تقارير وتحقيقات | 2 01 2025
إيمان حمراويأثارت تعديلات على المناهج الدراسية أجرتها وزارة التربية في حكومة تصريف الأعمال السورية، موجة غضب وانتقاد حاد عبر مواقع التواصل، منذ أمس الأربعاء، لما اعتبره البعض محاولات فرض "آليات تفكير أيديولجية" ليست بالأصل من صلاحيات الحكومة قانونياً.
نعرض لكم في المادة، رد وزارة التربية على أسئلة روزنة وتجاهل بعضها، مع رأي قانوني عن شرعية اتخاذ حكومة تصريف الأعمال دستورياً لمثل هذه التعديلات، وآراء سوريين ومعلمين حولها.
قبل التفاصيل.. ما القصة؟
جاءت التعديلات التي طالت معظم المواد، مثل الاجتماعيات والفلسفة والتربية الإسلامية والعلوم واللغة الإنكليزية وغيرها، إما على شكل "حذف دروس كاملة" أو "فقرات محددة" أو استبدال جمل بأخرى، بحسب إعلان وزارة التربية عبر صفحتها الرسمية في فايسبوك.
ومن أبرز التعديلات التي أثارت جدلاً تعديل جملة "دفاعاً عن الوطن" إلى "دفاعاً عن الله"، و"طريق الخير" إلى "طريق الإسلام"، إضافة لـ"المغضوب عليهم والضالين" إلى "اليهود والنصارى".
كذلك، حذف اسم الملكة زنوبيا من فقرة بمادة التربية الإسلامية لأحد الصفوف، وكلمة "القانون" من عبارة "الالتزام بالشرع والقانون"، إضافة لفقرات متعلقة بـ"الآلهة القديمة".
وأيضاً، تعديل وحذف مواضيع حول "تطور الدماغ" و"أصل الحياة" وشخصيات وطنية مثل إبراهيم هنانو، فضلاً عن "شريعة حمورابي" ومواضيع حول "النحت".
سيل من الانتقادات أغرقت وسائل التواصل الاجتماعي منذ أمس الأربعاء، حيث اعتبر سوريون وفاعلون بالشأن العام، أن التعديلات تمثل "تدميراً" وليس "تغييراً أو تعديلاً"، ووصفها آخرون بأنها "محاولة لفرض نهج هيئة تحرير الشام ولا يمكن قبولها".
ما رد وزارة التربية على أسئلة روزنة؟
وزير التربية والتعليم، نذير القادري، أوضح لروزنة، "أن ما جرى على المناهج هو حذف بعض الفقرات وليس تعديلاً، وما زالت المناهج على حالها ولم تسحب من الطلبة".
وأضاف: "من يدقق في العبارات المستبدلة لغوياً يلاحظ أنه لا مشكلة فيما عُدل، ماتم حذفه هو ما يمجد النظام البائد وأتباعه"، وفق قوله.
وأكّد القادري أنّ "التعديلات والتغييرات في المنهاج سيكون بعد استقرار الأوضاع في سوريا، أما الآن فلا تعديل، فقط حذفت بعض العبارات، ويوجد فارق كبير إن أردنا التعبير بين تعديل شامل وحذف بعض الفقرات".
واستنكر سوريون زعم "الوزير" أن التعديل فقط في مادة "التربية الإسلامية" كما نقلت وكالة "سانا"، لأن ما نشرته الوزارة تعديلات في مواد مختلفة من الصف الأول حتى الثالث الثانوي، كالعلوم والفلسفة واللغة الإنكليزية والعربية والتاريخ وغيرها.
وعلق المحامي والحقوقي ميشيل شماس على منشور "وزارة التربية" حول توضيح الوزير: "تصريح الوزير موارب ومضلّل، التعديلات لم تقتصر على مقرر الديانة بل شمل مقررر اللغة العربية والتاريخ والعلوم والفلسفة. والدراسات الاجتماعية".
كذلك، كتب إبراهيم البوش: "وفسر الماء بعد الجهد بالماء..التعديلات شملت كتب التاريخ، العلوم، اللغة العربية، الفلسفة، اللغة الإنكليزية.. الخ .معقول كل هالكتب بمجدو بالنظام البائد ؟ يا إما الوزير فعلاً مانو مطلع ع كل التعديلات يا إما عم يحاول يضحك ع عقولنا!".
تجاهل ولا تعليق!
التعديلات شملت حذف فقرات تتحدث عن شخصيات عربية مناضلة ضد الاستعمار الفرنسي مثل إبراهيم هنانو ونازك العابد، واستبدال وحذف عبارات من مختلف المواد التدريسية، فضلاً عن حذف كل ما يتعلق بحكم عائلة الأسد منذ سبعينيات القرن الماضي.
ولم تعلّق الوزارة على سؤال روزنة عن التعديلات التي طالت مرحلة ما قبل حكم عائلة الأسد سوريا، مثل مرحلة الاحتلال الفرنسي وحذف الفقرات التي تتحدث عن الشخصيات الوطنية مثل إبراهيم هنانو وغيره.
كذلك، لم تجب "التربية" على سؤال عن آلية تعديل المناهج الحاصل، وسط انتقادات حول شرعية وأهلية اللجان التي عدّلت على المنهاج خلال مدة قصيرة.
اقرأ أيضاً: وزارة التربية: تعديلات على المناهج وإلغاء نتائج اختبار الترشح لامتحان الشهادة الثانوية
"ستشكل لجان مراجعة وتدقيق"
وبيّن القادري لروزنة أنّ "المناهج الدراسية في جميع مدارس سوريا ما زالت على وضعها حتى تشكّل لجان اختصاصية لمراجعة المناهج وتدقيقها".
وأكد أنهم وجهوا فقط بحذف ما يتعلّق بما يمجد النظام السابق، واعتماد علم الثورة السورية بدلاً للعلم السابق في جميع الكتب المدرسية.
وأوضح أن "ما تم الإعلان عنه هو تعديل لبعض المعلومات المغلوطة التي اعتمدها نظام الأسد في منهاج مادة التربية الإسلامية، مثل شرح بعض الآيات القرآنية بطريقة مغلوطة، فاعتمدنا شرحها الصحيح كما ورد في كتب التفسير للمراحل الدراسية كافة".
وحول هذا، كتبت الباحثة السياسية فرح يوسف تعليقاً على صفحة الوزارة: "لازم الحكومة المؤقتة تصدر تعميم واضح: 1. وقف تدريس أي شي بيمجّد آل الأسد أو نظامه.2. عدم العبث بالمناهج الحالية، لأن هاد مو من صلاحياتها ولا أولوياتها".
وأضافت في جزء من تعليقها: "التعليم حالياً مهدد بالانهيار الكامل:- البنية التحتية شبه معدومة.- الطلاب العائدين من دول الجوار بحاجة لدمج ودعم نفسي وتعليمي.- المعلمات والمعلمين بلا رواتب منتظمة، فكيف ممكن نتوقع منهم بناء أجيال؟".
وتابعت:"صلاحيات الحكومة المؤقتة لازم تتركز على خدمة الناس فعلياً، مو على حملات دعائية أو تغييرات عشوائية".
وختمت شارحة: استراتيجية واضحة لإعادة تأهيل التعليم كأولوية، وضمان الموارد الأساسية لدعم العملية التعليمية، وإشراك المجتمعات المحلية بالقرارات بدل فرض تغييرات بدون أي حوار.إدارة المرحلة المؤقتة مسؤولية تاريخية، والتقصير بهالملف كارثي وما بينغفر".
وكان القادري صرّح قبل أيام لقناة "العربية"، عن عدم رغبتهم حالياً بتغيير المناهج الدراسية كون الطلاب في منتصف العام الدراسي، معلناً رغبتهم بتعديلها وحذف وإزالة وطمس كل "ما خلفه النظام السوري".
وأوضح: "المناهج ستنقّح وتؤخذ منها العبارات، لكن المناهج الدراسية ستستمر على ما بنيت عليه حتى نهاية العام الدراسي".
ما هي التعديلات؟
في مادة التربية الإسلامية، استبدلت بعض العبارات، مثل تغيير "دفاعاً عن الوطن" إلى "دفاعاً عن الله"، و"طريق الخير" إلى "طريق الإسلام" دلالة على تفسير "الصراط المستقيم"، على حد القرار.
وغيرت التعديلات "المغضوب عليهم والضالين" إلى "اليهود والنصارى"، والمطالبة بتغيير التحية عند مخاطبة أحد ما لـ"البدء بالسلام"، كذلك حذفت كلمة "القانون" من عبارة "الالتزام بالشرع والقانون".
واعتبرت وزارة التربية شخصيات "خولة بنت الأزور" التي اشتهرت بمهارتها في القتال في زمن الصحابة وخاصة عمر بن الخطاب، شخصية خيالية، وبموجب ذلك "حذفت من المنهاج" في مادة التربية الإسلامية.
وفي ذات البند ورد حذف اسم "زنوبيا" دون تفسير إن كانت "شخصية خيالية" تعود على "بنت الأزور" فقط أولزنوبيا، حسب ما تداول صحافيون ورواد مواقع التواصل سوريون.
وتداول صحافيون أن الحذف جاء من مادة التربية الإسلامية، مؤكدين أن اسم زنوبيا وارد في مادة التاريخ وبمنهاج معتمد لدى "حكومة الإنقاذ" في إدلب (الذراع التنفيذي السابق لتحرير الشام أبرز فصائل إدارة العمليات)، دون أن يتسنى لروزنة التحقق من دقة المعلومة الأخيرة.
حذف كامل
وحذفت العديد من المعلومات التاريخية مثل مدونة حمورابي، وهي واحدة من أقدم وأشهر القوانين المكتوبة في التاريخ.
أيضا، حذفت التفاصيل المتعلقة بشخصيات ناضلت ضد الاستعمار الفرنسي مثل "نازك العابد" وشخصيات أخرى مثل "جول جمال" و"إبراهيم هنانو" وغيرهم.
كذلك حذف ما يتعلق بالفنون وأشكالها مثل حذف فقرة النحت في كتاب اللغة الإنكليزية، وحذف "صور التماثيل"، وحذفت نصوص شعرية كاملة تتحدث عن الاستبداد، فضلاً عن حذف فقرات تنتقد الاحتلال العثماني مثل فقرة "رأي جور العثمانيين" في كتاب للغة العربية.
وشمل الحذف الكامل، درس "أصل الحياة وتطورها على الأرض" من كتاب العلوم للصف الثامن. وحذف "أصل وتطور الحياة" في كتاب العلوم للثالث الثانوي العلمي.
بمختلف المواد
وحذفت التعديلات كل ما يتعلق بالمرحلة التي حكم خلالها حافظ الأسد وابنه بشار في سوريا والمقابلات الخاصة بهم والتسميات المتعلقة بهم.
كمثال في مادة الدراسات الاجتماعية، حذف كل ما يتعلق بمنظمة الطلائع أو اسم الطليعي أو "حرب تشرين التحريرية" التي خاضتها سوريا ومصر ضد إسرائيل عام 1973.
وفي مادة الجغرافيا حذفت التعديلات كل كمثال مقابلة مع بشار الأسد الرئيس السابق الهارب إلى موسكو.
وفي مادة التاريخ حذفت المواد المتعلقة بالآلهة القديمة مثل قصة "الإله ملقارت".
وحذفت فقرة "مدونة حمورابي" وهي من أقدم القوانين المكتوبة في التاريخ الإنساني، أصدرها الملك البابلي حمورابي، وتهدف إلى تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مملكة بابل.
هل يحق لحكومة تسيير الأعمال تعديل المناهج؟
المحامي السوري، غزوان قرنفل، قال لروزنة، حول سؤالها فيما إذا كان يحق لحكومة تسيير الأعمال السورية تعديل المناهج أم لا: "إن الحكومة الحالية هي بمثابة "حكومة تسيير أعمال" وهي لا تملك الصلاحيات القانونية لهذا الأمر".
وأضاف أن "تعديل المناهج لا يجري بتلك الطريقة بل عبر تشكيل لجان علمية متخصصة تعيد النظر بمحتوى كل المناهج وتضع بدائل عنها".
وصرحت وزارة التربية لروزنة، أنها ستشكل لاحقاً لجنة مختصة لتعديل المناهج، ما يعني أنّ التعديلات الحالية لم تكن تحت إشراف لجنة، موضحة فقط أنها "وجهت لحذف ما يتعلق بما يمجد النظام السابق".
وأشار قرنفل إلى أن عمل ودور حكومة تسيير الأعمال حالياً يقتصر على إدارة شؤون البلاد والسوريين وتأمين احتياجاتهم وحفظ أمنهم لا أكثر، وبالتالي كل القرارات الكبرى التي اتخذتها السلطة حالياً ليست في إطارها القانوني.
"ارفعوا أيديكم عن التعليم"
فور صدور الإعلان عن التعديلات الجديدة، انتقدها الكثير من السوريين معتبرين أن "التعليم هو مستقبل الشعب ولا يجوز العبث فيه بهذه الطريقة العشوائية"، وأطلقوا وسماً تحت اسم "ارفعوا أيديكم عن التعليم".
ليلى معلمة في المرحلة الابتدائية بمدرسة في سوريا، اعتبرت خلال حديثها مع روزنة، تعديلات المناهج بأنها "تدمير وليست تغيير"، متسائلة: "كيف لي أن أقول لطلابي المسيحيين بأنهم من المغضوب عليهم والضالين؟".
من جهتها تقول لمياء معلمة في مدينة حلب لروزنة، بأنهم حتى لو عارضوا التعديلات الجديدة، "لكنهم سيكونون ملزمين بالسير وفق المنهاج المحدد وتعديلاته، ولا سيما في ظل وجود موجهين متابعين للعملية التعليمية خلال زياراتهم للمدارس".
أما المعلم محمد يعتبر "التقيد بحرفية المنهاج شيء أساسي وخاصة في ظرف سوريا الجديدة، المساءلة الآن صعبة ستكون وقد يكون فيها تخوين في حال عدم الالتزام بالقرارات والتعديلات الجديدة".
وجاءت التعديلات ضمن مجموعة قرارات أصدرتها وزارة التربية، أمس الأربعاء، أحدها إصدار قرار بإلغاء نتائج اختبار الترشح لامتحان الشهادة الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي، لدورة عام 2024 – 2025.
وشملت القرارات أيضاً إلغاء العقوبات المسلكية الخفيفة المفروضة بحق العاملين كافة في وزارة التربية والتعليم والجهات التابعة لها.
وتأتي القرارات الجديدة بعد تعيين نذير القادري (55 عاماً) وزيراً للتربية في حكومة تسيير الأعمال السورية في دمشق برئاسة محمد البشير، خلفاً لمحمد عامر المارديني، وذلك إثر سقوط النظام السوري.
وشغل القادري الذي يحمل بكالوريوس في اللغة العربية من جامعة دمشق، منصب وزير التربية والتعليم في "حكومة الإنقاذ" بمحافظة إدلب، في منتصف الدورة السادسة ودورتها السابعة.
كذلك شغل رئيس لجنة التنظيم والإدارة في "وزارة التربية والتعليم" ومدير الرقابة الداخلية لدى الإدارة ذاتها.
وطالت المناهج التي فرضتها مختلف القوى المسيطرة في سوريا، على مدار السنوات الماضية، انتقادات واسعة من أخصائيين وحقوقيين وناشطين، كتلك المعتمدة لدى "حكومة الإنقاذ" و"الحكومة المؤقتة" و"الإدارة الذاتية" والنظام السوري السابق.