تقارير وتحقيقات | 31 12 2024
نور الدين الإسماعيل"عليك أن تنتبه جيداً أين تضع قدميك"، ربما تظن أن هذا القول مثلٌ شائع وله إسقاطات، لكن في سوريا التي اعتادت على كل أنواع الموت والقتل باتت هذه الجملة حقيقة وواقعاً، مع انتشار مخلفات الحرب والألغام، خصوصاً بعد سقوط النظام السوري السابق.
لم يُلْقِ المدنيون أذناً مصغية للنداءات التي أطلقتها المنظمات الإنسانية حول ضرورة الحذر عند السير في الأراضي الزراعية بأرياف إدلب التي سيطرت عليها غرفة عمليات "ردع العدوان" والتي انتهت بسقوط "النظام السوري" السابق.
وتنتشر حقول الألغام في المناطق القريبة من خطوط التماس سابقاً، والتي كانت تفصل قوات النظام السوري السابق عن قوات المعارضة السورية المسلحة في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي.
اقرأ أيضاً: عودة مهجري ريف إدلب وحماة المنتظرة.. مستحيلة حالياً!
تسوية.. نزع الألغام مقابل الحماية
في بلدة حاس جنوب إدلب تنتشر حقول الألغام في محيط البلدة، وخصوصاً في منطقة الجبل (السفح الجنوبي لجبل الزاوية)، والتي تقع على الأطراف الشمالية للبلدة.
وجد الأهالي في عنصر سابق لدى قوات النظام السوري، سبيلاً لنزع الألغام عبر الاستفادة من معلوماته وخبرته حول الموضوع.
وقال لـ"روزنة" الإعلامي عيسى المصطو من بلدة حاس إنه أثناء إجراء أحد العناصر السابقين للتسوية التي أطلقتها قيادة العمليات العسكرية، سأله أحد المسؤولين عن مكان خدمته، فتبين أنه كان يؤدي الخدمة العسكرية في بلدة حاس.
وحين سأله المسؤول عن أهم المعلومات التي لديه حول البلدة، كشف العنصر أنه على دراية بخرائط حقول الألغام، ولديه الخبرة في نزعها، بشرط تأمين الحماية اللازمة له، ومنحه الأمان.
وأضاف المصطو، أن أهالي البلدة حصلوا على موافقة من قيادة العمليات العسكرية، وتوجهوا مع العنصر، بعد منحه الأمان وتأمين الحماية اللازمة له، حيث بدأ بإزالة الألغام بمساعدة بعض الخبراء المتطوعين من البلدة.
"منعني أبنائي من زيارة الحقل"
أبو سعيد البالغ من العمر 68 عاماً من بلدة كفرومة، لديه حقل من الزيتون في منطقة الحامدية بالقرب من المعسكر الشهير الذي تمركزت فيه قوات "النظام السوري" السابق طيلة السنوات الماضية.
قال أبو سعيد لـ"روزنة": "منعني أبنائي من زيارة الحقل، بسبب انتشار الألغام في محيط المعسكر، فقبل أيام انفجر لغم أرضي في مزارع من البلدة تسبب بمقتله".
وأضاف الرجل الستيني: "أنا لا أخاف، رغم معرفتي بخطورة الألغام، لكنني أنتبه جيداً في سيري، لكن أخبرني أبنائي أن هناك بعض الألغام مخفية تحت التراب".
"ومن السخرية المُرّة أن الحقل لم يعد فيه شجرة زيتون واحدة، رأيته من الطريق المزفتة دون أن أنزل إلى الأرض، كل ما تبقى هو بعض الحفر، حتى جذور الأشجار اقتلعوها، لكنني أشتاق إلى السير فوق تراب أرضي"، قال أبو سعيد.
إحصائيات
العشرات من المدنيين الذين عادوا إلى قراهم لتفقدها بعد سقوط النظام السوري السابق دفعوا حياتهم ثمناً للتسرع وعدم الاكتراث بالتحذيرات، وفارقوا الحياة نتيجة انفجار لغم أرضي أو قنبلة غير منفجرة.
وقال لـ"روزنة" محمد سامي المحمد منسق برنامج إزالة مخلفات الحرب في "الدفاع المدني السوري" (الخوذ البيضاء) إن فرقهم وثقت من تاريخ 27 تشرين الثاني وحتى يوم السبت الماضي 27 كانون الأول، مقتل 24 مدنياً بينهم 8 أطفال وامرأة.
ووفق المحمد فقد أصيب 30 مدنياً بينهم 12 طفلاً بجروح منها بليغة، في انفجار لمخلفات الحرب والألغام في المناطق السورية.
سلاح فتاك
تعرف "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" مخلفات الحرب، بأنها أسلحة غير منفجرة تترك بعد نزاع مسلح، مثل قذائف المدفعية والقنابل اليدوية والصواريخ.
واعتمد المجتمع الدولي عام 2003 معاهدة للمساعدة على الحد من المعاناة الإنسانية الناجمة عن مخلفات الحرب القابلة للانفجار وتقديم مساعدة سريعة إلى المجتمعات المحلية المتضررة.