السجون، يتوقع "علاوي" أن تصبح تحت إدارة الحكومة السورية بالتنسيق مع "قسد"، وقد يتم تشكيل قوات مشتركة لإدارتها. بينما تركيا، فمن المرجح أنها راضية عن الاتفاق، وقد يكون لها دور غير مباشر في ترتيباته.

واعتبر أمس، قائد "قسد" مظلوم عبدي الاتفاق بأنه "فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكوناتها وتضمن حسن الجوار".

وأضاف في منشور عبر منصة "إكس": "في هذه الفترة الحساسة، نعمل سوياً لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات شعبنا في العدالة والاستقرار، نحن ملتزمون ببناء مستقبل أفضل يضمن حقوق جميع السوريين ويحقق تطلعاتهم في السلام والكرامة".

ومن المقرر أن يبدأ التنفيذ بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي، لكن الاتفاق لا يحدد كيفية دمج العملية العسكرية لـ"قسد" في وزارة الدفاع السورية، وهي نقطة خلاف رئيسية في المحادثات حتى الآن.

ووجهت روزنة أسئلتها لخبيرين عسكريين حول الواقع العسكري والأمني في مناطق سيطرة "قسد" سابقاً، بعد اتفاق أمس، دون الحصول على إجابة حتى ساعة نشر المادة، وستعمل على تحديثها عند وصول قراءتهم لمستقبل المنطقة والتواجد الأمريكي فيها.

اقرأ أيضاً: دعم عربي يقابله قلق غربي من تصاعد العنف في سوريا

وجاء الاتفاق بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي، في ظل حالة التنديد والغضب والدعوات للمحاسبة نتيجة التطورات العسكرية والأمنية في اللاذقية وطرطوس وحماة، التي أدت لمقتل المئات غالبيتهم من المدنيين وعناصر الأمن العام.

وأشار تقرير حقوقي للشبكة السوري لحقوق الإنسان، أن مئات القتلى المدنيين ومن "الأمن العام"، قضوا على يد عناصر مرتبطين بالنظام السابق "الفلول"، أو آخرين من "القوات الرسمية والفصائل المسلحة الموالية لها وفصائل أجنبية منضوية شكلاً تحت وزارة الدفاع".

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض