مدونات | 9 12 2024
داليا عبد الكريم"سقط النظام يا داليا"، تلّقيت أول إشعار بمجرد أن فتحت هاتفي بعد دفقة شحن بسيطة من بقايا بطارية متهالكة، لا يُخفى عليكم تقنينا "أبو نص ساعة كهربا"، بددت تلك اللحظة خوف ورعب 4 سنوات من العمل مع "صحافة المعارضة"، لن يزور "الطبون" كوابيسي مجدداً، ولن يدفعني الخوف لاحتضان طفلتي والدعوة بكل عجز إلى الله "أعمي عيونهم عني".
كامرأة من الساحل، لم يكن من السهل عليّ استيعاب ما جرى منذ سيطرة المعارضة على حلب، المخاوف كانت كبيرة، من اجتراع الماضي مرّة أخرى، أشارك مخاوفي مع صديقة "شامية" تخفف عنّي تعرّض عليّ إرسال هويتها، تطمئن على طفلتي، صباحاً، خلال العمل وقبل النوم، ترمي لي بنكتة ما، أكتب إليها عبارة شتم للنظام، ترّد مباشرة: "كرمال الله احذفيها".
صباح اليوم وبعد 7 سنوات من علاقتنا، امتلكت صديقتي الجرأة والقوة لتشاركني قصتها، شقيقها قطفة حبق سوريّة غابت في سجون المعتقل سنتين بتهمة "غير ملتحق بالجيش"، قبل أن يخبروهم بأنه توفي بذبحة قلبية وهو لم يتجاوز الـ20 من عمره.
تصرخ صديقتي: "متخيلة رح ارجع أحضن ابن أخي، رح يرجعوا من تركيا صار فيهم يرجعوا"، وتشاركني رغبتها بتأمين منزل أكبر ليتسع للجميع، تريد أن يعيشوا مع بعضهم تعويضاً عن سنوات الحرمان الطويلة، قبل أن تباغتني مجدداً: "لا بدي غرفة صغيرة، بحب نكون مدحوشين ببعض لازئين ببعض"، تغالبها الدموع فيتوقف التسجيل الصوتي، وأنا مثلها تغالبني دموع الندم لأني كنت أنانية حد الخوف دون التفكير بمن ذاقوا الويلات على يد النظام الذي جعلنا نقتتل كرمى لكرسي لم يكن يوماً مملوءاً سوى ببدلة رسمية غبية.
أعود إلى الأسبوع البارد، بين مدفأة بانتظار الرسالة أم "خمسين ليتراً"، وبين مشاعر متضاربة تارة فرح تارة، أبحث عن جواب لسؤال واحد: "لوين رايحين"، يرّد عليّ صديق من الساحل بسخرية: "زعلانة عالأخ؟ اتركيه ينقلع"، وكأن قرار تقليعه بيدي، لما لا تفهم أنا فقط أريد أن أطمئن أني سأبقى مطمئنة بقية حياتي.
طيلة أسبوع كامل، لم تتوقف الأسئلة والمخاوف هنا في هذه المنطقة التي حسبها النظام عليه زوراً وبهتاناً، قتل شبابها تحت تهديد السجن، إما الحرب وإما السجن، وأحياناً تحت تهديد الوجود "سيقتلونكم إن دخلوا"، وأفقر أهلها وجوعهم، وجعل من رغيف الخبز سبباً لكم أفواههم، سلّط عليهم أزلامه ليخرسوهم متى أرادوا النطق، لكن اليوم مختلف، ما يعيشه أبناء الساحل وما يعبرون عنه اليوم من كره ليس نفاقاً، إننا نتحدث ما كنا نقوله في منازلنا سراً، الفرق الوحيد أننا بتنا أكثر حرية وراحة، لقد أخذ "الطبون معه يا قوم".
"سقط النظام يا داليا"، ترّن العبارة في أذني حتى اللحظة، أتذكر كيف كانت ترجف أصابعي وأنا أستعد لإرسال المقالة، كيف تزداد دقات قلبي بمجرد تشغيل البروكسي، كيف أمتنع عن الطعام حين أشاهد تعليقاً مثل "الواتس مخترق انتبهوا"، يا رباه كم كانت تلك السنوات الأربع ثقيلة، لم يعد قلبي يدق رعباً بمجرد تذكرها، لن أدفن داليا تحت أي اسم مستعار بعد الآن، سأودع "علياء أحمد" غير آسفة على الظروف التي جعلتني أتقمص اسماً ليس اسمي.
13 عاماً من القتل والفقد والتهجير والتشتت والجوع والبرد والفقر، قد مضت اليوم، لكن بداخلي سؤال واحد يحزّ في نفسي، ماذا لو كان هذا الوضع وهذا التقارب السوري السوري قد حدث عام 2011؟ هل كنا بحاجة لكل هذه الدماء لندرك أننا مجرد ضحايا بيّد متغطرس مجرم، يا رباه ما أحلى الحرية، ما أحلى أن أقول علناً: أكره بشار الأسد هو وطبونّه الآثم.