تجارب دولية ملهمة.. كيف ساهمت العدالة الانتقالية في إنهاء النزاعات؟

تجارب دولية ملهمة.. كيف ساهمت العدالة الانتقالية في إنهاء النزاعات؟

تقارير وتحقيقات | 8 03 2025

روزنة

إطلاق مسار العدالة الانتقالية باعتبار الضحايا جزءاً رئيسياً فيه، وبدء عملية الحوار الوطني وجبر الضرر إضافة لمحاسبة الجناة ومرتكبي الجرائم وإصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية، كان مفتاحاً أساسياً في تجنيب دول ومناطق عدة حول العالم الانزلاق في أتون حرب أهلية، أو وضع حد لبعضها.

وفي سوريا، حيث تتصاعد التوترات، ويبرز التساؤل حول إمكانية تبني مسار مشابه للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، كما حدث في رواندا وأيرلندا الشمالية.

رصدت روزنة أبرز هذه الاتفاقيات:

ويذكر هنا، اتفاق الجبل، المعروف أيضاً باسم "مصالحة الجبل"، هو اتفاق يوصف بـ"التاريخي" جرى توقيعه في 3 آب 2001 بين البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير وزعيم "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، بهدف إنهاء آثار الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وتعزيز التعايش بين المسيحيين والدروز.

في حرب منطقة جبل لبنان بين عامي 1983 و1984 اندلعت آنذاك مواجهات دامية بين القوات اللبنانية ذات الغالبية المسيحية و"الحزب التقدمي الاشتراكي" بقيادة وليد جنبلاط المدعوم من القوات الدرزية.

وأدت الحرب إلى مجازر وعمليات تهجير واسعة بحق المسيحيين، ما اضطر عشرات آلاف المسيحيين "الموارنة" إلى مغادرة قراهم في الجبل وبخاصة في مناطق الشوف وعاليه.

الحرب خلّفت أيضاً جروحاً عميقة بين الطائفتين وحالة من عدم الثقة والتوتر.

ورغم انتهاء الحرب الأهلية باتفاق الطائف أواخر عام 1989، لم تحل قضية المهجرين المسيحيين من الجبل، ولم يعودوا إلى قراهم بسبب المخاوف الأمنية وعدم اتخاذ خطوات حقيقية للمصالحة، واستمر الاحتقان بين الطائفتين رغم محاولات التهدئة، لحين إعلان اتفاق الجبل عام 2001.

ومن خلال المصالحات، جزء كبير من المسيحيين عاد إلى مناطق الشوف وعاليه والمتن التي هجّروا منها، ودفع لهم تعويضات لإعادة الإعمار عبر صندوق وزارة المهجرين. إضافة إلى بناء جسور ثقة بين الطوائف عبر المبادرات المجتمعية واللقاءات السياسية والدينية.

كولومبيا.. "المثال الملهم"

تُعد كولومبيا مثالاً ملهماً للسلام في عالم يتسم بالصراعات، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

اتفاق السلام الكولومبي، أبرمته الحكومة الكولومبية و"القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك - FARC-EP) في أيلول 2016، بعد مفاوضات استغرقت أكثر من 4 سنوات، لإنهاء حرب استمرت لعقود بين الطرفين وأسفرت عن آلاف الضحايا والمشردين.

شمل الاتفاق إدماج المقاتلين السابقين في المجتمع، وتعويض الضحايا والعدالة الانتقالية ولعبت المبادرات المجتمعية دوراً رئيسياً في تهيئة المناخ للحوار والمصالحة.

من النتائج التي أسفر عنها الاتفاق، أنّ القوات الثورية التي خاضت قتالاً مسلحاً لمدة نصف قرن أصبحت حزباً سياسياً في الدولة، معظمه من المقاتلين السابقين، في حين أن بدأ المجتمع المحلي والمقاتلون السابقون والشرطة بالعمل جنباً إلى جنب، وفق تقرير لـ"الأمم المتحدة" عام 2021 .

ووفق "هيومن رايتس ووتش" إن العنف المرتبط بالصراع المسلح الداخلي في كولومبيا أسفر عن نزوح أكثر من 6.8 مليون كولومبي داخلياً منذ عام 1985 ما جعل كولومبيا ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان النازحين داخلياً بعد سوريا.

وبدأ الصراع في كولومبيا في فترة الخمسينات، بعد فوز "الحزب المحافظ" بالانتخابات في البلاد الذي حاول لاحقاً توزيع مقاعد برلمانية على المعارضين، وخصوصاً الليبراليين، إلا أن المعارضة لم توافق على الحصص المخصصة، وقالوا إنها لا تغطي الأراضي الكولومبية كافة، وهو ما دفع إلى صراع سياسي، ومنه إلى مواجهات بين الأطراف كافة، وفق "الشرق الأوسط".

ولاحقاً بعد 2002 ارتكبت المجموعات المسلحة انتهاكات واسعة النطاق مثل القتل والاختفاء القسري والعنف الجنسي على خلفية "عملية تسريح حكومية"، في المقابل كان الجيش الحكومي أيضاً يرتكب انتهاكات بحق المدنيين من خلال إعدامهم بشكل روتيني، في جميع أنحاء كولومبيا، بضغط من الرؤساء لإظهار "نتائج إيجابية" وزيادة عدد القتلى في حربهم ضد المتمردين، وفق "هيومن رايتس ووتش".

جنوب أفريقيا.. المصالحة بعد نظام الفصل العنصري

بعد انتهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أُنشئت لجنة الحقيقة والمصالحة (TRC) قبل 28 عاماً لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان بين 1960 و1994.

ركزت اللجنة على جمع الشهادات من الضحايا والجناة، وساهمت في حفظ الأدلة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، ووفق موقع "britannica.

كانت اللجنة نتيجة لتسوية سلمية بعد إطلاق سراح نيلسون مانديلا وإلغاء حظر حركات التحرير، مما أنهى صراعاً استمر لأكثر من 300 عام وأدى إلى أول انتخابات ديمقراطية في البلاد.

تلقت اللجنة 22 ألف شهادة من الضحايا، وعقدت جلسات استماع علنية، ومنحت عفواً مشروطاً لأكثر من 1,500 شخص.

واعتُبرت اللجنة نموذجاً دولياً ناجحاً للمصالحة، حيث جمعت بين العدالة والسلام، وأرست أسساً للمساءلة وبناء مجتمع متصالح.

رواندا.. العدالة الانتقالية بعد الإبادة الجماعية

في عام 1994، شهدت رواندا واحدة من أسوأ المجازر في التاريخ الحديث، حيث قُتل 800 ألف شخص خلال 100 يوم، معظمهم من التوتسي، على يد قوات الهوتو والقوات الحكومية. كما تعرضت نحو 250 ألف امرأة للعنف الجنسي، ما أدى إلى صدمة جماعية وتدمير واسع للبنية التحتية، وفقًا وفق "الأمم المتحدة".

ومنذ ذلك الحين بدأت رواندا في عملية طموحة لتحقيق العدالة والمصالحة لكي يعيش جميع الروانديون جنبا إلى جنب في سلام مرة أخرى.

بدلاً من تصعيد العنف بعد الإبادة الجماعية، اعتقل 120 ألف شخص، اتهموا بتحمل المسؤولية الجنائية عن مشاركتهم في عمليات القتل، و للتعامل مع هذا العدد الهائل من الجناة، تم متابعة الرد القضائي على ثلاثة مستويات: "المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، نظام المحاكم الوطنية، محاكم جاكاكا"، ما ساهم في المصالحة الوطنية ومنع اندلاع موجة جديدة من العنف.

إيرلندا الشمالية.. اتفاق الجمعة العظيمة

استمر الصراع في أيرلندا الشمالية لعقود، حيث ساد العنف بين الكاثوليك والبروتستانت، مما تطلب تدخلًا سياسيًا ومبادرات مجتمعية للوصول إلى حل سلمي.

استمرت الصراعات الطائفية لأكثر من 30 عاماً، حيث كانت "الجيش الجمهوري الإيرلندي" يخوض صراعاً مسلحاً ضد الحكم البريطاني.

تم توقيع اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998، والذي أنهى العنف وفتح المجال لحوار سياسي شامل. المبادرات المجتمعية بين الشباب ورجال الدين والسياسيين لعبت دوراً كبيراً في بناء الثقة بين الأطراف المختلفة.

في عام 1969، واجه المتظاهرون السلميون المطالبون بالحقوق المدنية في أيرلندا الشمالية استجابة عدائية من السلطات، ما أدى إلى اضطرابات واسعة النطاق وأنشطة عنيفة من قبل الجماعات شبه العسكرية من كلا الجانبين، ونشوب صراع طويل الأمد.

استمر هذا الصراع، المعروف باسم "الاضطرابات" (The Troubles)، لمدة ثلاثة عقود، وأسفر عن مقتل أكثر من 3,500 شخص وإصابة الكثيرين، وأثر على عدد لا يحصى من الأرواح.

سوريا.. دروس من رواندا وأيرلندا الشمالية

مع استمرار التصعيد في سوريا، يطرح البعض تساؤلات حول إمكانية تبني نموذج المصالحة والعدالة الانتقالية، كما حدث في رواندا وأيرلندا الشمالية.

في هذا السياق، أطلق ناشطون ومثقفون قبل يومين خطاباً وطنياً جامعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي والساحات العامة، أكد على أهمية الوحدة الوطنية، ترسيخ قيم المواطنة، ورفض الطائفية وخطاب التحريض. ويرى كثيرون أن هذا النهج يمكن أن يكون جسرًا لعبور البلاد نحو مستقبل يعزز التماسك المجتمعي في "سوريا الواحدة، لكل السوريين".

لكن يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن لسوريا أن تتبنى تجربة مماثلة لتحقيق المصالحة الوطنية، أم أن الوضع الحالي يفرض تحديات أكبر؟

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض