تقارير وتحقيقات | 9 03 2024

تغيب واحدة من أهم عادات الدمشقيين عند الكثيرين قبل شهر الصيام وهي "تكريزة رمضان" في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، الذي دفع السوريين للتخلّي عن الكثير من العادات الاجتماعية، أبرزها النزهات الجماعية والعزائم.
ما هي تكريزة رمضان؟
تُعرف "تكريزة رمضان" بأنها نزهة جماعية بين العائلات والأصدقاء، قبيل حلول رمضان بأسبوعين أو أقل، إلى المناطق وافرة الخضرة والمياه، تُقام فيها الموائد العامرة بما لذ من الطعام، وتُعزف الألحان.
وغالباً ما تبدأ "تكريزة رمضان" مطلع النهار إلى ما بعد العصر، وتكون في الأيام المعتدلة، لأن الذهاب إلى المصايف غير ممكن خلال فصل الشتاء.
أبو جميل، 33 عاماً من سكان دمشق يقول لـ"روزنة": "تنظّم العائلات مع أقاربها قبيل شهر رمضان نزهة جماعية إلى مكان مثل مصايف الربوة والهامة وعين الفيجة وغيرها، ومن لا يستطيع الابتعاد عن دمشق يذهب إلى البساتين القريبة مثل بساتين الشاغور".
زهراء، سيدة مقيمة في دمشق، أعدّت مستلزمات "تكريزة رمضان" قبل يومين، لكن بإمكانيات بسيطة أساسها "الفلافل والحمص وبعض الخضروات" وذهبت مع عائلتها إلى نهر بردى، تقول: "الحال لم يعد كالسابق حيث كنا نشتري ما لذ وطاب من اللحوم والمشاوي والفواكه والمكسرات، اليوم بعض البقوليات كلفتنا أكثر من مئتي ألف ليرة سورية إلى جانب كأس من الشاي".
أما باسمة، اختصرت "التكريزة" بسبب الأوضاع المادية، وتشير لروزنة، إلى أنّ التفكير بتأمين وجبات إفطار رمضان أولى من أي شيء آخر (...) التكريزة أصبحت اليوم رفاهية بالنسبة لنا" وتضيف: "في حال فكرنا بالذهاب إلى متنزه مع العائلة كما في السنوات السابقة قبيل رمضان قد يكلفنا أكثر من مليون ليرة سورية".
أصبحت من الذكريات
لم تعد تكريزة رمضان حاضرة بالنسبة للكثير من الدمشقيين المشغولين بالبحث عن قوت يومهم، حيث نسوا طقوساً عديدة لهم في ظل أزمات سوريا.
يقول أبو اسماعيل، موظف قطاع خاص من دمشق لـ"روزنة": "منذ سنوات لم نعد نخرج في سيرانات كالتي تقام فيها تكريزة رمضان، والآن الوضع أصبح أصعب" ويضيف "نحن بالكاد نجتمع كل سنة مرّة مع الأهل والأقارب بمناسبة العيد مثلاً، الجميع مشغول بتأمين لقمة العيش".
وبسبب الأزمة المعيشة يتفادى الكثير من السوريين الزيارات والتجمّعات وبالتالي التكاليف المادية الناتجة عنها.
تقول أم عبير، سيدة منزل من دمشق "سيرانات ماذا؟! نحن بالكاد نستطيع الوصول إلى السوق لشراء حاجياتنا والعودة لمنازلنا، نحتاج قرضاً لاستئجار سرفيس ينقل العائلة إلى الربوة أو أي منطقة أخرى، الناس تفكّر الآن في واد آخر غير وادي التكريزة أصلاً".
ويعيش 9 من كل 10 سوريين من تحت خط الفقر، وأكثر من 15 مليون سوري، أي 70 بالمئة من إجمالي عدد السكان، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، وفق الأمم المتحدة، وذلك في ظل انهيار الليرة السورية التي بلغت مستويات قياسية لها، حيث وصل سعر صرف الدولار اليوم إلى 13400 ليرة سورية، فيما كان مع مطلع الحرب يساوي 50 ليرة سورية.
اقرأ أيضاً: أشهر 5 طقوس سوريّة في رمضان... تعرّف إليها
تكريزة غربة
تبدو صعوبة تحقيق طقس تكريزة رمضان، مختلف بين السوريين في الداخل والخارج، إلا أن لاجئين سوريين كثر مازالوا محتفظين بهذه العادة، ويحاولون تنفيذ بعضاً من طقوسها.
يقول إياد، 35 عاماً، من دمشق مقيم في ألمانيا لـ"روزنة": "نسيان هذه العادات يعني نسيان هويتنا، نحن نحاول استعادتها بأي شكل، عبر وجبة طعام مختلفة، ثم الاتصال بأقارب، أنا مثلاً لي أقارب في هولندا وتركيا، أتصل بهم لنحتفل التكريزة سويةً".
لكن يبقى سيران التكريزة ضمن حدود الانترنت، إذ من الصعب الالتقاء بالأقارب كما كان يحصل سابقاً ثم الذهاب إلى الغوطة مثلاً، هكذا يقول إياد متمنياً أن يجتمع بعائلته وأقاربه قريباً.
ما هي طقوس التكريزة؟
أبرز ما يميّز التكريزة اجتماع العائلات والأفراد مع بعضهم، إذ لا يمكن أن تقام إلّا بلمة واسعة من الناس في مكان متفق عليه فيما بينهم، كما يتم الاتفاق أيضاً على النشاطات التي سيقومون بها خلال النهار، من طعام وشراب وألعاب وغناء.
وخلال يوم التكريزة تنشغل النساء بإعداد الطعام بأنواعه، ويفضّل الدمشقيون الطعام الذي يحتوي على زيت الزيتون كالمجدرة والتبولة والفتوش، أو الذي يحتوي على الزيت النباتي كالمقالي، ولا بد من شواء اللحوم.
وينهمك الرجال والشباب بلعب الورق وطاولة الزهر، وقد يساعد البعض النسوة في إعداد الطعام، ولا تخلو الجلسات من وصلات غنائية على أنغام العود والبزق أو الدربكة.
مروى الغفري، سيدة ثلاثينية دمشقية، تقول لـ"روزنة": التكريزة عادة دمشقية أصيلة وهي عبارة عن سيران تقام فيه وليمة تحتوي على ما لذ وطاب من الطعام، الحلو والمالح، السخن والبارد، قبل شهر رمضان بأيام قليلة لتوديع أيام الإفطار والأطعمة والمشروبات المختلفة معلنين استعدادهم لأيام الصيام".
وتضيف: "هدف السيران أيضاً جمع العائلة والأصدقاء على المحبة والمودة قبل التفرغ خلال شهر رمضان للعبادة… حالياً عائلات قليلة من تقوم بهذه العادة".
الباحث والمؤرخ السوري الدمشقي، نصر الدين البحرة قال لموقع "esyria" عام 2011، عن "تكريزة رمضان": إن سكان دمشق يقومون بنزهات عائلية إلى مناطق الغوطة الشرقية أو الربوة، وكانت كل جماعة تفترش جانباً من مكان مطلّ على مناظر الخضرة والمياه بحواجز قماشية تشد بين شجرتين أو أكثر بحيث لا تمنع التمتع بالنسيم العليل والماء المنساب بين الشجر والمناظر الأخاذة.
وأطلق الدمشقيون على النزهات قبل رمضان اسم "التكريزة"، البعض يقول إن معناها الوداع، كما تسمى عند البعض باسم "شعبونية" نسبة إلى شهر شعبان، والبعض حولها إلى "كزدورة"، وهي ما يعرف بالمشوار قصير المسافة.