تقارير وتحقيقات | 31 01 2025

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بوقف المساعدات الخارجية، يهدّد بتجميد الدعم لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تحرس أكبر مخيمين في شمال شرقي سوريا، حيث عشرات الآلاف من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وفق مسؤولين أميركيين.
ويؤثر التجميد إضافة للأمن على البرامج الإنسانية، مثل توفير المساعدات الأساسية في مخيمات شمال شرقي سوريا، في ظل مخاوف من عودة ظهور "داعش" في المنطقة بسبب تعطل هذه العمليات الحيوية، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، أمس الخميس.
وأصدر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، في الـ 20 من الشهر الجاري، حزمة من القرارات بعد توليه منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، منها إعادة تقييم وتنظيم المساعدات الخارجية المقدمة من الولايات المتحدة للدول والجهات الأخرى.
ويقضي الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بأن سياسة الولايات المتحدة هي عدم صرف أي مساعدات خارجية أخرى من الولايات المتحدة، بطريقة لا تتوافق بشكل كامل مع السياسة الخارجية لرئيس الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: البيت الأبيض يعيد تقييم وتنظيم المساعدات الخارجية للولايات المتحدة
توقف منظمات عن الدعم
تشرف "قسد" في شمال شرقي سوريا على سجون ومخيمات تحتجز مقاتلي تنظيم "داعش" وعائلاتهم، وينحدر معظمهم من سوريا والعراق، وعشرات الجنسيات الأخرى.
ووفق تقرير "نيويورك تايمز"، فإن قرار ترامب تسبب في اضطرابات لمنظمة أميركية في سوريا اضطرت إلى وقف عملياتها مؤقتاً داخل مخيم "الهول" حيث يُنظر إلى العدد الكبير من أعضاء التنظيم على أنه تهديد أمني.
وأصدر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أمراً بوقف جميع المساعدات الخارجية، ما أدى لتعطيل عمل شركة " Proximity International" الأميركية التي تدير برنامجاً لتدريب وتجهيز آلاف السوريين كقوة شرطة، وتزويدهم بالمركبات والمعدات اللازمة.
جيهان حنان، مديرة مخيم الهول ومسؤولة في "الإدارة الذاتية" قالت لصحيفة "نيويورك تايمز" إن أحد الأدوار الرئيسية للشركة توفير الأمن داخل مخيم الهول الذي يضم 39 ألفاً من أعضاء "داعش" وعائلاتهم واللاجئين، وأفراداً من 42 جنسية أخرى.
وتضيف: "لقد أثر ذلك علينا بشكل كبير، كانوا يدعمون الأمن الداخلي، ويوفرون المعدات التقنية اللازمة لأبواب المخيم، مثل الكاميرات الأمنية، كل هذه الأمور كانوا يدعمونها."
وطالبت حنان من الولايات المتحدة الاستمرار في دعم "قسد" حتى النهاية، أو لحين ضمان السلام في المنطقة، وذلك لكونها قاتلت في الخطوط الأمامية ضد "داعش".
ومن المقرّر أن ينتهي عقد الشركة الأميركية "Proximity International " لدعم "قسد"، اليوم الجمعة، بحسب حنان واثنين من موظفي البرنامج.
وبسبب الأمر بوقف العمل، لا يمكن للشركة توقيع عقد جديد مع القوات الأمنية لدى "قسد".
وقال موظفون إن الشركة الأميركية قدمت طلباً للحصول على إعفاء، لكنها لم تتلق ردًا حتى أمس الخميس.
مخاوف من عودة "داعش"
وتتزايد المخاوف بشأن عودة ظهور تنظيم "داعش" وبخاصة مع استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا، بعد نحو شهرين على سقوط النظام السوري السابق.
"مخيم الهول مليء ببقايا داعش، وسجوننا ممتلئة بمقاتلي التنظيم، إنهم يشكلون تهديداً هائلاً لسكان هذه المنطقة"، تقول حنان.
وأعرب مسؤولون أمنيون غربيون عن قلقهم من أي تدهور في السيطرة على مخيمي الهول والروج والسجون، ما قد يؤدي إلى إحياء تنظيم "الدولة" في المنطقة وخارجها، وفق الصحيفة.
وكذلك يعتبر مخيم "روج" واحد من المخيمات التي تديرها "الإدارة الذاتية"، ويقع قرب الحدود مع العراق، مخصص بشكل أساسي لاحتجاز نساء وأطفال تنظيم داعش.
و مخيم "روج" أقل اكتظاظاً من مخيم الهول الأكثر شهرة، لكنه يضم العديد من الأجانب الذين التحقوا بالتنظيم أو كانوا مرتبطين به.
تجميد الأموال الذي من المقرر أن يستمر لمدة 90 يوماً، برره ترامب بأنه ضروري لضمان عدم هدر الأموال الأميركية، لكن تأثيره يسلط الضوء على المخاطر التي تهدد العمليات التي تعتبر حاسمة لمنع عودة ظهور "داعش"، وفق الصحيفة.
ولا تزال القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا، تدعم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في معاركها ضد تنظيم "داعش"، بحسب التقرير.
وأشار التقرير إلى "مسؤلين محليين" لم يذكرهم، حذّروا أن تجميد الدعم لا يشكل فقط خطراً أمنياً، بل يمكنه تقويض علاقة واشنطن بحلفائه من "قسد".
وكانت آخر معركة كبيرة لداعش في سوريا في آذار 2019، في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور شرقي سوريا.
هذه المعركة كانت آخر معاقل تنظيم داعش في سوريا، حيث تمكنت "قسد" المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من استعادة السيطرة على المنطقة بعد معركة عنيفة استمرت لعدة أسابيع.
وكانت القيادة المركزية الأميركية، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، قالت في بيان منتصف الشهر الجاري، إنها لا تزال تركز على دعم إعادة سكان مخيمي الهول والروج إلى بلدانهم الأصلية، عبر تواصل العمل مع المجتمع الدولي للبت بأمر عناصر التنظيم في بلدانهم.
قد يهمك: القيادة المركزية الأميركية تزور سوريا وتلتقي "قسد".. ما أهداف الزيارة؟
تأثيرات أخرى لتجميد الدعم
لم يؤثر تجميد الدعم فقط على الأمن، بل طال أيضاً المساعدات الإنسانية.
واضطرت منظمة "Blumont" وهي منظمة غير ربحية مقرها في ولاية فيرجينيا، إلى وقف أعمالها مؤقتاً يوم السبت الماضي في مخيم الهول والروج شمال شرقي سوريا، مما كشف عن المخاطر المحتملة لهذا الوضع.
وتدير المنظمة توزيع المساعدات، وتوفير الكهرباء والمرافق الصحية في المخيمات، وتوظف حراساً لحماية المستودعات ومراكز الإمداد.
كذلك تساعد في عمليات إعادة التوطين، حيث ينظر إلى تقليل عدد سكان المخيمات على أنه أمر أساسي للحد من استغلال "داعش" لهذه التجمعات.
وتوضح حنان، مديرة مخيم الهول، أن المنظمة أُمرت يوم السبت الماضي بوقف العمليات، وذلك قبل ساعات فقط من الموعد المقرر لإعادة عشرات العائلات إلى العراق، وجراء ذلك سحبت المنظمة على الفور حراسها الأمنيين وعلّقت توزيع الخبز والوقود.
وتدخلت "قسد" لسد الفجوة الأمنية بعد سحب المنظمة لحراسها.
ومع مطلع الأسبوع الجاري، حصلت منظمة "Blumont" على إعفاء لمدة أسبوعين لمواصلة الأمن وتقديم المساعدات الإنسانية في المخيمات بينما تراجع الإدارة الأمريكية هذا الملف، وفق موظف في المنظمة ومسؤول عسكري أمريكي رفيع.
قاطنو المخيم يطلبون المغادرة
التأخير في توزيع الخبز خلال عطلة نهاية الأسبوع أثار غضب قاطني مخيم الهول، وهو ما أثار مخاوف من اندلاع أعمال عنف.
تقول حنان: "بدأ الناس يطالبون بفتح البوابات والسماح لهم بالمغادرة". وأبدت تخوفها من حدوث انفجار بين قاطني المخيم في حال استمرار انقطاع الدعم، وتساءلت: "هل يمكن أن يهاجمونا؟ يحاولون الفرار؟ كل ذلك ممكن الحدوث."
وحذرت مديرة الهول من أن المساعدات المقدمة للمخيمات ضرورية لاستقرار المنطقة: "داعش لا يزال هنا، الأمر لم ينته بعد".
وحتى بعد انتهاء فترة الإعفاء، ستواصل منظمة "Blumont" تقديم المساعدات والخدمات الأساسية في المخيمات لحين إبلاغهم بخلاف ذلك، بحسب ممثل عنها.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية، قالت في بيان، الأربعاء الفائت، إنّ "التجميد المؤقت، مع استثناءات منطقية للحالات التي تهدد الحياة، هو السبيل الوحيد لتقييم ومنع الهدر".
ووفق التقرير، تدعم المساعدات المالية الأميركية الخارجية برامج إنسانية وتنموية وأمنية، وتشكل أقل من 1 بالمئة من ميزانية الحكومة الأمريكية.
وسبق أن قالت السفارة الأمريكية في سوريا، ببيان في أيلول الماضي، أن الولايات المتحدة ما زالت أكبر جهة مانحة منفردة للمساعدات الإنسانية استجابة للأزمة السورية.
وقد ساهمت بحوالى 1,2 مليار دولار للاستجابة لما يحصل في سوريا وتداعياته في المنطقة في السنة المالية 2024، بالإضافة إلى أكثر من 18 مليار دولار منذ بدء الأزمة منذ 13 عاماً، حسب البيان.