تقارير وتحقيقات | 7 01 2025
سهاد الخضريبعد سقوط النظام السوري السابق وهروب بشار الأسد، بدأ مصريون وسوريون يتساءلون: "ما ماستقبل المستثمرين في مصر؟ وإن عادوا هل لهم تأثير؟ وهل سيعودون؟".
بدأ توافد السوريين إلى مصر في عام 2012، وبحسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة يبلغ تعدادهم نحو مليون ونصف سوري.
روزنة تحدثت مع مستثمرين سوريين بدؤوا استثماراتهم قبل 12 عاماً وحققوا نجاحات في قطاعات مختلفة، وتعرفت على رؤيتهم لمستقبلهم في مصر واحتمالية العودة إلى سوريا للاستقرار فيها، في ظل معوقات اتخذتها مصر كدول عديدة، لقوننة أوضاع السوريين.
من تجارة الأخشاب إلى إدارة المطاعم
تنوعت استثمارات الجالية السورية في مصر بين إدارة المطاعم والأثاث و الاستثمار العقاري والأقمشة، متركزة في المدن الجديدة كـ" دمياط الجديدة ،العاشر من رمضان، العبور و6 أكتوبر".
عمل محمد زكريا طوال سنوات عمره في تجارة الأخشاب و المطاعم، ووجد نفسه كملايين السوريين والسوريات مهجراً أو مجبراً على مغادرة سوريا بسبب الحرب، وكانت وجهته مصر، ليستقر في مدينة دمياط الجديدة شمالاً، ليستعيد هذه المرة نشاطه في إدارة المطاعم.
يقول "زكريا" لروزنة: "غادرت سوريا في الـ2014 عقب اندلاع الأحداث (الثورة السورية)، ونفذت استثمارات في مصر بمجال إدارة المطاعم، وأصبح لدي مطعم الآن".
وحول العودة إلى سوريا، بعد سقوط النظام، يقول: "إن فكرت في العودة لن يكون قبل عامين أو ثلاثة، مطعمي بات مصدر رزق لعشرات من العمالة المصرية والسورية على حد سواء، لايمكن أن أنهي نشاطي في يوم وليلة".
يعتمد زكريا في عمله على نحو 60% من العمالة المصرية مقابل 40% من السوريين ، وأعرب عن تخوفه من عودة العمال السوريين إن واجهتهم أزمة في تجديد الإقامات.
اقرأ أيضاً: أسئلة وإجابات عن قانون اللجوء الجديد في مصر
وحصل هو الإقامة الاستثمارية وتصاريح العمل والترخيص الذي استغرق قرابة العامين، لكن في ظل ارتفاع تكلفة تجديد الإقامة واحتمالية صدور قوانين جديدة، يرجح محمد زكريا عودة ما يتراوح من 70 إلى 80% من العمالة السورية في مصر، حسب تقديره الشخصي.
وأوضح: "تكاليف التجديد تفوق قدرة البعض، إذ تصل لـ 750 دولاراً سنوياً لأسره لديها 3 أطفال".
وفقًا لتقرير المنظمة الدولية للهجرة (IOM) الصادر في يوليو 2022 يقدر عدد المهاجرين في مصر نحو 9 ملايين و يشكل المهاجرون نحو 8.7% من السكان المصريين، 56% منهم يتركزون في محافظات القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، دمياط والدقهلية.
وينتمي 80% من اللاجئين إلى واحدة من أصل أربعة بلدان رئيسية وهي: السودان، وسوريا، واليمن، وليبيا، بينهم نحو مليون ونصف مليون سوري، حسب التقرير.
بعد النجاح لا عودة لسوريا
محمد سعيد (45 عاما) رجل أعمال سوري استقر في مصر منذ عام 2012، ومنذ وصوله حرص على دراسة السوق المصري جيداً، ليقرر الاستثمار في مجال الصناعات الغذائية، إذ افتتح في 2014 مصنعين بمدينة العاشر من رمضان التابعة لمحافظة الشرقية.
تخصص "سعيد" في صناعة العديد من المنتجات التي اكتسبت شهرة واسعة، وحول استثماره يقول لروزنة: "حرصت على الجمع بين الطريقتين المصرية والسورية في عملي. أقوم بتصنيع المخللات وزيت الزيتون والعصائر ودبس الرمان".
ويعتمد رجل الأعمال السوري في توزيع منتجاته على السوق الداخلي المصري، واللافت أنه لم يستعن بالعمالة السورية كغيره من غالبية المستثمرين السوريين، إذ اعتمد بشكل كامل على العمالة المصرية.
لا يفكر سعيد في العودة إلى سوريا إلا للزيارات وليس الاستقرار، شارحاً السبب: "مصر وأهلها لهم فضل كبير علي، حققت نجاحات كبيرة هنا ولا أفكر في العودة لسوريا. والجو مشجع في مصر على الاستثمار".
قد يهمك: "طرد السوريين من مصر".. لجان إلكترونية تقود الحملة وحسابات عراقية عينها على المستثمرين
50% من استثمارات السوريين في المطاعم
يقول أسامة حفيلة نائب رئيس اتحاد المستثمرين في حديثه لروزنة، إن الاستثمارات السورية في مصر تتنوع بين إدارة المطاعم بنحو 50% ، صناعة الأثاث بنحو 20%، صناعة النسيج بنسبة 15%، الاستثمارات العقارية 15%، حسب تقديره ومعلوماته.
وتتركز استثمارات السوريين في المجتمعات العمرانية الجديدة ك" العبور ، العاشر من رمضان ،6 أكتوبر ،دمياط الجديدة و السادات، مشيرًا إلى "تلقي السوريين أفضل معاملة في مصر سواء كانوا مستثمرين أم مواطنين ولا يوجد فرق بينهم و بين المصريين".
وأضاف أن السوريين حصلوا على امتيازات وتسهيلات بالنسبة للضرائب والتأمينات وأيضاً الإسكان والأراضي.
وأشار "حفيلة" إلى عدم وجود حصر بحجم الاستثمارات السورية في مصر لديهم، نافياً في الوقت ذاته إمكانية تأثر الاقتصاد المصري إن قرر المستثمرون السوريون العودة إلى وطنهم.
وقال: "حال أرادوا تصفية أنشطتهم فهم الخاسرين وليس الاقتصاد المصري، خاصة وأن هؤلاء يعملون بصورة جيدة جدا وبات لديهم زبون خاص بهم منذ سنوات، فضلاً عن تنوع أنشطتهم".
وحول الإجراءات الخاصة بالإقامة، يرى "حفيلة" أن لكل دولة الحق في الحفاظ على نظامها العام (...) تتلقى الجالية السورية أفضل معاملة في مصر، ولم يصدر تعليمات جديدة تخص الحصول على الإقامات الاستثمارية أو تجديدها"، وفق قوله.
ويقدر حجم الأموال التي استثمرها 30 ألف مستثمر سوري في مصر مليار دولار، وفق تصريح تلفزيوني سابق للمهندس خلدون الموقع رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر.
وقدر "الموقع" أن عدد المصانع السورية في مصر تتراوح من 5000 إلى 7000 مصنع، تنتج مجتمعة 120 مليون قطعة من منتجات متنوعة شهرياً.
قطاع الملابس: 4000 مستثمر سوري
يقدر الدكتور محمد عبد السلام، رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة باتحاد الصناعات المصرية، فى تصريح لروزنة، عدد المستثمرين السوريين فى قطاع الملابس والمنسوجات، من 3500 إلى 4000 مستثمر.
وعن التيسيرات المقدمة لهم، يقول "عبد السلام" أن المستثمر السوري يتمتع بكافة المواد الواردة في قانون الاستثمار أسوة بأي مستثمر أجنبي، مشيرًا إلى أن نشاطهم في هذا القطاع ينتشر بمختلف محافظات الجمهورية.
وللمستثمرين السوريين في مصر مصانع بمناطق الإسكندرية، برج العرب، العبور، جسر السويس والشرقية".
ولا يتوقع عبد السلام عودة المستثمرين السوريين مجددا إلى بلادهم "فما حققوه من نجاحات و ما قدمته مصر لهم من امتيازات لا يمكن أن يتواجد في دولة أخرى (...) السوق المصري ضخم جدا واستطاع هؤلاء أن يحققوا مكاسب هائلة".
وحسب تقرير للمنظمة الدولية للهجرة، يمثل السوريون 17٪ من الجنسيات التي تساهم بشكل إيجابي في سوق العمل المصري.
محمود القصير سوري هاجر من مسقط رأسه بريف دمشق إلى مصر في أوائل عام 2013 ليترك خلفه عائلته، فيما سرق مسلحون (لم يحدد تبعيتهم) محتويات منزلهم بالكامل في سوريا.
عمل "القصير" لسنوات في مجال التجارة والاستيراد والتصدير إلى أن اقتحم مجال صناعة الأثاث ليفتتح مصنع صغير في 2019 بمدينة دمياط الجديدة شمال مصر، ليواجه بعض الصعوبات كمستثمر برأس مال صغير، وسط تقلب سعر صرف الدولار.
ويرى محمود أن "الالتزام والمتابعة والمصداقية في العمل أهم ما تميزت به العمالة السورية في مصر، التي تشكل دولة جاذبة للاستثمار وبها بنية تحتية تشجع أي مستثمر على استثمار أمواله"، لذلك ورغم سقوط بشار الأسد إلا أنه لم يقرر العودة إلى بلاده بعد.
استطاع محمود أن يصدر منتجاته إلى ألمانيا والإمارات ودول أوروبية، إلا أنه كغيره من السوريين واجه مؤخرًا مشكلة في تجديد الإقامة ما أعاق تجديد رخصة السيارة و سداد مصاريف أطفاله بالمدارس لارتباطها بشكل وثيق بالإقامة.
لا يتوقع محمود عودة قريبة للمستثمرين السوريين لبلدانهم ، قائلا "الأمور بسوريا لازالت محل تخبط و لن يحدث تخارج للاستثمار السوري من مصر إلا بعد سنوات، في حال شهدت سوريا استقراراً ملموساً"، وفق قوله.
إجراءات جديدة حيال السوريين
وضعت الحكومة المصرية اشتراطات جديدة تخص دخول السوريين حاملي الإقامات الأوروبية والأمريكية والكندية أراضيها، حيث أوقفت دخولهم إلى حين الحصول على"الموافقات الأمنية " المسبقة إلى جانب تأشيرة الدخول.
كذلك، أوقفت السماح للسوريين حاملي تأشيرات شنغهن بدخول مصر، كما شمل القرار منع دخول السوريين سواء كانوا زوج أو زوجة لمصري أو مصرية دون موافقة أمنية .
من جهته أعتبر أشرف ميلاد روكسي المحامي والباحث في قضايا اللجوء والهجرة في حديثه مع روزنة، أن بعض التعقيدات التي تواجه المهاجرين السوريين القادمين لمصر متمثلة في طلب التصريح الأمني لطالبي التأشيرة من السوريين القادمين لمصر بمقابل مادي كبير.
يضاف لذلك وقف الإقامات السياحية والاقتصار على الإقامات الاستثمارية والتعليمية، إذ ارتفع سعر تجديد الإقامة للفرد من 1500 إلى 7500 جنيه خلال الفترة من 2023 إلى 2024 .
بحسب النشرة السنوية للأجانب العاملين في القطاع الخاص والاستثماري في مصر لعام 2022 و الصادرة في مايو 2023 عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تراجع تعدادهم من 14950 إلى 13331 خلال الفترة من 2019 إلى 2022.
و يبلغ تعداد الذكور 10735 بينما يبلغ تعداد الإناث 2596، بينما تحتل الجنسية السورية المرتبة الرابعة من حيث عدد الأجانب الحاصلين على ترخيص عمل في القطاع الخاص والاستثماري طبقا لنوع الجنسية بعدد 965 بما يمثل 7.2%.
بحسب التقرير الصادر عن مفوضية اللاجئين في يونيو 2024 ، تستضيف مصر 672 ألف لاجئ، وطالب لجوء مسجل من 62 دولة، ويشكل السودانيون الفئة الأكبر من اللاجئين في مصر بلغ تعدادهم 392 ألف، فيما بلغ السوريون 156 ألف.
ويعيش معظم اللاجئين في المناطق الحضرية بالقاهرة ومحافظات الساحل الشمالي.