صورة بشار الأسد المرفوعة في بيروت فوق ركام اللبنانيين والسوريين

صورة بشار الأسد المرفوعة في بيروت فوق ركام اللبنانيين والسوريين

مدونات | 21 11 2024

باميلا صعب

بعد الغارة التي استهدفت منطقة رأس النبع في بيروت وتحديداً مبنى "حزب البعث العربي الاشتراكي"، كان لافتاً أن يتجمّع أنصار الحزب ذاته لرفع صورة بشار الأسد، رئيس النظام السوري، والتي كانت معلقة في المبنى قبل أن يصبح دماراً.

جرحى ومقتل 4 أشخاص بينهم المسؤول الإعلامي في "حزب الله" محمد عفيف، إلا أن صورة الرئيس بخير، أو هذا ما أراد رافعوها أن يؤكدوا لنا.

مشهد الصورة المرفوعة في لحظة الدمار تلك، أعاد إلى الأذهان مشاهد كثيرة مماثلة في لبنان وفي سوريا، فصورة الأسد المرفوعة في المدارس، في المؤسسات، فوق الدمار، في الطرقات، في سوريا، رفعت أيضاً في رأس النبع البيروتية.

"الأسد أو نحرق البلد"، إنه شعار رفعه مناصرو بشار الأسد في سوريا، إثر اندلاع التظاهرات ضده عام 2011، حاولوا من خلاله بث الرعب في قلوب المعارضين، والتأكيد أن لا حل ولا بديل سوى السيد الرئيس.

كُتب الشعار في كل مكان، وصدحت به المسيرات ووسائل الإعلام المؤيدة للنظام، حتى يراه ويسمعه الجميع. وبالفعل أحرق البلد إنما بقي الأسد. تماماً كما يتم تدمير مناطق لبنانية كثيرة، إنما تبقى صورة الأسد وحسن نصرالله مرفوعة وحاضرة.

استطاع النظام السوري أن يلحق خسائر كبيرة بالثورة السورية، ولكنه أيضاً هزم بلده، بالمعنى الإنساني والاجتماعي والاقتصادي، ففي سوريا ما بين 300 ألف و500 ألف قتيل، على الأقل، وهناك مليون ونصف مليون معوّق، إضافة إلى 5.6 ملايين لاجئ و6.2 ملايين نازح، في الوقت الذي تم فيه تدمير أو إتلاف ثلث المباني.

وبحسب تقارير عدة، فإن خسائر الحرب التراكمية تصل إلى 530 مليار دولار أميركي، كما أن الدولة خسرت ثلثي ناتجها المحلي الإجمالي الذي انخفض من 60 مليار دولار عام 2010 إلى 21 مليار دولار عام 2019.

وبذلك خسرت سوريا الكثير وخسر السوريون أكثر، إنما بقيت أجهزة المخابرات قادرة على إجبار الناس على فروض الطاعة، ورفع التحيّة لصور الرئيس المرفوعة فوق الركام وفوق حكايات القهر الكثيرة. وبقيت الفرقة الرابعة المسؤولة عن اصطياد العائدين إلى سوريا في حال كانوا معارضين، لمحاسبتهم والاقتصاص منهم... حتى تبقى الصور.

ويمكن تذكر حادثة اعتقال المذيعة السورية هالة الجرف، يوم كتبت على "فيسبوك"، "الحمد لله لم يعد لدينا خبز، ولكن لدينا فرع مسؤول عن الجرائم الإلكترونية"، مشيرة إلى تعقّب تحركات السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي وتعريضهم للمساءلة والمعاقبة في حال انتقدوا النظام.

وبالحديث عن الصور، لا يمكن أن ننسى قبل سنوات قليلة مع التدخل الروسي في الحرب السورية، حين رُفعت صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب صورة الأسد، والعلمين الروسي والسوري، في الطرقات أو على جدران العمارات السكنية والمحلات التجارية. وقد حظي بوتين كما الأسد بالكثير من التهليل والتطبيل في المسيرات المؤيدة للنظام في دمشق واللاذقية. حتى إن الحديث كثر وقتها عن أن التبجيل لبوتين- المخلّص- بات يتجاوز حب الأسد، وصور بوتين أصبحت أكثر حضوراً من صور الأسد في مناطقه. وكأننا ندور وندور ونعود إلى جدلية الصور ومصائر شعوبنا المعلّقة في عارضات قد توقعها غارة أو صورة أخرى بديلة.

بالعودة إلى بيروت، التي رُفعت فيها صور الأسد فيما الناس تحت الأنقاض، إنه مشهد يمكن أن يذكّر بالانتخابات السورية وإجبار الرعايا السوريين على انتخاب بشار في السفارة ورفع صوره مهما كان، برغم أنهم لاجئون ومهجّرون وبعضهم جائع أو فقد بيته أو عائلته.

والآن، فيما الطائرات الإسرائيلية فوق رؤوسنا في لبنان وفي سوريا، تهددنا بالموت وبالدمار، وتنفّذ تهديداتها ساعة تشاء، يناضل رجال "البعث" لرفع الصورة مجدداً.

السؤال الذي يخطر بدهياً في البال، هو ماذا يفعل حزب "البعث" حتى الآن في لبنان، وما هو عمله الأساسي؟ وماذا كان يدور في الاجتماع الذي انتهى باستهداف بيروت وبث المزيد من الخوف في نفوس المواطنين؟

لقد اضطر أكثر من نصف مليون لاجئ سوري إلى العودة نحو سوريا في ظروف قاسية جداً، في ظل قصف المعابر الحدودية باعتبار أنها معابر لنقل السلاح من سوريا إلى "حزب الله"، فيما اضطر آلاف اللاجئين إلى التشرّد في الشوارع بعدما قصِفت مناطق يقيمون فيها في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع، بعدما ضاقت بهم السبل ولم تستقبلهم مراكز الإيواء المكتظة أصلاً.

نساء وأطفال ساروا من لبنان إلى سوريا على أقدامهم المنهكة وعلى ظهورهم أثاث منازلهم وأغراضهم والكثير من القهر، فيما كان أنصار "حزب البعث" الحاكم في سوريا، يدافعون عن صورة ويتأكدون من سلامتها ومن أنّ الشظايا لم تخدش وجه الرئيس وابتسامته النزقة.

بسبب الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة بلبنان، يعيش نحو 90 في المئة من السوريين في فقر مدقع، إذ انخفضت نسبة العائلات السورية المستفيدة من برامج المساعدات الأممية لنحو 15 في المئة، فيما يعاني كثيرون من الحياة داخل مخيمات تفتقر إلى أبسط شروط الحياة، ويعاني آخرون الأمرّين، في إيجاد فرص عمل لإعالة عائلاتهم بعدما تهجّروا من الوطن. والآن يناضل السوريون في لبنان، للحفاظ على حياتهم والبحث عن مكان آمن ينامون فيه مع وصول موسم الشتاء والعواصف، في ظل الحرب الحالية المستمرة. إضافة إلى ذلك، فقد سجّلت تقارير أممية تعرض الكثير من السوريين للتنكيل والترحيل وللاعتقالات التعسفية لحظة وصولهم إلى سوريا، أو استدراجهم إليها. ماذا فعل "حزب البعث" لكل هؤلاء؟ رفع صورة فوق الركام!

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض