تقارير وتحقيقات | 18 02 2025

بعد أسبوع على إضراب المعتقلين السوريين في سجن رومية بالعاصمة اللبنانية بيروت، عن الطعام، نقل أربعة من أصل 120 شخصاً، شارك في الإضراب، إلى المستشفى جراء تدهور وضعهم الصحي.
وبدأ المعتقلون السوريون في سجن رومية، منذ الثلاثاء الفائت، إضراباً عن الطعام والشراب احتجاجاً على إهمال ملفهم، مطالبين بنقلهم إلى سوريا بعد سقوط النظام السابق.
الصحفية عائشة صبري، إحدى القائمات على حملة "أنقذوا المعتقلين السوريين في لبنان"، تقول لروزنة، إنّ المعتقلين ورغم تدهور وضعهم الصحي خلال اليومين الماضيين، إلا أنّهم رفضوا فك الإضراب إلا بتحقيق مطالبهم بنقلهم إلى الأراضي السورية.
ونقلت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقريرها، اليوم الثلاثاء، عن معتقلين وذويهم، أن العديد من المضربين عن الطعام يعانون من تدهور صحي خطير رغم تلقيهم بعض العلاجات داخل السجن.
ومع ذلك تبقى أوضاعهم الصحية والإنسانية شديدة السوء بسبب الظروف القاسية للاحتجاز، ونقص الرعاية الطبية المناسبة، حسب التقرير.
ودعت الشبكة الحكومتين السورية واللبنانية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء معاناة المعتقلين السوريين في لبنان.
"لن نتراجع حتى لو متنا"
"وضعنا الصحي غير مطمئن، لا نستطيع الحراك بعد إضرابنا عن الطعام، ومع ذلك لن نتراجع عن قرارنا حتى لو متنا" يقول حسن حربا أحد المعتقلين السوريين في سجن رومية اللبناني الذي بدأ إضراباً عن الطعام مع أكثر من مئة معتقل سوري، منذ أسبوع.
ورغم الوضع الصحي المتردي الذي وصل إليه حربا إلى جانب عشرات المعتقلين السوريين لا يزالون مصرين على استمرارهم في الإضراب لليوم الثامن على التوالي.
وعبر تسجيل صوتي وصل روزنة، يؤكد حربا: "لن نفك الإضراب إلا بعد نقلنا إلى سوريا، ننتظر الفرج من الله والسلطات السورية".
إضراب مفتوح
أم فهد، شقيقة حربا، توضح لروزنة أنّ أخيها الذي يعاني بالأساس من صداع نصفي "الشقيقة"، رفض تناول الطعام أو الشراب في المستشفى بعد إسعافه رغم انخفاض سكر الدم لديه، على خلفية إضرابه لليوم السادس على التوالي.
تشرح حسب روايتها: "أعادوه إلى سجن رومية، ولا يزال مصراً على متابعة الإضراب هو وأصدقائه".
حسب ما قالته شقيقة حربا، بأنه فرّ مع عائلته من مدينة القصير بريف حمص منتصف عام 2013 إلى أحد مخيمات عرسال على الحدود السورية اللبنانية، ليُعتقل عام 2015 بتهمة "الإرهاب".
واتُهم حربا، وفق الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية والذي وصل روزنة، بمجموعة من التهم، بينها أنّه "ينتمي إلى مجموعة إرهابية مسلّحة، بهدف ارتكاب الجنايات بحق الناس والنيل من السلطة وقتل ومحاولة قتل وخطف عناصر عسكرية وحيازة مواد متفجرة".
تنفي شقيقته وتقول إنه "بسبب تشابه أسماء مع مقاتل في المعارضة السورية"، وحكم عليه عام 2020 بالسجن "المؤبد" في رومية أكبر السجون اللبنانية.
وبحسب وثائق أخرى وصلت روزنة عن مكتب المحامية المكلفة للدفاع عن حربا، ديالا شحادة، المحامية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية "Icc"، فإن الشهود أكدوا أن حربا ليس الشخص المشتبه به من فصائل المعارضة، وبأنه كان بائع حليب.
كذلك، وحسب الوثائق، أكدت بيانات الاتصال الخاصة به بأنه شخص كان يسعى إلى كسب رزقه ولا تواصل له مع فصائل المعارضة.
ولم يتسنى لروزنة الحصول على معلومات من مصدر محايد، وتعرض الوثائق والرواية والحكم الصادر، كما وصلتها.
وتشير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها الصادر في آب عام 2023 إلى أنّ 80 بالمئة من السجناء في لبنان موقوفون احتياطياً قبل المحاكمة، وفق وزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية.
اقرأ أيضاً: "نحن بشر ولسنا أرقاماً".. سوريون في سجن رومية ينتظرون العدالة والحرية
ويبلغ عدد معتقلي "الرأي السياسي" من السوريين المعارضين للنظام السابق في لبنان، حوالي 200 شخصاً موزّعين بين 160 معتقلاً في سجن رومية و40 آخرين بحوزة الجيش اللبناني، بحسب الصحافية عائشة.
وتشير إلى أن أحكامهم تتراوح ما بين المؤبد والإعدام والسجن من 10 إلى 20 عاماً.
وبعد سقوط النظام السابق، أعاد مجموعة من الصحفيين والحقوقيين السوريين واللبنانيين إطلاق حملة تحت عنوان "أنقذوا المعتقلين السوريين في لبنان" معظمهم اعتقلوا على خلفية مواقفهم المؤيدة للثورة السورية ومناهضتهم للنظام السابق، حسب الحملة.
وتطالب الحملة التي يديرها صحفيون وحقوقيون سوريون ولبنانيون، الحكومة السورية الجديدة باسترداد المعتقلين السوريين من السجون اللبنانية، وتعيين مسؤول حكومي لمتابعة التنفيذ.
مفاوضات قائمة
المحامي اللبناني، محمد صبلوح وأحد القائمين على الحملة، ومدير عام مركز "سيدار للدراسات القانونية" التقى بمسؤولين في وزارة الخارجية ووزارة العدل لدى حكومة تصريف الأعمال السورية الأحد الفائت بدمشق، لمتابعة ملف المعتقلين,
وأشار "صبلوح" المتابع لملف المعتقلين السوريين، في تصريح لروزنة، إلى زيارة سيقوم بها إلى السفارة السورية في لبنان اليوم أيضاً لمتابعة الأمر وفق موعد رسمي.
ووفق بيان لفريق حملة "أنقذوا المعتقلين" الذي زار فريقها دمشق الأحد الماضي، "أكد المسؤولون السوريون على وقوفهم إلى جانب الوفد اللبناني في مطالبه حول ملف المعتقلين، وشدد الطرفان على ضرورة إيجاد حل جذري لهذه القضية الإنسانية".
كذلك "جرى التأكيد على أن السفارة السورية ستتولى متابعة أوضاع السجناء السوريين في لبنان، خاصة في ظل إضراب البعض منهم عن الطعام".
ويتعرض المعتقلون السوريون في لبنان وبخاصة في سجن رومية لظروف احتجاز غير إنسانية، تشمل الاكتظاظ الشديد وانعدام الرعاية الصحية والغذائية وانتشار الأمراض المعدية، إضافة إلى حرمانهم من التواصل مع ذويهم، بحسب تقرير "الشبكة السورية".
ووفق التقرير "خضع العديد منهم لمحاكمات غير عادلة أمام المحاكم العسكرية اللبنانية أو قضاة التحقيق العسكريين، استناداً إلى اعترافات انتُزعت منهم تحت التعذيب والتهديد، وتم توجيه تهم الإرهاب إليهم بناء على هذه الاعترافات".
كل هذا "أدى إلى إصدار أحكام قاسية بالسجن لسنوات طويلة، أو إبقائهم في الحبس الاحتياطي دون تحديد مدة زمنية واضحة"، وفق تقرير الشبكة.
"منظمة العفو الدولية" نشرت تقريراً عام 2021 تقريراً تحت عنوان: "كم تمنيت أن أموت: لاجئون سوريون احتجزوا تعسفياً بتهم تتعلق بالإرهاب وتعرضوا للتعذيب في لبنان".
واتّهمت المنظمة في تقريرها قوات الأمن اللبنانية "باحتجاز مئات الرجال والنساء والأطفال السوريين بشكل تعسفي، وتعريضهم للتعذيب والمحاكمة الجائرة".
وأشارت إلى أن حالات الاعتقال جرت عادة لأسباب غير ضرورية وجائرة وغير متناسبة ومبالغ بها، مثلاً بسبب تقارير المخبرين، أو المحتوى في هواتفهم الجوالة، أو لتشابه أسمائهم مع اسم شخص مشتبه به.
وكان المنسق العام للحملة الوطنية لإعادة السوريين النقيب مارون الخولي، قال لـ"لبنان 24" في وقت سابق، إنه لا يوجد في النظام القضائي اللبناني أي تصنيف من نوع (موالي ومعارض) وهذا أمر لا يمكن اعتماده في إصدار قرار قضائي بحق أي محكوم سوري.
مظاهرات للمطالبة بالمعتقلين
ومع استمرار الإضراب وجّه أهالي المعتقلين السوريين في لبنان دعوة للتظاهر، اليوم الثلاثاء، في ساحة جامع خالد بن الوليد بمدينة حمص، للمطالبة بتسريع تسليم المعتقلين للحكومة السورية.
كذلك وجهوا دعوة أخرى للتجمع في جديدة يابوس مقابل معبر المصنع، يوم الجمعة المقبل، تحت شعار "الحرية للمعتقلين السوريين في لبنان".
قانونية تسليم المعتقلين السوريين
حول نقل المعتقلين السوريين في لبنان إلى سوريا هناك حلان قانونيان يجب العمل عليهما، وفق المحامي صبلوح، إما عبر مشروع قانون، أو عبر تعديل اتفاقيات بين سوريا ولبنان وهذا يحتاج وقتاً طويلاً، بحسب قوله.
ويضيف لروزنة: "هناك مشروع قانون جرى تقديمه للحكومة اللبنانية، وهو الحل الأسهل لمعالجة قضية المعتقلين السوريين".
ويوضح: "مشروع القانون هو مثل العفو العام فيه عدة استثناءات تراعي هواجس المعتقلين ومخاوفهم، ويمنحهم قراراً بالترحيل (...) بين الموجودين في رومية لبنانيون وسوريون محكومون بالمؤبد والإعدام".
وتابع: "يساعد مشروع القانون في حل ملفهم لترحيلهم إلى سوريا، أما الأمور العالقة يجب انتظار تعديل الاتفاقيات لحلها".
وينص اتفاق قضائي عقد بين سوريا ولبنان عام 1951 ينظّم التعاون القانوني في تسليم المطلوبين وتنفيذ الأحكام القضائية، على مجموعة من الشروط الواجب توفراها لتسليم السجناء.
وتشمل الشروط: "أن يكون الشخص المطلوب للتسليم من رعايا الدولة التي تطلب استرداده، وأن يكون الحكم الصادر بحقه نهائياً ومبرماً، وألا تقل المدة المتبقية من العقوبة عن ستة أشهر، وموافقة المحكوم عليه على نقله".
ومن الشروط "أن تكون الجريمة المرتكبة معاقباً عليها في قوانين كلا الدولتين، وموافقة الدولتين على تنفيذ عملية النقل".
وكان المعتقلون السوريون في سجن رومية، طالبوا مطلع الشهر الفائت، أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، بالإفراج عنهم مع اقتراب شهر رمضان، وحملوا لافتات كتب عليها: "إلى أحمد الشرع، فتحت سجون سوريا ولا نزال خلف القضبان، متى خلاصنا؟".
وبعد ذلك أصدرت وزارة الخارجية السورية، بياناً في الـ 11 من الشهر الفائت، أكدت خلاله الاتفاق مع رئيس مجلس وزراء لبنان، نجيب ميقاتي، على استرداد كافة المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية.
وبحسب نقابة المحامين في بيروت، يفترض أن يستوعب سجن رومية، أكبر سجون لبنان 1200 سجيناً، لكنه يضم 4 آلاف.
وأضرب المعتقلون مرات عديدة عن الطعام جراء تدهور الأوضاع داخل السجن بما في ذلك انعدام الرعاية الصحية، ووفاة عدد من السجناء جراء ذلك.