تأثير فوز ترامب على القضية السورية: تحليل سياسي لمستقبل غامض

تأثير فوز ترامب على القضية السورية: تحليل سياسي لمستقبل غامض

مدونات | 11 11 2024

أحمد مبيض

لا رحيل بايدن وهاريس مأسوف عليه، وهما المولغان بدم غزة ولبنان، ولا مجيء ترامب العنصري مرحب به، وهو صاحب الاتفاقات الإبراهيمية وصديق نتنياهو وبوتين، فنحن في هذا الشرق التعيس بين رمضاء ونار، ولا أظن أن أحداً ما يتوهم بموقف أمريكي متوازن هنا في هذا الشرق التعيس.

رغم هذا تظل حقيقة تباين السياسات بين الديموقراطيين والجمهوريين مسألة تؤثر على العالم برمته، لا علينا فقط. ومع عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى المشهد السياسي وإمكانية توليه ولاية جديدة، تثار تساؤلات عديدة حول تأثير ذلك على الصراع في سوريا. وربما كان التنبؤ بسلوك شخص خبرنا سلوكه في الماضي أسهل من شخص لم نعرف سياساته ساباً، غير أن ترامب يظل شخصية غير قابلة للتنبؤ، خصوصاً بتباين الحال الكبير بين ظروف المنطقة بين العام 2016-2020، واليوم، والحرب مشتعلة في أكثر من جبهة، لكننا سنحاول، بالاستناد إلى تحليل سلوكه السابق، رسم بعض الملامح المحتملة لسياسته تجاه سوريا، رغم تحفظات مشروعة على دقة هذه التوقعات.

أولاً: سجل ترامب في سوريا:

تقليص الدعم وتوسعات النفوذ الروسي والتركي خلال فترة رئاسته الأولى، اتخذ ترامب خطوات كبيرة نحو انسحاب الولايات المتحدة من الملف السوري. فقد توقفت إدارته عن تقديم الدعم العسكري لقوات المعارضة، وأوقف التمويل التنموي والسياسي لسوريا، وبدأ بتقليص المساعدات الإنسانية حتى قبل جائحة كوفيد-19. في الوقت نفسه، استفادت روسيا من التراجع الأمريكي في سوريا، مما مكنها من إعادة سيطرة النظام على مناطق مهمة كجنوب إدلب ودرعا والغوطة الشرقية ودخولها إلى نقاط محددة في شمال شرق سوريا.

تركيا أيضاً استفادت من سياسات ترامب، حيث سيطرت على عفرين ومناطق "نبع السلام"، وعززت وجودها كعامل يحد من نفوذ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا. كما سرّع ترامب من القضاء على داعش، مما أدى إلى تعزيز سيطرة قسد على شمال شرق سوريا، وفرض الأمر الواقع في تلك المنطقة.

ضربات محدودة وتأثير ضعيف على النظام

اقتصرت التدخلات العسكرية الأمريكية في عهد ترامب على ضربات محدودة، مثل استهداف مطار الشعيرات ردًا على استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، دون أن تؤثر هذه الضربات على التوازن العسكري أو السياسي في سوريا. كما أن اغتيال قاسم سليماني، الذي كان خطوة حاسمة ضد إيران، لم يغير كثيرًا من ديناميكيات النفوذ الإيراني في سوريا.

إضعاف الجهود السياسية الدولية

على الصعيد السياسي، ساهم ضعف اهتمام إدارة ترامب بالملف السوري في إضعاف مسار جنيف، ما أدى إلى تعزيز مسار أستانة الذي تدعمه روسيا وتركيا وإيران. وفيما يتعلق بجولات المفاوضات، كان لعدم التدخل الأمريكي المباشر أثر واضح في تراجع الزخم الدولي للحل السياسي وفق مسارات الأمم المتحدة.

شخصية ترامب وعلاقاته مع القادة الأقوياء

يفضل ترامب التعامل مع القادة الأقوياء، سواء كانوا يتمتعون بسلطة استبدادية كحال الزعماء العرب، أو رؤساء منتخبين يتمتعون بصلاحيات واسعة كحال الزعيم التركي، أو حتى نتنياهو، وعلى الرغم من أن هذا التوجه يعزز التعاملات الثنائية القائمة على المصالح، إلا إنه يؤكد عدم التزام ترامب بقضايا حقوق الإنسان والاستقرار السياسي بعيد الأمد في المنطقة. فهذه كلها لا تعنيه، وما يعنيه هو تحقيق مكاسب اقتصادية تساعده على تحقيق مكاسب لدى الناخب الأمريكي (رغم أن هذه الولاية هي الأخيرة له، لكننا لا نعلم ما يخطط له في شأن خلافته أيَضاً) خصوصًا من دول الخليج التي تعتمد على استقرار المنطقة لتبرير استثماراتها.

ماذا نتوقع؟

بناءً على هذا السجل، من المرجح أن تبقى السياسة الأمريكية تجاه سوريا في عهد ترامب مشابهة لما كانت عليه في فترته الأولى، مع استمرار تجاهل حقوق الإنسان والرهان على الحلول العسكرية أو التفاهمات السريعة التي تضمن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم إسرائيل. وقد تتواصل الضغوط على النظام السوري للحصول على تنازلات محدودة، كقضية الرهينة الأمريكي تايس، أو ربما تنازلات كبيرة في العلاقة مع إيران، والذي إن حدث فقد يؤدي إلى حدوث تحولات جذرية في السياسة تجاه سوريا. ولا ننسى أن الأسد، كدكتاتور، قد ينجح في إقناع ترامب، المعروف بنزعته للإعجاب بالدكتاتوريين، بقدرته على ضبط الوضع داخليًا والالتزام بأي تفاهم يحمي إسرائيل وفق شروطها، مما قد يزيد من فرص بقاء التوازنات الحالية دون تغيير جوهري.

من جهة أخرى، قد يشهد الملف الإيراني تصعيدًا كبيرًا. فموقف ترامب المعادي للبرنامج النووي الإيراني قد يجعله أكثر استعدادًا للقيام بتحركات عسكرية أو اقتصادية لقصقصة نفوذ طهران في المنطقة، خاصة مع الضغط الإسرائيلي المتزايد لتدمير السلاح النووي الإيراني. وقد تكون هذه الخطوات مصحوبة بمحاولات لاحتواء النفوذ الإيراني في سوريا، ما سيؤثر بشكل كبير على توازن القوى هناك. فعقوبات ترامب على إيران كانت الأقسى ربما في تاريخ العقوبات، ولا شيء يشير إلى سياسة مختلفة هذه المرة، بل على العكس، يبدو الصراع بين إيران وإسرائيل مشجعاً على المزيد من هذه السياسات.

ما هو الأكثر غموضاً هو ما يريد فعله في شمال شرق البلاد. فهو، دون أدنى شك راغب بالانسحاب من سوريا، وقد فعلها سابقاً، لولا تدخل قيادات جمهورية، وعلى رأسها ليندسي غراهام، الداعم الكبير له، ولقسد بآن، ولولا تدخل الدولة العميقة، التي ترى في الانسحاب، فرصة لإيران وروسيا للتمدد. والآن أصبح الانسحاب أكثر كلفة، في ظل الصراع المشتعل، وسيشهد مقاومة كبيرة من قبل الدولة العميقة في واشنطن، والحزب الجمهوري، وإسرائيل بالطبع، التي تريد أمريكا قريبة منها. حتى التغيير في العقيدة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وتفضيل الانسحاب منه لصالح التواجه في شرق آسيا، تراجع إلى حد كبير بعد أحداث الشرق الأوسط وتأثر العالم بها.

في نهاية المطاف، ستظل التوقعات مفتوحة في ظل عدم القدرة على التنبؤ الكامل بتوجهات ترامب، لكن يبقى الواضح أن سياسته ستكون مزيجًا من التعاملات البراغماتية والتصعيد المحتمل ضد إيران، مع التركيز على المصالح الاقتصادية والاستقرار الإقليمي بالحد الأدنى من التدخلات المكلفة.

إذاً، لا تغيير متوقعاً في الحال في سوريا. لن يسعى ترامب إلى الانسحاب من سوريا، وربما لن يقدر إذا سعى، ولن يتدخل عسكرياً بشكل أكبر، وسيكمل مسار الضغط على إيران، وربما يرفع من وتيرته، ولن يرى في التطبيع العربي مع الأسد أي خطورة، بل ربما يراها من وجهة نظر إسرائيل، والعرب ضرورية، ولن تتغير صداقته مع بوتين الداعم للأسد، وعليه، لا نرى تغييراً في سياسته تجاه بلاد وصفها يوماً بأرض الصحراء والموت!

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض