تقارير | 25 05 2020
مقالات الرأي | تشكلت هيئة التنسيق من تيارات في المعارضة السياسية، برز فيها حسن عبد العظيم والدكتور عبد العزيز الخيّر، وهو المعروف جيداً في سوريا بكونه من قيادات حزب العمل الشيوعي، والذي كان قد أعطي حكماً حين اعتقل في التسعينات هو الأعلى في تاريخ القضاء الاستثنائي في سوريا (22 عام)؛ هو الآن معتقل لدى النظام، وإن كان النظام لا يعترف بذلك. يضاف إليهما هيثم مناع، الشهير بنشاطاته في مجال حقوق الإنسان.
حسن عبد العظيم تتأتى شهرته لكبر سنه، ولتمثيله تنظيماً قومياً "الاتحاد الاشتراكي"، ولكونه نائباً برلمانياً قديماً، وشخصيةً سياسيةً معارضة منذ خمسة عقود، ولأسباب أخرى كخبرته السياسية الواسعة وعلاقاته بالتيارات الناصرية والقومية خارج سوريا. ولكنه رجلٌ ليس له مستقبل سياسي، فالموت قد يأتيه في أي يوم. فقد جاوز الثمانين من عمره.
باعتقال الخيّر، بدا أن هيثم مناع الشخصية الأقوى في الهيئة، ولنَقُلْ هو يعتبر نفسه كذلك، ويريد من الهيئة، وهي الجامعة لشخصيات معارضة قديمة تنافسه في التحليل والطموح لدور سياسي قادم، أن تعترف له بذلك. هيثم مناع أحلامُهُ تتجاوز الهيئة نحو تسلُّم رئاسة وزراء في سوريا أسوةً بزميله في الدفاع عن حقوق الإنسان المنصف المرزوقي وقد أصبح رئيساً لتونس.
حلمه ذاك، دفعه للبحث عن كل الطرق للوصول إليه؛ فهو يشيِّد علاقات قوية مع النظام الروسي والإيراني والمصري؛ ويتحرك وفق مؤشرات السياسة العالمية والإقليمية بما يوصله إلى حلمه. طبعاً لا يوجد سياسي في العالم إلا ويحلم بدور سياسي كبير.
اختياره للهيئة كان مسنوداً إلى التوافق معها، بخصوص الحوار مع النظام والحل السياسي ورفض العنف والطائفية والسلاح؛ عدا رفضها للالتحاق بدول إقليمية وعالمية. يعرف هيثم مناع أن أكاذيب أمريكا وفرنسا وتركيا لن تحقق الانتقال السياسي في سوريا سريعاً، وأن تلك الدول لم تدعم ثورات اجتماعية في تاريخها، فكيف بالثورة السورية، وهي التي لو انتصرت لأطلقت دينامية ثورية في كافة دول المنطقة. وبالتالي كان لا بد من حصارها ودفعها نحو التطييف الواسع والسلاح والفوضى.
طول مدة الثورة، وغياب عبد العزيز الخيّر، ومنافسة الشخصيات الرئيسية لهيئة التنسيق لم تكن بالأمر المريح لهثيم مناع. لم يعد يعجبه أن يكون نائب المنسق العالم لهيئة التنسيق في المهجر، أي لحسن عبد العظيم؛ ولم يعجبه رفض كثير من التحليلات والمواقف التي كان يرغب بتمريرها في الهيئة. وهذا كان سبباً للاختلاف الكبير مع المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق. تصاعدت الخلافات حينما بدأت روسيا مشاوراتها الأخيرة مع المعارضة السورية، فالهيئة لا ترى مانعاً للذهاب إلى أي مكان يمكن أن يعقد تشاوراً أو مؤتمراً للحل السياسي في سوريا. ولكن هيثم المناع كان قد لعب دوراً مركزياً في التحضير لمؤتمر القاهرة، وقام بمشاورات سياسية واسعة مع النظام المصري وجزء من الائتلاف الوطني لتحقيق ذلك؛ وقام هيثم بإرسال أسماء ممثلة عن الهيئة لا علم لأصحابها بها؛ والهيئة أرسلت أسماء أخرى. وهنا مجرد القيام بذلك هو تعبير عن حدّة الخلاف بينه وبينها. ومن هنا كانت التسريبات عن تقديمه الاستقالة، ورفض قيادة الهيئة لها.
في مؤتمر القاهرة، تم تشكيل "لجنة تواصل" لمخرجاتها، وكان قسم من هيئة التنسيق غير راضٍ على بعض أفراد اللجنة سيّما أنهم ليسوا من السياسيين المحنكين والوافدين حديثاً إلى المعارضة. ولكن هيثم مناع كان رافضاً للذهاب إلى روسيا، سيما وأن لقاءها كان محض تشاوري وليس له أيّة مخرجات حقيقية؛ الهيئة كعادتها لا تفوّت لقاء، ولكن شدّة الخلاف جعل مكتبها التنفيذي يوجد مخرجاً، وهو الذهاب بلا تفويض رسمي بل عبر شخصيات تمثل نفسها، وتتكلف بنفسها دفع أجور السفر، وهو ما كان.
ما حدث في القاهرة من مخرجات، اعتمد عليه هيثم، وعلى أن الائتلاف تراجع موقعه في الداخل، وأمريكا وأصدقاء سوريا بدؤوا التفكير في إطار جديد للمعارضة السورية، وبالتالي توهم مناع بتحقيق تقدم على الهيئة وعلى قيادة الائتلاف معاً. ما فاته أن الشرط المصري على مؤتمر مصر أفقده قيمته؛ حيث اشترطوا عدم حضور الإخوان المسلمين وإعلان دمشق؛ وبغياب هذين التيارين، ولما لهما من علاقات إقليمية، فإن مؤتمر القاهرة حكم على نفسه بالموت.
جاء تحرك جديد من قبل الهيئة ذاتها، ولكن عبر باريس، حيث إقامة مناع؛ وقام بذلك الرئيس السابق لمكتب الهيئة في المهجر، خلف داهود، والتحرك كان برعاية الحكومة الفرنسية وبتمويل منها، ولكنه ضمّ وفداً مؤلفاً من الائتلاف ومكلفاً من رئيسه خالد الخوجة، ومن هيئة التنسيق، وكان فيه ممثلون عن إعلان دمشق والإخوان المسلمين المبعدين عن القاهرة. وخرج بورقة "خارطة طريق للحل السياسي" كانت أقوى من مؤتمر القاهرة. ولم يشارك مناع في هذا الأمر على الإطلاق؛ وهذا ما أفقده كل دبلوماسية في التعاطي مع هيئة التنسيق، واعتبره انقلاباً على مؤتمر القاهرة، وأن لا مبرر له، وأنه يفقد الهيئة مصداقيتها في القاهرة.
لم ترغب هيئة التنسيق بفتح أيّة معركة مع هيثم مناع، وهي عادةٌ درجت عليها الهيئة، راغبةً بإيقاف التشظي فيها. وتخفيفاً للخلافات التي ستقسّم الهيئة لا محالة. أصدر المكتب التنفيذي بياناً يوضح فيها أن مؤتمر بارس لا يتعارض مع مؤتمر القاهرة، والاثنان يهدفان إلى الحل السياسي؛ أي رغبت الهيئة مراضاة هيثم مناع والمصريين معاً.
هيثم الراغب في تفويض كامل من الهيئة، رفض كل ذلك، وأعلن تياراً جديداً سماه "قمح"، وخرج بكتلة سياسية في المهجر وببعض الشباب في الداخل؛ وبذلك شق الهيئة تماماً. الهيئة بدروها أعلنت أنها ترحب بتيار قمح وسواه ضمن صفوفها، وبذلك تتحاشى أية صدامات بدأها مناع ولن تتوقف عنده. فمنّاع سيقدم تياره الآن كبديل عن الهيئة؛ وهذا ما سيصعد الخلاف مستقبلاً بينهما.
ما عرضناه من تطورات في الهيئة ووصولاً إلى "تيار قمح"، والذي لا يختلف في بيانه عن بيانات هيئة التنسيق، يبيّن كيف تفكرالمعارضة السورية، وكيف يبحث أفرادُها عن دورٍ سياسي على حساب أي تيار سياسي ولو كان يتطابق معه في كامل الرؤية.
هيثم مناع وكل الشخصيات الرئيسية في الهيئة والائتلاف لا يختلفون بشيء عن بعضهم بعضاً؛ وهذا بالضبط ما استفاد منه النظام أشدّ الاستفادة. مناع لن يكون بدلاً عن هيئة التنسيق، والأخيرة والائتلاف مضطران للبحث عن توافقات سياسية تستجيب للرؤية الأمريكية والهادفة إلى حل سياسي لا ينهي النظام وإن كان يرغب بإنهاء الشخصيات الرئيسية فيه.
*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة.