تقارير | 1 05 2024
عبد الله الخلف
في بداية شهر نيسان من العام الماضي، فوجئ سكان مزرعة الأنصار في ريف الرقة الغربي، بحدوث "خسف أرضي" أدى إلى أضرار بالغة في إحدى السواقي، ما أدى لقطع مياه الري عن قرابة 3000 دونم من الأراضي الزراعية.
ومع انقطاع الري عن الحقول التي تشكّل مصدر الدخل الرئيسي بالنسبة لسكان المزرعة، البالغ عددهم 1200 عائلة وفق تقديرات محلية غير رسمية، ازدادت الأعباء المعيشية على الأهالي الذين انقطعت أرزاقهم مع انقطاع الساقية.
"الهوتة" تدفع مزارعين لترك مهنتهم!
الخسف الأرضي تسبب بإحداث حفرة عميقة تعرف محلياً باسم "الهوتة"، التي تسببت بعزوف الكثير من الفلاحين عن الزراعة، بعد أن تحول العمل فيها إلى "خسارة في خسارة"، كما يصفه عبد السلام أبو علوش أحد سكان المزرعة.
وقال "أبو علوش" لروزنة إن أبنائه تركوا العمل في الحقول، وسافروا إلى لبنان للعمل هناك بسبب "الهوتة"، موضحاً: "طبيعي أن الناس تترك العمل بالزراعة بعد قطع الري، قليلون هم من يستطيعون تحمل التكاليف المالية المرتفعة للري بواسطة المحركات".
وأشار إلى أنه يمتلك 60 دونم، كانت تعتبر مصدر رزق له ولعائلته، ولكن العمل فيها اليوم لا يدر أي أرباح.
وتابع: "أرسلت الشباب للعمل في لبنان لأن المعيشة في المزرعة لم تعد تطاق بعدما حدث، وإذا استمر الوضع بهذا الشكل لن يبقى أحد في المزرعة بالمستقبل القريب".
وأكد أن المزارعين المتضررين تقدموا بشكوى لـ"هيئة الزراعة" في "المجلس التنفيذي" بالرقة (تابع للإدارة الذاتية)، ولكن لم يتغير شيء، قائلاً: "جاءوا إلى المنطقة، وعملوا لحوالي عشرين يوماً، وبعدها لم يتم استكمال العمل، وظل الوضع على حاله، ولا نعرف لماذا جاءوا ولماذا ذهبوا؟! لم يوضح لنا أحد!".
المحركات حل متاح للميسورين فقط..
يعمل بعض المزارعين على استجرار مياه الري من قنوات مجاورة بواسطة محركات الديزل، ولكن تكلفة شرائها وتعبئتها بالوقود وصيانتها، تناسب فئة محدودة فقط من الفلاحين في مزرعة الأنصار.
يقارن المزارع أبو عمر بين تكاليف سقاية أرضه بواسطة المحرك، وتكاليف السقاية عن طريق القناة قبل حدوث الهوتة: "تكلفة السقاية لمرة واحدة بالمحرك تعادل تكاليف السقاية كل الموسم عندما كانت القناة تعمل، تخيل ذلك! علماً أننا ندفع اشتراكات الري كاملة لهيئة الزراعة ولكن لا توجد استجابة لمعاناتنا".
وأضاف أن المزارعين تقدموا بطلب "أنابيب" إسمنتية مدعمة بالحديد، لتحويل مسار القناة عن "الهوتة"، ولكن لم يلبى طلبهم وفقاً لأبو عمر.
اقرأ أيضاً.. تسرّب النفط في شمال سوريا: تهديدات بيئية واقتصادية تواجه المزارعين
وشرح لروزنة: "فكرة الأنابيب لم تكن مجدية، تحتاج لدراسات ولا نستطيع أن نقوم بها بمفردنا، حاولنا إنشاء ساقية ترابية، ولكن تكلفتها عالية، والكثير من السكان ليست لديهم قدرة على تحمل هذه الأعباء المالية".
مزارعون جمعوا المال لشراء محرك لسقاية أراضيهم، ولكن مع هذا تكبدوا خسائر في نهاية الموسم بسبب التكاليف المرتفعة، وفق أبو محمد، الذي ختم حديثه بالقول: "بعد جمع تكاليف السقاية والبذار والأسمدة والحصاد وتسويق المنتج، يكون الفلاح مكسور ونسبة الأرباح صفر وعليه دين أيضاً، ولا يوجد أي دعم أو لفتة لنا من قبل السلطات المحلية".
الحلول غائبة بسبب ضعف الإمكانيات!
يتولى قسم الصيانة في "هيئة الزراعة والري بالمجلس التنفيذي" بالرقة مسؤولية صيانة وترميم قنوات الري، إلا أن مشروع تأهيل ساقية مزرعة الأنصار تأخر بسبب ضعف الإمكانيات، حسب ثائر الحسين رئيس القسم.
ويقول "الحسين" لروزنة: "الهوتة حدثت بسبب ارتفاع نسبة المياه الجوفية، وضعف الطبقات السفلية للتربة، وشكلنا لجنة هندسية قامت بالكشف على الموقع، واكتشفنا أن الهوتة بقطر 50 متر طولي، وعمق أكثر من 30 متر".
ويتابع أن الحل يتمثل بتفريغ المياه من الهوتة، ومن ثم ردمها وإعادة تأهيل القناة، ولكن هذا الحل يحتاج لإمكانات لا تتوفر حالياً لدى قسم الصيانة، موضحاً: "نحتاج لعملية ردم بأكثر من 60 ألف متر مكعب، وتأهيل القناة بحدود 50 متر طولي، وطبيعة الأرض حالت دون وجود حلول سريعة أو بإمكانات متاحة".
ويشير إلى أن تحويل القناة غير ممكن، باعتبارها تبعد عن الطريق العام للمزرعة مسافة 6 أمتار، وفي حال التحويل سيتم إلغاء الطريق، لذلك تم استبعاد إمكانية تحويل القناة، كما لفت أن مد القساطل غير متاح، كون الحفرة عميقة والقساطل تحتاج لركائز لحملها، وفق قوله.
وبيّن في حديثه: "الهوتة تحوي حوالي 60 مليون لتر من المياه، وتفريغها يكون بحفر قناة ترابية باتجاه وادي الفيض (...) نحن بحاجة إلى ما لا يقل عن 15 قلاب، وفي القسم كله الذي يخدم جميع ريف الرقة لا يوجد سوى 10 قلابات، راسلنا المجلس للحصول على الدعم، وإلى الآن لم يصل الدعم".
وفي ظل مطالبة المزارعين بإيجاد حل، وعد المسؤول بالعمل على تأهيل القناة عند وصول الآليات اللازمة، إذ يحتاج المشروع لفترة تتراوح بين 30 إلى 45 يوماً، حسب تقديره.
وتراجعت الزراعة التي تعد عصب اقتصاد محافظة الرقة، في السنوات الأخيرة، بسبب غلاء تكاليف الإنتاج الزراعي، وغياب الدعم عن المزارعين وفقاً لشهاداتهم، حيث عزف كثير منهم عن المهنة، التي لم تعد توفر لهم أدنى متطلبات الحياة.
