تقارير وتحقيقات | 7 02 2025

لم تتوقف جرائم وانتهاكات قوات النظام السوري السابق ضد البشر، بل طالت تعدياتهم الحجر والبنية والتحتية، وصولاً إلى الثروة الزراعية، وهي المورد الأساسي الذي يعتمد عليه سكان ريف إدلب الجنوبي والشرقي في تأمين مدخولهم.
مساحات واسعة من حقول الزيتون، والتي كانت تشكل غابة تحيط بمدينة كفرنبل والقرى المحيطة بها، أصبحت اليوم في معظمها أثراً بعد عين، نتيجة اقتطاع الأشجار من قبل قوات النظام التي تمركزت في المدينة منذ السيطرة عليها عام 2020 وحتى سقوط النظام.
وتعمد عناصر النظام السابق قطع أشجار الزيتون بسبب جودة حطبه، في حين أهملوا أشجار التين التي تيبست بفعل الإهمال والعوامل الجوية وانعدام الرعاية، فبات المزارعون الذين يشتهرون بهذين الصنفين من الأشجار، بلا أية مواسم.
صدمة
مع وصول السيد أبو سعيد إلى مدينة كفرنبل التي ينتمي إليها، توجه للاطمئنان على أملاكه، إلا أنه فوجئ برؤية حقله المغروس بأشجار الزيتون منذ عشرات السنين وقد بات أرضاً جرداء بدون أشجار.
اقرأ أيضاً: عودة مهجري ريف إدلب وحماة المنتظرة.. مستحيلة حالياً!
يقول أبو سعيد لروزنة إنه يمتلك أكثر من 35 دونماً من حقول الزيتون كانت متوزعة في مناطق مختلفة بمحيط مدينة كفرنبل، إلا أنه لم يتبق منها اليوم سوى التراب بعد قطع جميع الأشجار من قبل قوات النظام السابق.
ويوضح أبو سعيد تأثير ذلك عليه: "سأشتري غرساً وأعيد ترميم الحقول، لكن المشكلة الأساسية هي في أن غرسة الزيتون تحتاج إلى 10 سنوات على الأقل حتى تبدأ بالإثمار".
صورة من أطراف مدينة كفرنبل تظهر بقايا أفرع أشجار الزيتون المقطوعة - روزنة
ويضيف الرجل الستيني: "ورثت قسماً كبيرة من هذه الأشجار عن والدي وهو ورثها عن جدي، أي أن عمر تلك الأشجار لا يقل عن 75 عاماً، إلا أنها قطعت فقط انتقاماً من أصحابها الذين رفضوا الظلم والاستبداد".
من أين سأعيش؟
رغبة أحمد العلي (53 عاماً) بالعودة إلى قريته حزارين غرب كفرنبل كانت شديدة بعد سنوات من التهجير وضيق العيش في مخيمات قاح، شمال إدلب.
يقول أحمد لروزنة إنه كان يضطر لشراء القليل من زيت الزيتون خلال التهجير ويخلطه بالزيت النباتي، لأنه غير قادر على شراء كامل المؤونة من زيت الزيتون، بينما يمتلك 10 دونمات من أشجار الزيتون جنوب قريته.
وعبّر الرجل الخمسيني عن حزنه الشديد لدى رؤيته الحقول جرداء بعد قطع أشجارها، فيقول: "كنت أبني الآمال على الأشجار وهي مصدر رزقي الوحيد، فأنا أعمل بالزراعة منذ طفولتي، وضاق بي الحال أثناء التهجير، وكنت أظن أن الحال سيتغير مع عودتي، لكن تبدد الأمل".
"سأبيع الأراضي"
خلال الفترة الماضية التي أعقبت سقوط النظام السوري وتوضح صورة الواقع في قرى ريف إدلب الجنوبي، قرر عدد كبير من الأهالي بيع الأراضي الزراعية بعد أن صدموا بالواقع.
تحدث لـ"روزنة" أبو محمد من قرية جبالا جنوب كفرنبل قائلاً: "تكلفة غراس الأراضي اليوم كبيرة جداً، ولا أملكها أساساً، هذا عدا عن رعاية الغراس فترة عشر سنوات حتى تبدأ بالإثمار".
وأضاف بأنه قرر بيع الأرض التي يملكها، والتي تبلغ مساحتها 5 دونمات، حيث ينوي افتتاح مشروع تجاري في ثمن الأرض، فهو غير قادر على الانتظار أكثر بسبب حاجته للمصروف، وفق قوله.
حقول الألغام
تشكل الألغام المنتشرة في مناطق خطوط التماس أحد أخطر التحديات التي تواجه المزارعين في تلك المناطق.
ويصف لـ"روزنة" أبو محمود (58 عاماً) حالة بـ"المأساوي" بسبب انتشار الألغام في حقله الواقع بين مدينة كفرنبل وقرية كنصفرة.
يقول أبو محمود إن عناصر النظام السوري السابق قطعوا جميع أشجار الزيتون في حقله والحقول المجاورة "قبل أن يغرسوها بألغام الموت".
وبحسب الرجل الخمسيني فإنه لا يفكر في الوقت الراهن بزيارة الأرض حتى تنتهي الفرق العاملة في المنطقة من إزالة الألغام وتأمين المنطقة.
"سأغرسها وأنتظر محصولها"
لا توجد إحصائية رسمية لأعداد الأشجار المقطوعة في ريف إدلب الجنوبي حتى الآن، إلا أنه يكفي للناظر رؤية الحقول الجرداء الممتدة على مساحات واسعة، جنوب وغرب مدينة كفرنبل.
غالبية المزارعين في المنطقة قرروا إعادة ترميم الأراضي وغرسها بأشجار الزيتون، حيث بدأت عملية شراء الغراس من المشاتل، بحثاً عن النوعيات الجيدة.
قال خالد الأحمد من كفرنبل لروزنة إنه اشترى حتى الآن 70 غرسة زيتون من نوع "المعري" بهدف غرسها في حقوله التي قطعت أشجارها.
وأضاف الأحمد (68 عاماً) أنه بحث عن النوعيات المكفولة حصراً، إلا أن أسعارها تراوحت بين 3 و 5 دولارات للغرسة الواحدة، والتي هي بعمر ما بين 3 و 4 سنوات.
وأشار إلى أنه سيقوم بغرسها على مراحل وسينتظر إثمارها، مستعيناً بالمثل الشعبي القديم "غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون".
تحديات
بحسب خالد الأحمد فإن تحديات كثيرة قد تواجهه مستقبلاً، إلا أنه لا يملك خيارات أخرى.
وأضاف أن من بين التحديات سرقة الغراس بعد غرسها، بما أن المنطقة ما تزال غير مأهولة بالسكان، ولن تعود الحياة إليها في المدى القريب.
وأوضح أن عملية الغرس تحتاج أيضاً متابعة حثيثة ورعاية حتى يضمن المزارع نجاح غرسه ومن ثم إثماره.
وأشار إلى وجود تحدٍ هو الأكثر احتمالاً، في أن ينتشر رعاة المواشي في الحقول وتفسد المواشي الغراس، ما يتطلب إعادة غرسها من جديد.
وبانتظار عودة الأهالي مجدداً إلى مناطقهم المدمرة وعودة الحياة إليها مجدداً، يبقى عدد كبير منهم في المخيمات بدون مصادر رزق، بعد أن كانت آمالهم كبيرة بعودة أراضيهم لهم، وعودتهم إليها.