تقارير وتحقيقات | 5 03 2025

اندلع 20 حريقاً في ريفي اللاذقية وطرطوس، منذ مساء أمس الثلاثاء حتى صباح اليوم، عملت فرق الإطفاء والدفاع المدني السوري على إخمادها، وسط حضور لافت لمدنيين وفرق تطوعية هبّوا للمساعدة من مناطق مختلفة، في مشهد تضامني ملفت.
ووسط صدمة ألسنة لهب المتصاعدة في ظلام الليل، تداعت بشكل فوري أياد ممدودة بالماء، وقلوب تنبض بالشجاعة. فبين فرق الدفاع المدني والمتطوعين، اجتمع السوريون على هدف واحد: "إطفاء النيران قبل أن تلتهم كل شيء وحماية الأراضي".
وتمكنت فرق الإطفاء من الانتهاء من إخماد الحرائق جميعها في الساعة السادسة من صباح اليوم الأربعاء، وفق تقرير للدفاع المدني.
وواجهت فرق الدفاع المدني صعوبات كبيرة في إخماد الحرائق بسبب تضاريس المنطقة الوعرة وصعوبة وصول سيارات الإطفاء ووجود عدة بؤر للحريق في المنطقة الواحدة، إضافة إلى اشتداد سرعة الرياح الذي أدى إلى تمدد وانتشار النيران وتجدد اشتعالها.
أضرار الحرائق
سببت الحرائق أضراراً كبيرة في الأحراج وبخاصة في ريف اللاذقية، حيث احترقت عشرات الدونمات من المساحات الحراجية، إضافة للأضرار على الحيوانات الطبيعية الموجودة ضمن هذه الأحراش.
انتشار الحرائق بشكل واسع أدى إلى الحاجة لمؤزارات من فريق الدفاع الدفاع من مراكز بداما وجسر الشغور في ريف إدلب الغربي.
ووفق تقرير الدفاع المدني "شارك في عمليات الإخماد من فرق الدفاع المدني السوري أكثر من 10 مراكز بـ 11 سيارة نجدة و8 ملاحق إطفاء للتزويد بالمياه، إضافة لفرق الإسعاف المرافقة للفرق تحسباً لأي طارئ".
متطوعون يشاركون في إخماد الحرائق
وحول مشاركة المدنيين والمتطوعين، قال المكتب الإعلامي للدفاع المدني لروزنة إنهم ن لعبوا دوراً مهماً في المساعدة على إخماد بعض الحرائق "مستندين إلى روح التعاون والتكافل التي تميز المجتمعات الجبلية، حيث يبادر الناس إلى المساعدة بمجرد رؤية الخطر".
ورغم تقدير هذه الجهود، إلا أن الدفاع المدني نبّه إلى المخاطر التي قد تواجه المتطوعين غير المدربين، موضحاً أن عدم توفر وسائل الحماية والخبرة الكافية قد يعرض حياتهم للخطر أثناء التعامل مع ألسنة اللهب والدخان الكثيف.
وأشار المكتب الإعلامي إلى أن الكثير من الفرق التطوعية تواصلت معهم وعرضت المساعدة، لكن إخماد الحرائق ليلاً يحمل تحديات مضاعفة.
وأضاف:"نحن نعمل بمعدات خاصة، وألبسة واقية، وأقنعة أكسجين لحماية أنفسنا، بينما لا تملك الفرق التطوعية مثل هذه التجهيزات، مما يعرضهم للخطر أثناء عمليات الإطفاء".
متطوعو "شاهين" في مواجهة النيران
15 شاباً من المتطوعين في "فريق شاهين التطوعي"، شاركوا في إخماد الحريق الذي وصل إلى منطقة حي الجبيبات بمدينة جبلة بهدف "حماية المدينة".
يقول أحد المتطوعين في فريق "شاهين التطوعي" لروزنة: "بمجرد وصول الخبر عبر مجموعة الدفاع المدني على تطبيق واتساب، أطلق المشرف العام للفريق نداءاً عاجلاً لجميع المتطوعين القادرين على المساعدة".
وخلال دقائق، تشكّل الفريق في مجموعتين، "فريق تواصل مع ملاك صهاريج المياه لتأمين إمدادات عاجلة لإطفاء الحريق" و"فريق آخر تعاون مع الأهالي في نقل المياه باستخدام الأواني".
وأضاف المتطوع أن العملية الثانية عبر الأواني، جرت بمساعدة الأهالي أنفسهم"في محاولة لمنع امتداد النيران، خاصة مع اشتداد الرياح التي كادت تؤدي إلى انتشارها بشكل أوسع".
وبفضل هذه الجهود الجماعية، ومع وصول الصهريج في الوقت المناسب، تمكن الفريق بمساعدة الأهالي من السيطرة على الحريق وإخماده بعد ساعة ونصف تقريباً.
انتهت العملية، رغم التحديات الكبيرة التي فرضتها الظروف الجوية والمواد القابلة للاشتعال، مثل القصب والبلاستيك، التي غذّت ألسنة اللهب، يوضح المتطوع لروزنة.
فريق "شاهين"، الذي بدأ بمبادرة فردية من خمسة أشخاص لحماية المؤسسات العامة ومن ثم تنظيم المرور، بعد سقوط النظام السوري السابق، بات اليوم يضم نحو 150 متطوعاً ومتطوعة، يعملون على مدار الساعة لخدمة أهالي جبلة في مختلف الظروف.
ووفق "الأرصاد الجوية السورية" إن منخفضاً تسبب بنشاط كبير في سرعة الرياح الشرقية على المناطق الساحلية مع اشتعال العديد من الحرائق في الأحراج الجبلية الساحلية وتساقط عشرات الأشجار في ريف طرطوس وأضرار مادية أخرى.
كذلك ساعد أهالي جبلة عناصر الأمن العام على إخماد حريق نشب قرب دوار المستشفى في المدينة، وفق مقطع مصور نشره الناشط المحلي زين بدرة.
قدموا من كل الأحياء
ونقل الطبيب نور الدين ناصر عن أحد الأشخاص ويدعى "أيمن جميل" مشاهدته حول الحرائق التي اندلعت في قرية دير حنا التابعة لمنطقة القرداحة، واصفاً بأنها "كادت أن تلتهم كل شيء، البشر قبل الشجر".
وقال إن ما لفته خلال اندلاع تلك الحرائق مساعدة أبناء القرية لبعضهم البعض في تجاوز تلك الكارثة "لقد قدموا من كل أحياء اللاذقية ، من الصليبة والمارتقلا والرمل و دمسرخو ومن جبلة، حتى كان بينهم شبان من إدلب الخضراء ومن حلب الشهباء".
وتابع: "هؤلاء الذين كانت أياديهم إلى جانب أيادينا، إضافة لرجال الإطفاء الأشاوس حتى تمكنّا من السيطرة على كامل الحريق".
وعلّق الصحفي حسام رستم على حرائق جبلة، مرفقاً صورة لاندلاع النيران وفي وسطها مدنيون يعملون على إخمادها.
وعلق على الصورة قائلاً: "هذه الصورة التي التقطتها صباح اليوم، اجتمع فيها المجتمع المدني الجبلاوي ،السني والعلوي، في ساعات الفجر الأولى، هدفهم الأول حماية جبلة من أي ضرر".
وأضاف: "هذا الشيء أيضاً شاهدناه في جهود وتضحيات رجال الدفاع المدني بإطفاء حرائق أرياف جبلة والقرداحة (...) هذه المحنة، ورغم قساوتها، تعكس حالة المجتمع المدني السوري ككل، والجبلاوي بشكل خاص، أنه بخير رغم كل الأزمات والمشاريع والضخ الإعلامي الذي حاول تشويه الطرف الآخر وشيطنته".
في مواجهة النيران التي اجتاحت ريفي اللاذقية وطرطوس، ورغم صعوبة التضاريس وشدة الرياح، أثبت السوريون مرة أخرى أن المحن، مهما كانت قاسية، قادرة على كشف جوهرهم الحقيقي، عبر العطاء والمساندة والوقوف إلى جانب بعضهم البعض في أصعب اللحظات.