دمشق.. واقع يومي بين التحديات والآمال

دمشق.. واقع يومي بين التحديات والآمال

تقارير وتحقيقات | 30 12 2024

في شوارع العاصمة السورية دمشق، تتشابك المشاهد اليومية، بين ضجيج الأسواق وأحاديث الناس التي تعكس واقعاً مليئاً بالتناقضات، في وقت ما تزال فيه الأسواق تشهد ازدحاماً شديداً في أوقات الذروة، وهدوء يقلق صمته بعض أصوات الرصاص ليلا.

لم تعد النقاشات السياسية محور الأحاديث اليومية للسكان، إذ حلت مكانها هموم الخدمات والاقتصاد، فالأسواق تشهد ازدحاماً ملحوظاً مترافقاً مع وفرة في السلع.

دخلت إلى الأسواق منتجات أجنبية جديدة. ومع ذلك، يجد المواطن نفسه محصوراً في تلبية احتياجاته الأساسية فقط، بسبب ضعف القدرة الشرائية.

اقرأ أيضاً: أزمة المياه في جديدة الفضل.. معاناة يومية وأعباء مادية متزايدة

مع ذلك، انخفضت أسعار اللحوم والخضراوات والزيوت والدقيق بسبة 50 في المئة، عن ما كانت عليه إبان سيطرة "النظام السوري" السابق.

الكهرباء والماء: أزمات بلا حلول قريبة

ما يزال التيار الكهربائي يعاني من انقطاعات طويلة في معظم أحياء العاصمة، فتصل الكهرباء إلى الأهالي ساعة واحدة كل ثماني ساعات، وأحياناً كل 12 ساعة.

وعود قدمتها "الحكومة الانتقالية" للأهالي بتحسين الواقع الكهربائي، إلا أن نقص المعدات الأساسية يعوق الاستجابة السريعة لإصلاح الأعطال.

أما المياه، فتزداد المعاناة في مناطق مثل جديدة عرطوز، حيث يستمر انقطاعها لمدة يومين متتاليين، وسط مطالب السكان بتحسين الخدمة، ولكن الحلول ما زالت غائبة.

ظاهرة جديدة

كانت حكومة "النظام السوري" السابق، تعاقب كل من يثبت تعامله بالدولار الأمريكي، وقد حصرت عملية التصريف بالمصارف الحكومية التابعة لها.

في الوقت الراهن، باتت أصوات الصرافين التي تنادي "صراف! صراف!" مشهداً جديداً ومثيراً للانتباه.

وجود الصرافين في الأسواق ربما لا يعني شيئاً للكثيرين الذين ليس لديهم عملات أجنبية.

مخاوف يعيشها الموظفون والمتقاعدون حول الرواتب، وقد باتت هي الشغل الشاغل للجميع، في ظل عدم وضوح موعد صرف الرواتب وعدم انتظامها يفاقم القلق، خاصة مع اقتراب نهاية الشهر.

في وقت تشهد مراكز الحوالات ازدحاما شديداً، خاصة بعد السماح باستلام الحوالات بالعملات الأجنبية، ما أدى إلى توقف التعامل مع الصرافين الذين نشطوا في إطار السوق السوداء.

أسعار الملابس: عبء إضافي ومخاوف جديدة

شهدت أسعار الملابس الشتوية ارتفاعاً كبيراً، حيث يتراوح سعر الجاكيت بين 80 و100 دولار، بينما يصل سعر الحذاء إلى 50 دولاراً.

هذه التكاليف المرتفعة تتزامن مع موسم الأعياد، ما يجعل اقتناء الملابس أمراً بعيد المنال بالنسبة للكثيرين.

ورغم الازدحام الشديد في الأسواق، يواجه الباعة حالة من الركود، يمكن تلخيصها عند جواب أصحاب المحلات "لهلق ما استفتحنا".

مخاوف أخرى عبر عنها التجار من احتمالية دخول البضائع التركية، ما شكل انقساماً بين من يراها فرصة لتحريك السوق، وآخرون يخشون من تأثيرها السلبي على الإنتاج المحلي، وآمال بتحرك السوق بعد عودة السوريين إلى البلاد دون خوف بعد سقوط "النظام" السابق.

وانخفضت أسعار الذهب، إلا أن حالة عدم اليقين ما زالت تسيطر على الأجواء.

الغذاء والطاقة

يشعر الدمشقيون بارتياح عند رؤية سيارات الغاز وسماع أصوات بائعي المازوت يتجولون في الشوارع، تعيدهم هذه الأصوات إلى ما يصفونه "سنين الرخاء".

وعلى الرغم من عودة عمل الكازيات بشكل منتظم ينتشر بائعو البنزين في كل مكان في الساحات العامة والأسواق وبسطات الخضار حتى.

وفي الأسواق الغذائية، على الرغم من وفرة المواد، إلا أن أسعارها ما تزال تضغط على ميزانية العائلات. حتى الأطعمة السريعة، مثل الشاورما والفروج، ما زالت تشهد ارتفاع بأسعار ها مقارنة مع دخل المواطنين.

من ناحية أخرى، يعاني أصحاب الأفران من ارتفاع تكاليف الإنتاج بعد رفع الدعم عن الطحين والمازوت.

ارتفع سعر ربطة الخبز إلى 4000 ليرة، حيث يجد كثير من أصحاب الأفران صعوبة في الاستمرار. ووفق ما أخبرنا أحد أصحاب الأفران في دمشق، الأفران اليوم أمام خيارين، إما رفع الأسعار بشكل أكبر وهذا أمر يحتاج لقرار رسمي، أو الإغلاق المؤقت لتجنب الخسارة.

وإغلاق بعض الأفران لأيام محددة يبرر الازدحام الذي تشهده بعض الأفران الأخرى، ولكن رغم الازدحام يشعر المواطنون بالراحة من تدخل المجتمع الأهلي الذي يعمل على تنظيم الدور في وقت اختفى فيه الخط العسكري الذي كان يشكل عبئاً على المواطنين.

المواصلات وأعباء التنقل

أزمة المواصلات تفاقمت مع تضاعف تعرفة الركوب داخل المدينة من 2000 إلى 4000 ليرة، ووصولها إلى 8000 ليرة للتنقل من الضواحي إلى دمشق، مع ملاحظة توفر وسائل النقل بشكل أكبر مقارنة بالفترات السابقة.

هذا الارتفاع في التكاليف لم يؤثر فقط على التنقل الفردي، بل أثقل كاهل العائلات التي تعتمد على وسائل النقل للوصول إلى أعمالها أو مدارس أبنائها.

عائلة مكونة من خمسة أفراد، على سبيل المثال، قد تجد نفسها أمام عبء يومي يصل إلى عشرات الآلاف من الليرات، وهو مبلغ يتجاوز دخل العديد من الأسر الشهرية.

في المقابل، يعاني المواطنون الذين اعتادوا على استخدام وسائل النقل الخاصة، كسيارات الأجرة أو التطبيقات الحديثة، والتي تعد اليوم تكلفتها باهظة وغير عملية لمعظم السكان.

ومع استمرار هذه الأزمة، تظل فكرة التنقل اليومي تمثل عبئاً مادياً ونفسياً على المواطنين، الذين ينتظرون حلولاً لتخفيف الأعباء أو تنظيم وسائل النقل بشكل أفضل.

يعيش المواطن الدمشقي في ظل غياب رؤية واضحة للمستقبل الاقتصادي، متخوفاً من التحديات التي قد تأتي في الأيام القادمة.

دمشق اليوم ليست مجرد مدينة مزدحمة بالأصوات والحركة، لكنها أيضاً مرآة لتناقضات الواقع، حيث تلتقي وفرة السلع مع ندرة القدرة على شرائها، وتتشابك الأزمات مع آمال غير واضحة الملامح. وسط هذا المشهد، يبقى السوري في العاصمة يتطلع إلى حلول قد تعيد التوازن إلى حياته اليومية.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض