تقارير | 8 09 2024

تسعى نساء يعشن في مخيمات النزوح في شمالي غربي سوريا لتأمين مصادر دخل، عبر تجهيز مؤونة الشتاء بالأجرة، لعائلات لا تتوفر لديها المساحة اللازمة أو الوقت أو الظرف المناسب لتجهيز تلك المؤونة.
تتقاضى تلك النساء مبالغ توصف بأنها ليست بالكبيرة مقابل تجهيز المؤونة، في منافسة بينهن لتقديم أسعار مغرية بهدف استقطاب الزبائن، وتأمين فرص عمل خلال فصل الصيف.
"مبالغ رمزية"
لا توجد تسعيرة محددة لعمل النساء في تجهيز المؤونة، حيث تختلف تسعيرة التحضير من امرأة لأخرى، بحسب الحاجة، كما تلعب المنطقة دوراً مهماً في تحديد الأسعار، فتتقاضى النساء في المدن مبالغ أكبر من تلك التي تتقاضها النساء في المخيمات.
اقرأ أيضاً: إدلب: مهجرون من الأرياف يعانون بتحضير المؤونة.. "لا سطح خاص هنا"!
تعمل أم أحمد التي تعيش في مخيم البردغلي في تجهيز مختلف أنواع المؤونة الشتوية، من تحضير المكدوس وحفر الباذنجان للمحاشي وتجفيف الفليفلة الحمراء، وحتى تجفيف الملوخية والمربيات بأنواعها (بحسب الطلب).
تقول أم أحمد لـ"روزنة": "الوضع صعب على الجميع، ونحن بحاجة إلى تأمين مدخول يمكّننا من الاستعداد لفصل الشتاء وتأمين مستلزماته، فانطلقت بفكرتي العام الماضي، والحمد لله هذا العام كان الوضع أفضل".
تختار أم أحمد البضاعة التي ستعمل على تحضيرها من الأنواع الجيدة، فتذهب إلى السوق وتنتقي البضاعة الجيدة من النخب الأول، والتي تبني لها سمعة تستقطب الزبائن، وفق تعبيرها.
"أتقاضى على حفر الباذنجان مبلغاً بسيطاً، حيث أحصل على 35 ليرة تركية (الدولار الواحد يساوي تقريباً 34 ليرة تركية) عن كل 10 كيلو غرام باذنجان، بينما أحصل على 5 ليرات تركية عن كيلو باذنجان لتحضير المكدوس، وهي ليس بالمبالغ الكبيرة"، قالت أم أحمد.
"كان عنا أملاك"
اضطرت سهاد (اسم مستعار) إلى العمل في تحضير المؤونة الشتوية بعد تهجيرها من ريف إدلب الجنوبي إلى مخيمات سرمدا، بعد أن تركت العائلة في قريتها أملاكاً وعقارات.
قد يهمّك: "حياة زوجتي مهدّدة" سوريون يتخوّفون من إيقاف خدمات مستشفى باب الهوى
تقول سهاد (56 عاماً) لـ"روزنة": "كان عنا أملاك، بس اليوم أشو الفائدة منها ونحن بعيدين في المخيم وما في مصدر دخل، بدنا نأمن مصروف الشتوية، والعيشة كل ما لها على أقسى".
وتضيف المرأة الخمسينية: "باخد على تجفيف كل كيلو فليفلة 3 ليرات تركية، وعلى تحضير كل كيلو باذنجان للمكدوس 5 ليرات تركية، صحيح ما هي أجرة كتيرة، بس الكميات بتجمع".
"بروح على السوق وبنقّي الخضرة من النوع الأول، وبسلق الباذنجان وبكبسه وبحشيه وبجهزه، أو بجهز الفليفلة وبنشرها بمكان نظيف ومضمون، حتى تستلم الزبونة طلبيتها وتكون مرتاحة"، أضافت سهاد.
"مجبرون"
تضطر عائلات كثيرة إلى شراء المؤونة جاهزة إما من المحال التجارية أو عن طريق التوصية لتلك النساء اللواتي يعملن في تحضير المؤونة، وذلك بسبب الظروف غير المناسبة لهم.
اعتادت إنصاف (42 عاماً) على تجهيز مؤونتها في منزلها حين كانت تعيش في قريتها بريف إدلب الجنوبي، لكنها بعد التهجير تقيم في مدينة إدلب، حيث لا يتوفر المكان المناسب لتحضير تلك المؤونة، نتيجة الأبنية الطابقية.
تحدثت إنصاف لـ"روزنة" قائلة: "أقيم في الطابق الثاني بمبنى سكني في مدينة إدلب، وليس لدي مكان لتجفيف الفليفلة أو الملوخية أو الباذنجان، وبالتالي لا يمكنني تحضير المكدوس".
اقرأ المزيد: "حماية المستهلك": ارتفاع أسعار الألبسة القطنية في دمشق بنسبة 200 في المئة خلال عام
بحثتْ السيدة الأربعينية في مدينة إدلب عن سيدة أخرى تجهز المؤونة بالأجرة، لكنها فوجئت بأسعار مرتفعة لا قِبَل لها بها، ما دفعها لتوصية إحدى النساء العاملات في تلك المهنة والتي تقيم في مخيم باريشا شمال إدلب.
تقول سهاد: "طلبتْ مني سيدة مبلغ 200 ليرة تركية أجرة يدها عن كل 20 كيلو غرام باذنجان مجفف، بالإضافة إلى دفعي ثمن الباذنجان، وهذا الأمر مرهق بالنسبة لي، فتوجهت إلى إحدى النساء في مخيم باريشا لتحضيره بسعر 5 ليرات عن كل كيلو غرام".
"عدم توفر المكان المناسب لتحضير المؤونة يشكل عائقاً كبيراً لدينا، فأنا لست معتادة على ذلك، ولكننا مجبرون، فالعائلة بحاجة إلى مؤونة الشتاء، والمؤونة الجاهزة في المحلات غير جيدة"، ختمت سهاد حديثها.
أوضاع اقتصادية صعبة
يعاني معظم السوريين من أوضاع اقتصادية صعبة، خصوصاً الذين يعيشون في مخيمات النزوح، في ظل عدم توفر فرص عمل وانخفاض قيمة الليرة التركية (العملة المتداولة في شمالي غربي سوريا)، وما نتج عنها من تضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية.
يفيد تقرير صادر عن فريق "منسقو استجابة سوريا" في تموز الماضي، بانخفاض معدلات الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة بشكل واضح خلال العام الجاري، مع تزايد الاحتياجات الإنسانية في المنطقة وضعف عمليات التمويل.
وكشف التقرير أن حالة السوق المحلية أصيبت بضعف "كبير"، ترافقت مع عدم القدرة على تصريف الناتج المحلي بسبب ارتفاع الأسعار، وعدم قدرة المدنيين على شراء المواد المختلفة، "ما تسبب بكساد واضح في السوق المحلية".
وبحسب التقرير، ارتفعت أسعار المواد الأساسية، مع انخفاض القدرة الشرائية لدى الأهالي، موضحاً: "ذلك نتيجة انخفاض أسعار صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة التركية، وزيادة معدلات التضخم الذي تجاوز عتبة 75.4 في المئة كنسبة وسطية".
ووفق تقرير لـ"البنك الدولي" في تشرين الأول عام 2022، فقد انكمش إجمالي الناتج المحلي في سوريا بأكثر من النصف بين عامي 2010 و2020، ودفع الانخفاض الكبير في نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي البنك الدولي إلى إعادة تصنيف سوريا كبلد منخفض الدخل منذ عام 2018.